عتبة بن غزوان... المهاجر من الدنيا إلى الآخرة

نشر في 09-06-2017
آخر تحديث 09-06-2017 | 00:00
No Image Caption
هو عتبة بن غزوان ويكنى أبا عبدالله، وكان رجلا طوالاً جميلاً، وهو قديم الإسلام، فقد كان سابع سبعة سبقوا إلى الإسلام، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وما بعدها من مشاهد مع رسول الله، ولاه الخليفة عمر بن الخطاب في الفتوح، وكان أول من نزل البصرة، وهو الذي اختطها، ويُعد فتح "الأبلة" على بعد أربعة فراسخ من البصرة، من أشهر وأجل أعمال عتبة بن غزوان، بعدما عقد له الخليفة عمر بن الخطاب راية القيادة على ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، ووعده بأن يمده بما يتوفر له من الرجال تباعاً، وحدد هدفه: أن يسير إلى "الأبلة" ليفتحها، ويوقف مدها لجيوش الأعداء التي تحارب المسلمين بالقادسية.

ويوصي أمير المؤمنين عتبة بن غزوان فيقول: (اتق اللّه يا عُتْبة فيما وُلّيت عليه، وإياك أنْ تنازعك نفسك إلى كبر يُفْسِدُ عليكَ آخرتك، واعْلَمْ أنكَ صحِبْت رسولَ اللّهِ (صلى الله عليه وسلم)، فأعزك اللّه به بعدَ الذلة، وقواك به بعد الضعف، حتى صرت أميراً مُسلَّطاً، وقائداً مُطاعاً، تقول فيسمع منك، وتأمر فيطاع أمرك، فيا لها من نعمة إذا هي لم تُبْطِرك، وتَخْدَعْك، وتَهْوِيك إلى جهنم أعاذك اللّه، وأعاذَني منها).

دخل عتبة وجيشه الصغير "الأُبلّة" دون أن يفقد أحداً من رجاله، ثم فتح ما حولها من المدن والقرى، وغنم من ذلك غنائم عزَّت على الحصر، وفاقت كل تقدير، حتى أن أحد رجاله عاد إلى المدينة، فسأله الناس: كيف المسلمون في "الأُبلّة": فقال: عم تتساءلون، واللّه لقد تركتهم وهم يكتالون الذهب والفضة اكتيالاً، فأخذ الناس يشُدون الرحال إلى "الأُبلّة"، ولما رأى عتْبة أن الدنيا أقبلت على المسلمينّ في البصْرة إقبالاً يذهل المرء عن نفسه، وتسابق الجند على اقتِطاع الأرض وبناء البيوت، عزف عن أن يبني لنفسه بيتاً، وظلّ يسْكن خَيْمَةً من الأكْسِية، وبيَّت العزم على أن يستعفي من أمير المؤمنين.

وحين جاء موسم الحج، استخلف عتبة على البصرة أحد إخوانه وخرج حاجّاً، ولمّا قضى حجّه توجه إلى المدينة المنورة، وحاول أن يعتذر عن الإمارة، ولكن لم يرض عمر أن يعفيه وهو من يعرف زهده وورعه، فلم يكن يفرط في مثله، وأمَرَه بالعودةِ إلى البَصْرَةِ، فأذْعَن لأمرِ عمر كارِهاً، وأطاع عتبة أمير المؤمنين، واستقبل راحلته ليركبها راجعاً إلى البصرة، ولكن قبل ركوبها دعا ربه ضارعا ألا يرُدَّه إلى البصرة ولا إلى الإمارة، وظل يردد: اللهم لا ترُدَّني إليها، واستجيب دعاؤه فبينما هو في طريق عودته لم يُبْعِدْ عن المدينةِ كثيراً حتى عَثَرتْ ناقته، فَخَرَّ عنها صريعاً، وفارق الحياة، فقدم سويد غلامه بمتاعه وتركته إلى عمر بن الخطاب، وكان ذلك سنة سبع عشرة هجرية.

حدث عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وروى له مسلم حديثاً واحداً، وروى له: الترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجة، وهو من المقلين في الرواية، وعدَّه ابن حزم الأندلسي رقم 322 فيمن رووا عن النبي (صلى الله عليه وسلم).

حدث عنه إبراهيم بن أبي عبلة، والحسن البصري (الترمذي)، وخالد بن عمير العدوي (مسلم والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة)، وشويس أبوالرقاد (الترمذي في الشمائل)، وحفيده عتبة بن إبراهيم بن عتبة بن غزوان، وممن غزا معه غنيم بن قيس المازني، كما حدث عنه قبيصة السلمي.

back to top