صلاح جاهين... العصفور الحزين (1 - 15)

نشر في 11-06-2017
آخر تحديث 11-06-2017 | 00:05


عرف صلاح جاهين كيف يترك بصمته في تاريخ مصر الثقافي والفني، كفنان على مسرح الحياة يملك وجوهاً فنية كثيرة مستمدة من أبناء الأرض والمهمشين.

استطاع جاهين المتفجر المواهب أن يملأ الدنيا صخباً يليق بحجم موهبته الضخمة والشاملة لكثير من حقول الإبداع، فتنقل برشاقة بين عوالم الشعر والكاريكاتور وكتابة السيناريو والتمثيل والكتابة الصحافية ورعاية المواهب الفنية، تاركاً في كل مجال بصمة وعلامة.

لم يكتفِ بالمرور المتعجل بل هو صاحب مكان. تحدّث عن اسم مصر، واضعاً حكمته المصفاة في رباعياته الشهيرة، وكتب سيناريو الأفلام فحقّقت أضخم الإيرادات.

أنامل جاهين ذهبية؛ فالريشة بين يديه أخرجت الكاريكاتور السياسي الاجتماعي كصاروخ موجه ضرب المسؤول المهمل في مقتل، والقلم ركض بأمره على الورق فخرجت الأشعار والأزجال تنتصر للعامية المصرية. ولم يتوقف عند حاجز السيناريو أو الكتابة الصحافية، فعندما توقفت يداه عن الكتابة تحرك الجسد أمام الشاشة الفضية، فللرجل تجارب سينمائية تمثيلاً وكتابة، فكان في كل هذا يكتب عن اسم مصر.

في تجاربه لم ينس جاهين ابن البلد، كان معبراً عن الناس في الشوارع والحواري، أفندية وعمالاً وفلاحين وحرافيش. ظلّ مخلصاً للمصري الحقيقي، يعرف كيف يضحك ومتى يُبكي المصري على همومه، فاحتفظت له الأخيرة بمكانة استثنائية تليق بعبقرية وتفرد الضاحك الباكي.

في هذه الحلقات تستعرض «الجريدة» مشاهد من سيرة حياة جاهين، وأبرز المحطات في مشوراه الإبداعي الذي تقاطع في كثير من محطاته مع لحظات مفصلية في تاريخ مصر الحديث.

لم يعشق صلاح جاهين شيئاً في حياته مثلما عشق أبناءه الثلاثة، بهاء وأمينة من زوجته الأولى الفنانة التشكيلية سوسن زكي، ثم سامية من زوجته الثانية الفنانة منى قطان، والتي كان يحب أن يطلق عليها «آخر العنقود سكر معقود»، ليس لأنها أصغر أبنائه فحسب، بل أيضاً لأن الفارق العمري بينها وبين أخويها بهاء وأمينة يزيد على 20 عاماً، فضلاً عن أنها جاءت إلى الدنيا بعد زواجه الثاني بما يقرب من 13 عاماً. لذا مثلت مشاعر متباينة لدى صلاح، بين الخوف والقلق، بألا يتيح القدر الفرصة لهما بأن يأخذ كل منهما من الآخر ما يكفيه من حب وحنان، ومشاعر أبوة وبنوة دافئة، فضلاً عن إحساسه بألا يستطيع أن يرويها من فيضه الفني الغزير، رغم تلمسه فيها بوادر نبوغ فني مبكر وذكاء فطري.

كان جاهين سعيداً بقدوم سامية لتجدّد شباب رجل يقف على عتبة الخمسين من عمره، وإن كان الطفل الذي يلازمه طيلة عمره، لا يزال موجوداً، لا يفارقه حتى في أصعب اللحظات، ما جعله صديقاً دائماً لكل أولاده، تحديداً الصغرى سامية، التي كان يحرص دائماً على اللعب واللهو معها بعرائس «الماريونت» مقلداً أصواتها، فضلاً عن الحديث إليها لفترات طويلة، خصوصاً إذا ما فوجئ منها بأحد أسئلتها الكثيرة.

ذات يوم قطعت عليه استمتاعه برائعة مرسي جميل عزيز، وصديقه القديم بليغ حمدي «سيرة الحب» لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، وركضت لترتمي في حضنه وتباغته بأحد أسئلتها:

= بابي... هي الدنيا دي مين اللي خلقها؟

* ياه! الدنيا كده مرة واحدة! طب يا ستي الدنيا ربنا هو خلقها... وكمان خلق الكون كله.

