نادية لطفي... العصامية الشقراء (16 - 20)

«يوسف شاهين ورَّطني مع زوجي»

نشر في 11-06-2017
آخر تحديث 11-06-2017 | 00:03
«النجاح المُر» هو أدقّ توصيف لتجربة نادية لطفي مع فيلم «سلطان»، فقد تعرضت أثناء التصوير لكثير من الضغوط والملاحظات الغاضبة على أدائها، ما تسبّب في انطفاء حماسة المنتج رمسيس نجيب نحوها. ولذا، بات مصير النجمة الصاعدة نادية لطفي في مهب الريح.
عن خطواتها التالية وأول «ورطة» واجهتها في مشوار الفن نواصل.
لم تكن أولى تجارب نادية في فيلم «سلطان» سلسة، فكثيراً ما كانت تخطئ في الأداء أو تنسى جملة في الحوار، ما اضطر مخرج الفيلم نيازي مصطفى إلى إعادة بعض المشاهد أكثر من 30 مرة، لعدم رضاه عن النتيجة، وهو المخرج العملي المشهور بين المخرجين بتحضير التفاصيل كافة قبل التصوير، وإنجاز أفلامه بدقة متناهية وفي أقصر فترة، وأقل تكلفة للشرائط.

أدت هذه العثرات إلى تراجع المنتج رمسيس نجيب تجاه نادية لطفي، ورغبته في فسخ عقد الاحتكار. لكن الموزع جان خوري، تدخل للتهدئة، باعتباره موزع الفيلم، وطالب نجيب باستكمال العقد وإنتاج الأفلام الثلاثة لنادية، على أن توزّع «شركة الشرق» التي يملكها ويديرها هذه الأفلام. بعد شهر تقريباً من توقف نادية وارتباكها، استقر الرأي على ترشيحها لفيلم جديد يستعد لإخراجه «يوسف شاهين»، صهر خوري الذي حقق شهرة متميزة بين المخرجين منذ فيلمه الأول «بابا أمين» عام 1950، وأنجز حتى ذلك العام 12 فيلماً، أشهرها «ابن النيل»، و«صراع في الوادي» و«صراع في الميناء» و«جميلة»، ثم «باب الحديد» الذي تعرض لفشل جماهيري مخيب للآمال رغم مشاركة فريد شوقي وهند رستم في بطولته.

اتصل جان خوري بصديقه وصهره يوسف، وتحدث إليه عن نادية لطفي، التي كان تعرف إليها سابقاً في منزل شقيقته، ثم شاهدها على شاشة السينما كممثلة.

- ألو يا «جو»... فكرت في ترشيح بولا. قصدي نادية لطفي. على فكرة البنت ممثلة كويسة، لكن ظروف أول تجربة ظلمتها شوية، ولو مش مطمن ممكن تعمل لها اختبار كاميرا.

* ولا اختبار ولا عفريت... ما بشتغلش شغل تلاميذ.

- مش فاهم.

* ما دام الممثل جاهزاً ولديه استعداد تبقى إدارته مشكلة المخرج، فاكر لما رشحت عمر الشريف أول مرة لبطولة «صراع في الوادي»...

- آه.

* تونا (هكذا كان ينادي فاتن حمامة) ما كانتش مرتاحة لشكري سرحان وعاوزة تغير صورة البطل اللي هيقف قدامها، ولما كلمت ميشيل (يقصد عمر الشريف)، ما عرفش يقول كلمة عربي، وطلعت في نافوخه يمثل قدام فاتن بالإنكليزي، وقدم مشهداً من هاملت، وفاتن شافت الموقف كله كويس، وقالت: حاجة جديدة ولطيفة، لكن لما غابي (يقصد المنتج جبرائيل تلحمي) عمل اختبار الكاميرا، كانت النتيجة مصيبة.. كلهم قالوا إيه القرف ده؟ نيفيو (مهندس الصوت نيفيو أورفانيللي) قال: صوته فظيع ومستحيل ينفع في التمثيل، وألدو (المصور ومدير معامل أستوديو الأهرام ألدو سالفي) قال: ده يروح بيته فوراً... ما ينفعش خالص. و«ميشيل» طبعاً اتدمر ونسي الموضوع. ولما لقيت فاتن متحمسة ومش معترضة عليه، رحت إلى بيته وقلت له: سيبك من كل ده... له حلول، واتمسكت بيه، وأديك شايف، يبقى عاوزني دلوقتي أصدق «حتة حديدة» وأكذب إحساسي... أنا شفت البنت على الشاشة، وشايف أنها مناسبة للدور.

