غنام الديكان لـ الجريدة•: تعلمت مبادئ الموسيقى من شقيقي الأكبر محمد (1-5)

«في النادي الصيفي تتلمذت على أيدي الأستاذين المصري الهواري والسوري توكلنا»

نشر في 06-06-2017
آخر تحديث 06-06-2017 | 00:05


يعتبر الموسيقار القدير غنام سليمان الديكان أحد أعلام الأغنية الكويتية الحديثة، عاشق للتراث الموسيقي الكويتي والمبدع في أعماله، وتاريخه الفني خير شاهد على ذلك، فأعماله التي ارتبطت بأغلبية نجوم الأغنية الكويتية، لا تزال خالدة تتوارثها الأجيال.

أدى الديكان دوراً مهماً في الحركة الموسيقية والغنائية الكويتية والخليجية، خصوصاً في الأغنية الوطنية النابضة بحسّ عالٍ مستلهم من روح الكويت وتاريخها، وهو يعبر من خلال موسيقاه عن أفراحها وآمالها وآلامها، لذا استطاع أن يسمو بالأغنية الكويتية الوطنية ويجدد ألحانه التي تشربت أريج الكويت وعطر ترابها الخالد، حتى أصبح أحد أبرز فرسان الأغنية الوطنية.

وفي الحلقة الأولى، يروي الموسيقار غنام الديكان، حكايته مع الفن منذ الصغر، حيث نشأ في بيئة فنية منذ خمسينيات القرن الماضي، حين كان شقيقه محمد الديكان، عازفاً لآلة العود، خلافاً لوالده، الذي كان متحفظاً على هذا المجال عموماً.

التحق الديكان بما يعرف آنذاك بالأندية الصيفية أو المدارس الليلية، التي كانت تعنى بالمواهب والهوايات. وبطلب من المسؤولين في نادي السالمية، قام بتدريس المنتسبين الموسيقى، ثم تعرف إلى الشاعر الكبير خالد العياف، الذي قدم له مجموعة من النصوص الغنائية، فلحن أول عملين من نظمه هما «يا بحر وين الحبيب» و«مرني عيد رمضان»، وأجازته لجنة الاستماع في إذاعة الكويت ملحناً عام 1964. ثم انطلق الديكان في سماء التلحين بخطوات متأنية، فعانقت ألحانه وموسيقاه، حناجر الكثير من المطربين.

وكان لنا معه هذا الحوار:

• أين ولدت؟

- عام 1943 في حي المرقاب، الجزء الشمالي، شارع الشهداء حالياً قرب مسجد الحمود، التحقت بمدرسة ملا مرشد وتعلمت قراءة القرآن الكريم وأنا في سن مبكرة، وعندما افتتحت مدرسة المرقاب انتقلت إليها، وكان ناظر المدرسة آنذاك عبدالعزيز الدوسري.

 

• هل نشأت في بيئة فنية؟

- شقيقي الكبير محمد، وصديقه محمد الشيحة، وآخر اسمه منصور المنصور، كانوا في سن متقاربة، ويجيدون العزف على آلة العود، وأيضاً علي يؤدي بعض الأغنيات، في تلك الأثناء كنت تلميذاً في مدرسة المرقاب، وبعد مرور بضعة أعوام، اعتزل شقيقي العزف، أما الشيحة المسكين فقد واصل المجال.

• لماذا وصفته بالمسكين؟

-  لأنه كان يؤلف الموسيقى، ويكتبها له جميل بشير، لكنها كانت خارجه، بمعنى أدق الموسيقى يجب أن تكون ضمن الوحدة، وهو يعشق الموسيقار والمطرب فريد الأطرش، إلى درجة أن يقلده في طريقة تسريحة شعره، وخاله الشاعر يعقوب السبيعي.

• كيف أخذت من أخيك عوده؟

- في يوم من الأيام، أثناء تنظيف غرفته في منزلنا بالمرقاب، ومن ثم صبغها، لأنه كان حينها يستعد للزواج، قلت له لماذا لا تعطيني عودك؟ وإن شاء الله عندما أعمل، ويصبح لدي راتب، سأعطيك ثمنه، فضحك، ثم قال لي خذ العود، تسلمته وهو مغطى بالغبار، بسبب تركه له عدة أعوام، فعملت على تنظيفه، ثم جلست أدندن عليه في غرفتي الصغيرة، التي أغلقتها على نفسي، ولم تهمني الأجواء الحارة فيها.