= يعني إيه كون؟

* الكون يعني الأرض والسما... والكواكب والنجوم... وكل شيء حولنا.

= مامي قالتلي إن الأرض دي عاملة زي الكرة.

* صحيح... كرة!

= كرة إزاي وإحنا مش بنقع وإحنا ماشين؟! هو في حد ممكن يمشي على الكرة؟!

* أيوا... ربنا خلانا نمشي عليها من غير ما نقع.

= هو ربنا اللي عمل كل حاجة... كل حاجة. والناس مش بتعمل حاجة خالص؟

* أيوا أُمال... ربنا هو المبدع الأول. وبعدين إدانا حتة نونو آااااااااد كده... من إبداعه علشان الناس تعمل بيها اللي يعمر الأرض.

إعادة الاكتشاف

ما إن انتهى الحوار مع صغيرته سامية، حتى ولدت في داخله فكرة قصيدة جديدة. دخل إلى حجرته وجلس إلى مكتبه، ثم هبّ واقفاً، وذهب إلى نافذة حجرته، وفتحها على مصراعيها، وراح ينظر إلى الأفق، يتأمله، كأنما يعيد اكتشافه بعين صغيرته. عاد إلى مكتبه وراح يكتب إحدى أجمل قصائده بعنوان «ربنا»، ليرد بها على التساؤلات التي لمحها لدى الصغيرة، ويجيبها كطفل في مثل عمرها، عمن خلق الكون وكيف خلقه؟ وفي أية صورة؟

مين اللي كوّر الكرة الأرضية؟

مين اللي دوّرها كده بحنية؟

مين اللي في الفضا الكبير علّقها

ما تقعش منها أي نقطة مية؟

مين اللى عمل البني آدمين؟

مفكرين ومبدعين

مين اللي إدانا عقول وقلوب

وشفايف تسأل: هو مين؟

مين اللي دايماً صاحي واخد باله

وكلنا بنحبه... جلّ جلاله

ربنا

إحنا بنحب ربنا... وربنا بيحبنا

ويحبنا أكتر كمان... لما نحب بعضنا

عمل الفراشة بأجنحة وزوقها

وكل فكرة مدهشة حققها

البحر حط له ملح لأجل يعوِّم

وما سابش حاجة إلا لما خلقها

مين اللي لما بنطلبه يسمعنا

وف وقت الحزن يشجعنا

ولما نفرح نشكر... مين

على إنه بسطنا ومتعنا؟

مين اللي قلبه علينا واحد واحد؟

وكلنا بنحبه... هو الواحد

ربنا

إحنا بنحب ربنا... وربنا بيحبنا

ويحبنا أكتر كمان... لما نحب بعضنا

سألتني طفلة

قلت: هوّ ما بيننا

موجود في كل مكان وبيبصّلنا

بيشوف بنسعد بعض ولا لأه

وم الخطر يحرسنا ويحوش عنّا

في كل مكان ربنا موجود

جنب الضعف وجنب المجهود

يا ربنا... أنت جميل

ومافيش كمثلك في الوجود

مين الصديق اللي مافيش غِنى عنه

وكلنا بنحبه ونخاف منه؟

ربنا

إحنا بنحب ربنا... وربنا بيحبنا

ويحبنا أكتر كمان... لما نحب بعضنا

لم يرسل صلاح جاهين القصيدة للنشر كعادته، بل تركها فوق مكتبه، وراح يقرأها من حين إلى آخر على سمع صغيرته، ليس ليجيب عما لديها من أسئلة، لكنه أراد أن يضع يديها على طرف خيط، ضمن خيوط عدة، حرص على أن يعلمها كيفية التمسك بها.

لم يكن صلاح جاهين ينام بشكل منتظم. كان ينام دقائق، فتلح عليه فكرة، شعراً أو نثراً، أو حتى رسماً، فيهبّ من نومه، ليدخل إلى مكتبه ويمسك بها قبل أن تهرب، ويروح يسجلها. غير أن ما سمعه من أخبار في تلك الليلة، لم يوح له بفكرة جديدة، بل أصاب تفكيره بشلل تام!