أول ورطة

لما تسلمت نادية سيناريو فيلم «حب إلى لأبد»، شعرت بأنها تلتقط أنفاسها بعد فترة من الغرق. عندما بدأت القراءة، اصطدمت بأول مشكلة في اتفاقها مع زوجها القبطان عادل البشاري، فالفيلم يتضمّن قبلات وعناقاً بين «آمال» التي ستقوم نادية بدورها، وبين «أشرف» الذي سيؤدي دوره أحمد رمزي. وفي أول محاولة لمناقشة يوسف شاهين في إمكان تعديل المشهد، تلقت أول درس، إذ قال إنه لا يسمح بأن تناقش «بولا» مشاكل «آمال».

كان شرط عادل البشاري واضحاً، ألا تقبل زوجته أدواراً غرامية، أو تتضمن مشاهد قبلات وأحضان وملابس مكشوفة، لذلك التزمت «بولا» الصمت فترة قبل أن تصارح زوجها، وتخبره بأمر هذه المشاهد وأن تصويرها تمّ وسط فريق كبير من العاملين، وبطرائق مختلفة وليس كما تظهر على الشاشة. انتهت المناقشات الطويلة إلى قبول الفيلم بدرجة من التحفظ، وتأكيد عدم تكرار قبول مثل هذه الأدوار لاحقاً.

قدّمت نادية في الفيلم دور فتاة فقيرة تعمل كاتبة على آلة طباعة (تايبست) في شركة الاستيراد الأهلية. ذات يوم، تسرق ورقة مالية قيمتها 20 جنيهاً من عهدة زميلها أشرف نيازي (أحمد رمزي)، الذي يكتشف أمرها قبل أن يقنعها بإرجاع المبلغ، ومن ثم يُفصل من دون إبلاغ النيابة إكراماً لشقيقه المحامي الكبير ومرشح البرلمان محمود نيازي (محمود المليجي)، ويتحمّل أشرف قرار الفصل من دون أن يفصح عن حقيقة السارق، فيتستر على زميلته التي قابلها بعد ذلك مصادفة في ملهى ليلي حيث ساقتها الأقدار إلى العمل فيه. حينها، ينهرها غاضباً: «أنا اتحملت فصلي علشان يكون مصيرك كده، تشتغلي في كباريه؟! فيعرف أنها تزوجت من شخص سيئ استغلها ولم تملك الاعتراض، ويتأكد أنها مظلومة وضحية ظروف صعبة (الظروف نفسها التي جعلت من «سلطان» في الفيلم الأول مجرماً، فتعاطف معها ونشأت بينهما قصة حب).

تتوالى الأحداث وتتوطّد العلاقة بينهما. ذات ليلة كان أشرف معها، عندما دخل زوجها وراح يعاملها بعنف للاستيلاء على نقودها، فضربه أشرف ضربة أدت إلى موته، ثم قرّر إلقاء الجثة في مكان مهجور، قبل أن يعترف لأخيه المحامي بذلك، فينصحه بالهرب إلى «العزبة» والاختفاء فيها، وعدم مقابلة آمال هرباً من التهمة وحبل المشنقة. على الجانب الآخر، نجح المحامي في إقناع آمال عندما اكتشف حبها لشقيقه بأن تسلم نفسها للشرطة ثم تنتحر.

فعلاً، أرسلت إلى أشرف رسالة أوضحت له فيها نيتها تسليم نفسها للشرطة لتردّ له تضحياته السابقة. عندما قرأ الرسالة حاول إنقاذها، لكنها كانت انتحرت، ولم يفلح في إنقاذها. عاد إلى «العزبة» حيث وجد شقيقه في حفلة انتخابية يتحدّث عن الشرف والعداله، ويقدّم الوعود والأمنيات لكبار عائلات المنطقة الريفية التي يترشح عنها، فقاطعه قائلاً للناس: الرجل ده اللي مفروض يدافع عن العدل... مجرم، وبيخدعكم. وأنتهى الفيلم بموعظة ميلودرامية تختم بلافتة «إنما الأعمال بالنيات».

المؤكد أن أداء نادية لطفي تطوّر بشكل مذهل في فيلمها الثاني تحت إدارة يوسف شاهين، ورغم أن الفكرة التي يدور حولها العمل تقليدية قديمة تنتمي إلى رومانسيات «غادة الكاميليا»، فإن نادية حطمت الصورة المبتذلة لفتاة الملهى الليلي، وقدّمت الشخصية كضحية للظروف الاجتماعية من دون أن تفقد براءتها الداخلية، وجمال وجهها الملائكي، وحافظت على ملامح الشخصية بمصداقية طوال الأحداث. بدوره، ساعدها يوسف شاهين بملاحظاته، ورغبته الجارفة في تجديد الصورة السينمائية، فلم تظهر بملابس غير محتشمة، أو ماكياج صارخ، أو أداء خارجي مبتذل. حتى مشهد موتها جاء مثيراً للتعاطف.