• هل كنت على معرفة بالعزف؟

- عندما تسلمت العود، قال لي أخي، أن أشتري «القاصر»، الذي يرتب لي العود، وهو بنفسه قد تعلم ذلك من ابن عمي عبدالرحمن الديكان صديق المطرب المعتزل حمد خليفة، فهما بحارة ومطربي البحر. وسبحان الله يشبهان بعضهما بعضاً في الشكل. وفي تلك الفترة كانا «زقرت» يلبسان خام اللاس، و«بالطو» أسود و أزراره ذهبية اللون، مع الغترة والعقال، وإذا ما اطلعنا على الصور القديمة للمطرب الراحل سعود الراشد على سبيل المثال سنجده بالزي نفسه.

• كيف تعلمت «الدوزان»؟

- تعلمت من أخي محمد، طريقة كيف تخاوي العود أو «الدوزان»، وهي ترتيب الأوتار، من الأول إلى الثاني وصولاً إلى الخامس.

• كيف انتقلت من المرقاب؟

- في أواخر خمسينيات القرن الماضي، انتقلنا من المرقاب إلى منطقة السالمية، وقال لي نسيبي حمود الطواش رحمه الله، وهو الآخر يحب الدندنة على العود، توجد مدرسة لها صيت طيب وبمدرسي الموسيقى الأكفاء، وكذلك نادي العمال يدرسون الموسيقى، فأعجبني الموضوع، فانتسبت إلى المدرسة الليلية، لأننا في ذلك الوقت لا يوجد لدينا معاهد موسيقية مثل الموجودة في بعض الدول العربية كمصر ولبنان وسورية، هذه المعاهد التي تسمى الكونسرفتوار، التي يعد فيها الطالب ومن ثم يبدأ بعدها في الصعود، أما نحن فقد بدأنا في الكويت، من خلال الأندية أو المدارس الليلية، التي أنشئت في ستينيات القرن الماضي، وكنا حينها من جيل الشباب ليس لدينا أي عمل، وكانت هذه الأندية هي الحاضن لكل من يمتلك موهبة أو هواية.

• هل عارض والدك موهبتك؟

- عندما تجهزت للذهاب إلى المدرسة أخذت معي العود، قال لي والدي لماذا تذهب مع العود؟ هل ستصبح مطرباً؟ طبعاً في تلك الفترة شاعت فكرة وسمعة سيئة عن الفن والفنانين، وهو غير راض عن ذلك لأنه لا يريدني أن أصبح فناناً.

• من دافع عنك لدى والدك؟

- جاسم الخطيب رحمه الله، وهو زوج أختي الكبيرة، الذي كان مولعاً في الموسيقى، ويفرح كلما شاهدني أعزف على العود، قال له يا أبو محمد الآن لدينا إذاعة وتلفزيون، والآن تقدم الموسيقى في أماكن مناسبة، طبعاً قبلهما غير مباح أن تقام الجلسات الطربية بين البيوت، بل كانوا يستأجرون أماكن بعيدة في البر، وحسب ما سمعت حفلات محمد فارس أو عبداللطيف الكويتي كانت تقام في المخيمات في فصل الربيع أو حفلات الناس المقتدرة.

• وماذا عن دراسة الطباعة؟

- أردت أن أكمل دراسة الطباعة، لكنني فضلت تعلم الموسيقى، وكنت على علم بمبادئ الموسيقى من شقيقي محمد، وفي النادي الليلي بمدرسة السالمية، درسني اثنان من المدرسين المحترفين والمخلصين فعلاً، هما المصري عبدالحميد الهواري والسوري حسين موفق توكلنا، وهما يملكان عقلية أناس يحملون الدكتوراه في الموسيقى، وشجعاني كثيراً عندما وجدا حفظي لدروسي واستعدادي لتعلم المزيد، جلبا لي بعض المطبوعات الفرنسية للصولفيج، كي تتعود عيني على قراءة النوتة، فكنت من المتفوقين مع زميلي سليمان العثمان رحمه الله، وكان معي أيضاً الملحن أحمد البابطين.