بداية النهاية

دخل غرفة مكتبه في ساعة متأخرة من الليل، جلس على كرسيه، راح يبحث عن الفكرة، بل راح يتحدث معها عن الشكل الذي تريد أن تخرج به، هل هي شعر أم رسم؟ راح يحاورها وتحاوره، وقبل أن تكتمل، انقطع الحديث بينهما، وبين شد وجذب... راح صلاح جاهين في سبات عميق، لا يعرف إذا كان نائماً أو مستيقظاً، غير أنه ظلّ جالساً، مسلوب الإرادة غير قادر على الحركة، أو النطق، أو حتى الإشارة.

في العاشرة صباحاً أيقظت سامية والدتها منى قطان، وهي تطلب منها أن تصحبها إلى النادي. لم يكن صلاح نائماً إلى جانبها، فانسحبت في هدوء إلى غرفة مكتبه لتطمئن عليه، ظناً منها أنه يعمل. غير أنها وجدته جالساً على كرسي «الفوتيه» إلى جانب مكتبه، وقد راح في سبات عميق، فظنت أنه نائم بعد سهر طوال الليل، ففضلت ألا توقظه، وتتركه يرتاح قليلاً، قبل أن يبدأ برسم «الكاريكاتير» الذي يرسله يومياً إلى جريدة «الأهرام». وأمام إلحاح الصغيرة، وافقت منى على الذهاب معها إلى النادي، بشرط الانتظار حتى يستيقظ والدها أولاً، ثم تناول الإفطار معاً كعادتهم كل يوم، وتتوجهان بعد ذلك إلى النادي.

راحت الصغيرة تلهو مع أقرانها من أبناء الجيران، فيما ظلّت منى في انتظار استيقاظ صلاح. غير أن نومه طال أكثر من اللازم، فقد مرّت ساعة واثنتان وثلاث، حتى أنه تأخّر كثيراً في إرسال «الكاريكاتير» إلى الأهرام، فراحت توقظه بهدوء. غير أنه لم يستيقظ، فرفعت صوتها، لكن من دون إجابة. راحت تهزّه بعنف بصوت يخلط بين الصراخ واللهفة. هو لم يفارق الحياة، بدليل أنه لا يزال يتنفس، لكن ما به؟ مؤكد أن ثمة خطأ ما، فقد تكون غيبوبة، وقفت حائرة مضطربة لا تعرف ماذا تفعل، ومن دون أن تفكر أمسكت بسماعة الهاتف وراحت تطلب الفنانة سعاد حسني:

= ألحقيني يا سعاد. الحقيني صلاح يا سعاد... صلاح!

- ماله؟ اهدي يا مني وفهميني ماله صلاح؟

= صلاح نايم على الكرسي ما بينطقش

- يعني أيه ما بينطقش.. مش بتقولي نايم

= لا هزيته وصرخت ما بيردش.

- عايزة تقولي إيه ما ترعبنيش.

= لا لا بيتنفس... حطيت ودني على صدره لقيت قلبه بيدق بس زي ما يكون في غيبوبة.

- غيبوبة. طب يمكن مغمى عليه شمميه كولونيا ولا نشادر ولا أي حاجة. حاولي وأنا هكلم الدكتور أو الإسعاف أو أي حاجة... شوفي يا منى بسرعة وأنا جايالك.

فعلت منى ما قالته سعاد حسني ولكن من دون جدوى. ركضت تستغيث بالجيران، الذين تجمعوا حوله في محاولة يائسة منهم لإفاقته، فاتصلت ابنة الجيران بمستشفى «الصفا» القريب وجاء طبيبان شابان فوراً، وأقرا بأنه في حالة غيبوبة، ولا بد من نقله إلى المستشفى.

تركت زوجته ابنتها سامية في رعاية الجيران، وصحبته إلى المستشفى.

في «الرعاية المركزة»

ظلّ صلاح جاهين في غرفة «الرعاية المركزة» أياماً عدة من دون أن يعود إليه وعيه، وسط دعاء المحيطين به، ودعاء قرائه ومحبيه، خصوصاً بعدما نشرت الصحف الخبر. وكلما مرّ يوم وهو في غيبوبته، ازداد القلق ومعه الدعاء من عشاق فنه في المجالات التي طرقها، وترك فيها أثراً لا يستهان به، حتى أصبح علامة من علامات كل فن أبدع فيه، الرسم، والشعر، والتأليف، للكبار والصغار.

