عبدالله بن عباس... حبر الأمة وبحر العلوم

نشر في 13-06-2017
آخر تحديث 13-06-2017 | 00:00
No Image Caption
هو عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب بن هاشم بن مناف القرشي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه لبابة الكبرى، بنت الحارث، وخالته ميمونة أم المؤمنين، ولد في الشعب وبنو هاشم محصورون قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وتُوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة.

زاده الله بسطة في العلم والجسم، إذا قعد أخذ مقعد رجلين، دعا له صلى الله عليه وسلم، فقال: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"، وكان الخليفتان عمر وعثمان، رضي الله عنهما، يدعوانه فيشير عليهما مع أهل بدر وهو في عمر أولادهم، وكان يفتي في عهدهما، وكان عمر إذا ذكره قال: "ذاكم فتى الكهول، له لسانٌ وقلبٌ عقول".

نذر الفتى نفسه لتحصيل العلم، وكان أول ما فعله عقب قبض النبي صلى الله عليه وسلم أن شمَّر عن ساعد الجد ليحصل الحديث، يقول: كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح عليَّ التراب، فيخرج، فيراني، فيقول لي: يا بن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث.

بمثل هذا التفاني في المهمة التي ندب نفسه للقيام بها أصبح ابن عباس من رواة الحديث المبرَّزين.

شهد له معاصروه بسعة علمه، ورجاحة عقله، حتى لقبوه بألقاب عدة، فلُقِّب بالبحر، والحبر، وكان عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، يقول في حقه: "نِعْم ترجمان القرآن ابن عباس"، وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لِمَ تُدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما أَرَيْته دعاني يومئذ إلا لِيُرِيَهُم مني، فقال: ما تقولون في قوله تعالى: "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ" (النصر: 1)، فقال بعضهم: أُمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل شيئاً، فقال لي: يا ابن عباس، أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟، قلت: هو أَجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه الله له. قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم.

روى عبدالله بن عباس كثيرا من الحديث، وفي كتابه "أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد" وضعه ابن حزم الأندلسي رقم خمسة في المكثرين من أصحاب الألوف، لا يسبقه غير أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين، وذكر له ألف وستمائة وستون حديثاً، وذكر ذلك صاحب كتاب سير أعلام النبلاء وقال: له في الصحيحين خمسة وسبعون، وتفرد البخاري له بمئة وعشرين، وتفرد مسلم بتسعة أحاديث، فيكون مجموع ما له في البخاري ومسلم مئتين وأربعة أحاديث.

حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن كثيرٍ من الصحابة والصحابيات وأمهات المؤمنين، وروى عنه جمع غفير من الصحابة والتابعين، وقد بلغ عدد الرواة عنه مئتين سوى ثلاثة أنفس.

عاش ابن عباس فوق السبعين ومات في الطائف، وشهد جنازته جمع غفير، وحين بلغ جابر بن عبدالله، رضي الله عنه، موت ابن عباس صفق بإحدى يديه على الأخرى وقال: "مات أعلم الناس، وأحلم الناس، ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق".

back to top