المؤكد أيضاً أن نادية كانت محظوظة في العمل في ثاني تجاربها مع العبقري يوسف شاهين رغم أنها لم تشاركه كثيراً من إبداعاته.

قالت: كنت أتمنّى بالتأكيد أن تمتدّ تجربتي مع جو وأشاركه الكثير من أعماله التي كانت وستظل خالدة في ذاكرة السينما ووجدان الجماهير، فهو فنان «استثنائي»، ومرهف، قدّم إنتاجاً متميزاً. كل مشهد له يفيض بالأحاسيس العميقة والمكثفة، والجمال الفني الراقي. هو باختصار، فنان حقيقي أصيل، ومحظوظ كل من أتيح له العمل معه ولو بلقطة عابرة، ومؤكد أنه تعلّم منه شيئاً سيفيده في مشواره الفني. هذه كانت أبرز صفاته كمخرج وكإنسان أيضاً لا يبخل بمعلومة أو رأي على أحد. كان صادقاً في مشاعره وتعامله ومع الجميع، والصدق أيضاً مفتاح التواصل معه.

ترتيبات

قدّمت نادية فيلماً في موسم 1958، وفيلماً في العام التالي 1959، وتوقفت عن العمل فترة شعرت خلالها بالقلق والتوتر، خصوصاً بعدما تخلى عنها رمسيس نجيب وبدأ يركّز في إنتاج أفلام للنجمة التي خطفت قلبه (لبنى عبد العزيز). لذلك بدأت تفكر في طريقة أخرى تعود بها إلى الوسط بعيداً عن مخاطر أسلوب احتكار النجوم، ومن غير أن تتنازل عن أدوار البطولة التي بدأت بها مشوارها السينمائي.

قالت نادية: أثناء تصوير فيلم «حب إلى الأبد» تعرفت إلى السيناريست والمنتج وجيه نجيب، وكان قريباً من يوسف شاهين، ويتعامل بمودة وأسلوب راق. كذلك تعرفت إلى السيناريست محمد أبو سيف وعملت معه بعد ذلك في أفلام كثيرة. ومن خلال المعارف رُشّحت لفيلم جديد يخرجه كمال الشيخ من بطولة كمال الشناوي، نجم صباي ومراهقتي، الذي كنت أقص صوره من المجلات الفنية وأحتفظ بها في ألبومات خاصة. كان يشارك في بطولة الفيلم أيضاً النجم الشاب آنذاك عمر الشريف. ومع أنني توقفت فترة حتى وصلني هذا العرض، فإنني صممت على أن يكون اسمي في بداية الترتيب، قبل اسم عمر الشريف. لا أعرف لماذا! لكن كان لديّ إحساس بأني لو تنازلت عن مقامي كبطلة، لن أكون سعيدة، وسأشعر بالهزيمة والانكسار. كان الفيلم من إنتاج جمال الليثي، وبعد مناقشات طلب مني أن أوافق على وضع اسمي مع اسم عمر الشريف في لوحة واحدة في أول شارة الفيلم. وعندما سألته عن اسم كمال الشناوي، قال لي إنه وافق على أن يلي اسمه اسمينا، وهو النجم الكبير الذي كنت واحدة من جمهوره ومعجبيه. طبعاً، زاد احترامي للأستاذ الشناوي وإعجابي به، وعندما قابلت عمر الشريف أثناء التصوير، سألته: أكيد الكلام عن ترتيب الأسماء وصلك، فهل أنت زعلان مني؟

فوجئت بعمر يضحك، ويسألني: هي إيه الحكاية؟ أكيد في سر ورا الموضوع ده؟ وطبعاً تعجبت من رد فعله، ولم أفهم قصده، وفوجئت به يحكي لي ما أدهشني. و...