بمجرد أن أفاق صلاح جاهين من غيبوبته، تجوّل بعينيه في الغرفة، وراح يكتشف كم الأجهزة الطبية والأنابيب والخراطيم التي تتصلّ بأجزاء متفرقة من جسده، ، ليستنتج ما حدث له، ويستقر بنظره إلى سقف الغرفة، ثم يغلق عينيه مجدداً، غير أنه أغلقهما هذه المرة وهو في كامل وعيه، يعرف ماذا يفعل، ليقارن في دهشة ساخرة، بين هذه اللحظة التي يرقد فيها ويلقى كل هذه العناية والحرص إلى حد الخوف والقلق على حياته من أن يصيبه مكروه، وبين اللحظة التي أخبرته بها والدته عندما جاء إلى الدنيا صامتاً.

على عكس الأطفال الذين ينزلون إلى الدنيا معلنين قدومهم بكل ما أوتوا من صراخ وبكاء، ولد صلاح جاهين صامتاً لا يتحرك، بل إن جسده غلب عليه اللون الأزرق، فظنّت المولدة أنه ولد ميتاً، فما كان منها إلا أن لفته في قطعة قماش، ووضعته أسفل سرير الأم، إلى حين الاطمئنان على صحتها أولاً، ثم تسليمه لوالده ليدفنه، دون أدنى اهتمام، إذا ما كان قلبه ينبض أو لا. أو إذا ما كانت ثمة فرصة ولو ضئيلة لإنقاذه في الوقت المناسب، حتى سألت الأم عن وليدها، وقبل أن تخبرها المولدة بأنه ولد ميتاً، مدت يدها لتتناوله من أسفل السرير، لتفاجأ به يركلها بقدميه، كأنما يخبرها بخطأ ظنها، وأنه لا يزال على قيد الحياة.

ابتسم صلاح جاهين ابتسامة ساخرة، وهو يعقد مقارنة سريعة بين اللحظتين، والفارق الكبير بينهما، بين عدم المبالاة بحياته، وإذا ما كان على قيد الحياة أم أنه فارقها، وبين محاولة المستحيل لإعادته إلى الحياة، وهل ما فعله بين اللحظتين، يستوجب هذا الخوف كله والحرص على حياته؟ وكيف مرت هذه السنون كلها عليه؟ وما الذي قدمه خلالها؟

راح يستعرض حياته منذ ولادته، والتي كثيراً ما داعبته والدته بذكرياتها حولها، بعدما اكتشفوا أنه على قيد الحياة، بعد ولادة متعسرة كادت تقضي على حياتها، بسبب ضخامة جسمه.

ولد محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي جاهين يوم 25 ديسمبر عام 1930، في بيت جده في حي شبرا العريق، ويعد شارعه الرئيس «شارع شبرا» أحد أشهر شوارع القاهرة.

في البيت الكبير بشارع «جميل باشا» الموازي لشارع شبرا، عاش الكاتب الصحافي أحمد حلمي، الذي تولى خاله تربيته من طفولته، بعد وفاة والده، وراح يعده لأن يصبح كاتباً وموظفاً في أحد دواوين الحكومة. لكن الفتى لم يقنع بهذا العمل وراح يثقف نفسه بنفسه واستطاع أن يؤدي امتحاناً في وزارة المالية، لينجح ويعمل فيها مؤقتاً، غير أنه سرعان ما استقال ليعود إلى العمل في مصلحة المساحة.

بعد عشق القراءة جاء عشق أحمد حلمي للكتابة، لكن قيود الوظيفة منعته من ذلك، فكان يراسل جريدة «السلام» اليومية التي صدرت في الإسكندرية في مايو 1898 ويوافيها بأخبار القصر والوزارات والمصالح، وعندما أصدر الزعيم مصطفى كامل صحيفته «اللواء» في يناير 1900، بدأ حلمي بمراسلتها والكتابة لها وأصبح محل ثقة مصطفى كامل، فاتفق معه على التفرغ التام للعمل في «اللواء»، وسرعان ما بات المحرر الأول فيها، حتى أنه كتب مقالاً عن «حادث نشواي»، اعتمد عليه مصطفى كامل في عزل المندوب السامي البريطاني اللورد كرومر، لكنه تقدّم باستقالته عام 1908، عقب رحيل مصطفى كامل.

في أبريل 1908، أصدر المجلة الأسبوعية «القطر المصري»، وبعد ستة أشهر أصبحت جريدة يومية سياسية أدبية تجارية إسلامية، هاجم من خلالها الخديوي والإنكليز، ربما أهم ما تضمنته مقالاته حول «حقوق الخديوي وحقوق الأمة»، وأن الأمة المصرية قادرة على انتزاع السلطة ممن ينكر حقوقها، كذلك أكّد أن الأمة المصرية إذا لم تأخذ الدستور عطاء أخذته قسراً، وواصل هجومه الشديد والحاد على خديوي مصر، متهماً إياه بعداوته للأمة بعدم منحها مجلس نواب، حتى ضاق الخديوي والسلطات الإنكليزية بما كان يكتبه، وتقرر تقديمه إلى المحاكمة بحجة تعديه حدود الأدب والواجبات الصحافية، ووسط حراسة مشددة، ومتابعة كل الشعب المصري بدأ نظر القضية أمام محكمة «السيدة زينب» في 5 أبريل 1909، بتهمة التطاول على مسند الخديوية المصرية، والطعن في حقوق الحضرة الخديوية، فحكمت المحكمة بسجنه عشرة أشهر حبساً بسيطاً وأمرت بتعطيل جريدته مدة ستة أشهر.

لم يهادن أحمد حلمي أو يستسلم، وبعد انقضاء مدة الحبس وتعطيل الجريدة توالت مقالاته، حتى ضاقت الحكومة وسلطات الاحتلال بالجريدة وصاحبها فأصدرت قراراً بإغلاقها في 22 يناير 1910، غير أن جهاده ومقاومته لم يتوقفا عند حدود السياسة، فأصدر صحيفة «الشرق» عام 1914 وعالجت شؤوناً اجتماعية وأدبية وتاريخية وعلمية، ثم أصدر جريدة «الزراعة» عام 1919 التي دعت إلى إنشاء النقابات الزراعية وضرورتها، ليواصل مسيرته متمرداً على الظلم والاستبداد، كاتباً وشاعراً، وعاشقا لوطنه.

حاول الكاتب الصحافي أحمد حلمي غرس هذه الصفات الوطنية في نجله بهجت حلمي، الذي اتجه إلى سلك القضاء بعد دراسة القانون، حيث بدأ وكيلاً للنيابة، ثم اعتلى منصة القضاء، وهو ما حرص عليه الابن أيضاً في اختيار زوجته، إذ انتقاها فتاة مثقفة، عاشقة للموسيقى والقراءة والفن التشكيلي، من أسرة عريقة. تزوج السيدة أمينة حسن، التي تخرجت في مدرسة السنية، ثم عملت مدرسة للغة الإنكليزية، ليعيش الجميع معاً في ذلك البيت الكبير بشارع جميل باشا في شبرا،

ورغم سعادة الأب والأم باستقبالهما أول مولود لهما، إلا أنه كان ثمة من هو أسعد منهما، إذ كانت سعادة الجد أحمد حلمي لا توصف باستقبال حفيده، الذي اختار له اسم «محمد صلاح الدين» مستدعياً إلى ذاكرته البطل العربي «صلاح الدين الأيوبي»، متمنياً أن يستطيع حفيده أن يكمل مسيرته النضالية.

مع إن كل الخلق من أصل طين

وكلهم بينزلوا مغمّضين

بعد الدقايق والشهور والسنين

تلاقي ناس أشرار وناس طيبين

وعجبي!!

...

يا عندليب ما تخافش من غنوتك

قول شكوتك واحكي على بلوتك

الغنوة مش ح تموِّتك إنما

كتم الغنا هو اللي ح يموّتك

عجبي!

....

عجبي عليك... عجبي عليك يا زمن

يا بو البدع يا مبكيِّ عيني دماً

إزاي أنا أختار لروحي طريق

وأنا اللي داخل في الحياة مرغماً

عجبي!!

...

مرغم عليك يا صبح مغصوب يا ليل

لا دخلتها برجْليَّا ولا كانلي ميل

شايلنيِّ شيل دخلت أنا في الحياة

وبكرة حأخرج منها شايلنِّي شيل

عجبي!!

...

سنوات وفايته عليّا فوج بعد فوج

واحدة خدتني ابن والتانية زوج

والتالتة أب خدتني والرابعة إيه

إيه يعمل اللِّي بيحدفه موج لموج؟

عجبي!!

صلاح جاهين

البقية في الحلقة المقبلة

جاهين خرج إلى الحياة صامتاً وأعلنوا وفاته قبل أن يعود بركلة إلى المولدة

الجد اختار اسم أول حفيد له تيمناً بالناصر صلاح الدين الأيوبي

كتب قصيدة «ربنا» للإجابة عن أسئلة طفلته المدللة «سامية»
back to top