مشوار على الملصق

ظلّ اسم نادية في مقدمة الشارات على امتداد 30 سنة (من 1958 إلى 1988) مع استثناءات قليلة، وصل بعضها إلى ساحات المحاكم. ظهرت في فيلمها الأول، تالية لبطل الفيلم فريد شوقي، ثم لوحة تجمع بين رشدي أباظة وبرلنتي عبد الحميد، ثم أسماء بقية الممثلين. لكنها ظهرت بعد ذلك بطريقة مميزة في لوحة خاصة وبارزة ويسبق اسمها تقديم «مع الوجه الجديد..». وفي فيلمها الثاني، جاء اسمها بعد أحمد رمزي وقبل محمود المليجي. وفي الفيلم الثالث، تساوت مع عمر الشريف في بداية الشارة، وبعدهما النجم الكبير كمال الشناوي. وفي «عمالقة البحار»، ورغم دورها الصغير، ظهرت في لوحة خاصة مميزة يسبقها تقديم «بالاشتراك مع...»، بينما تصدّر الأسماء أحمد مظهر، وهو ما حدث أيضاً في فيلمهما التالي «مع الذكريات» حيث جاء نادية في الترتيب الثالث بعده وبعد مريم فخر الدين، بينما تأخرت إلى الترتيب الخامس في فيلم «لا تطفئ الشمس» نظراً إلى مشاركة نخبة كبيرة من النجوم تصدرتهم فاتن حمامة منفردة، ثم شكري سرحان، وعماد حمدي، وأحمد رمزي، ثم نادية لطفي، لكن في مساحة منفصلة وبارزة. وفي «عودي يا أمي»، جاءت بعد شكري سرحان. ثم قفز اسم نادية إلى مقدمة الشارة لأول مرة في «السبع بنات»، باكورة الأعمال القليلة التي جمعت بينها وبين سعاد حسني، التي غاب اسمها عن الملصق المطبوع رغم وجود صورة لها تعلو على صورة نادية! ونختتم موسم 1961 بظهور نادية على الشاشة البيضاء أقل من دقيقة (57 ثانية فقط)، كضيفة شرف في فيلم «نصف عذراء»، من إخراج أستاذها السيد بدير وبطولة زبيدة ثروت ومحرم فؤاد.

الفارسة الصليبية

فيلم «الناصر صلاح الدين» أحد أهم أفلام يوسف شاهين، بل أحد أبرز كلاسيكيات السينما المصرية، وكانت بولا بالتأكيد محظوظة بالمشاركة فيه من خلال دور لويزا الفارسة الصليبية، مع كوكبة من النجوم، في مقدمهم أحمد مظهر، وصلاح ذو الفقار، وليلى فوزي، وعمر الحريري، وزكي طليمات، وغيرهم.

ما يجهله البعض أن الفيلم كان من المفترض أن يخرجه الراحل عز الدين ذو الفقار قبل أن يصيبه المرض، لذا صرح وهو على فراش الموت: «إذا لم يقدر لي تحقيق الفيلم أرشح شاهين لهذا العمل».

كان الفيلم وسيظلّ أحد أضخم الإنتاجات فى السينما المصرية، بل كان آنذاك أضخم إنتاج فعلاً قدّمته آسيا داغر، وفاق نجاحه التوقعات. حتى أنه كان أول فيلم يُوزَّع في أوروبا، واستغرق تصويره أكثر من سنة ونصف السنة، فضلاً عن أنه أول فيلم لشاهين بالألوان «سكوب»، ومدته 195 دقيقة.

برنامج نادية في رمضان

«أصوم وأصلي. أهرب من الدعوات إلى الإفطار بقدر الإمكان. لا أدعو أحداً ولا يدعوني أحد، إلا إذا كانت ورطة ما ينفعش أهرب منها. أفضل أن أمضي شهر رمضان بمفردي. أهتم بقراءة القرآن، والدعاء والتعبد. بالنسبة إلى الإفطار، يقتصر عادة على الماء والحساء، ثم أتناول طعاماً خفيفاً بعد صلاة العشاء. السحور زبادي غالباً، وفي كل الأحوال يكون «الفول» الطبق الرئيس الذي أعتمد عليه في رمضان بطرائق الطهو كافة التي تجعل منه طبقاً جديداً في كل مرة. منذ سنوات طويلة أتجنّب اللحوم في رمضان، وتصيبني حالة من الزهد في الطعام عموماً. أما بالنسبة إلى الهوايات وتسلية وقت الصيام، فهي متعددة. منذ زمن لدي هواية شغل «الكنفا» وابتكار لوحات ومفارش، وكنت أحرص عليها حتى بين فترات التصوير داخل الأستوديوهات، فأخرج فجأة الإبرة والمفرش من حقيبتي وأبدأ بالعمل، وإلى الآن، أحب هذه الهواية، وكلما توافر لدي وقت أكمل الشغل الناقص في المفارش الموجودة عندي من سنين».

نواصل كشف السر في الحلقات المقبلة

3 قبلات كادت تضيع مني «حب إلى الأبد»

حزينة لأن تجربتي مع «جو» لم تمتد طويلاً وسعيدة بأفلامي معه
back to top