وكان لهؤلاء المدرسين الفضل في تعليمي الموسيقى، وكان عدد المنتسبين في بداية 30 شاباً، كل واحد لديه آلته سواء قانون أو ناي أو عود أو أوكورديون ومع صعوبة الدراسة بقي أربعة أو خمسة طلبة من الذين يعشقون الموسيقى بشكل كبير، حيث دخلنا في مرحلة متقدمة بدراسة النظريات والكتابة والتدوين وقراءة المعزوفات، كان هذه هي الركيزة الأولى لدارس الموسيقى.

• متى بدأت التدريس؟

- عام 1964، طلب مني أياد وصالح الرغيب، أن أقوم بتدريس الموسيقى للشباب من منتسبي نادي السالمية، فوافقت وباشرت تعليمهم الموسيقى، وكنت سعيداً للغاية بتدريسهم.

• كيف تعرفت إلى الشاعرين العياف والجاسر؟

قدمني شباب النادي إلى الشاعر الكبير بدر الجاسر الذي غنى له كبار الفنانين أمثال سعود الراشد وعوض دوخي، وقد بدأ مشواره مع عثمان السيد من خلال أغنية «يا شواطي السالمية»، لكنه رشح شقيقه الشاعر الكبير خالد العياف، الذي التقيت به وله نشاط كثير، وشخصية محبوبة، وغنى له أكثر مطربي الساحة الفنية، فرحب بالتعاون مع معي، وقدم نصوصاً عديدة، فاخترت نص «يا بحر وين الحبيب» ثم قمت بتلحينه، مع أغنية أخرى بعنوان «يا قلبي انسى».

• من استشرت في باكورة ألحانك؟

- قبل ذهابي للإذاعة كان يزورنا في البيت صالح الحريبي رحمه الله، وهو خال زوجة أخي إبراهيم، فأسمعته ألحاني، قال لا إنني لا افهم في هذا مجال الألحان، لكنني سأعرفك على صديقي وهو ملحن اسمه يوسف المهنا، وهو في تلك لفترة من الملحنين المشهورين غنى له الكثير من المطربين من بينهم الحريبي وغريد الشاطئ، وكذلك الملحن عبدالرحمن البعيجان.

فذهبت إلى ديوانية المهنا الصغيرة في منطقة حولي، وكان عنده شقيقه عبدالمحسن المهنا وعبدالمجيد عبدالقادر وغريد الشاطئ، فأسمعته لحني، فقال لي إنه لحن جميل لكن اهتم في المقدمة والفاصل وبعض الأمور التي لم أعرفها من قبل، فوجهت له الشكر على نصيحته.

• ما هي أول أغنية لك؟

- المعروف في تلك الفترة وجود لجنة استماع في إذاعة الكويت، للنص هل هو صالح للغناء أم لا؟ وتستمع للحن هل هو مسموع أو مأخوذ عن عمل آخر من الأغنيات؟ فكانت تدقق كثيراً على ذلك.

وكان رئيس قسم الموسيقى المطرب الراحل سعود الراشد، ونائبه الفنان عثمان السيد، وتم قبولي وأجزت كملحن من خلال أول أغنية لي «يا بحر وين الحبيب» من كلمات خالد العياف وغناها المطرب يحيى أحمد عام 1964، يقول مطلعها: «يا بحر وين الحبيب، اللي أشوفه كل يوم، زادني شوقي لهيب، بالحشا زاد الهموم، لونك النيلي عجيب، بالدجى يحاكي النجوم». وأجازت لي لحناً آخر «مرني عيد رمضان»، لكن سليمان الموسى لم ينجح رغم صوته الجميل. لأنه لم يعتد الغناء خلف الميكروفون، وكان يحتاج إلى التدريب.

• ماذا قدمت بعدها؟

- بعد أن أجزت من الإذاعة، قدمت مجموعة من الأعمال مع عدد من الزملاء، حيث لحنت أغنية للمطرب الراحل غازي العطار، خاصة بشهر رمضان عام 1965، وهي بعنوان «جيت يا شهر الصيام»، من كلمات خالد العياف.

«عادت عليكم يا هلا»... أيقونة شهر رمضان

لا أحد منا لا يتذكر هذه الأغنية الرمضانية الرائعة «عادت عليكم يا هلا» التي يحفظها الصغار والكبار على حد سواء، وقد صاغها كلاماً الشاعر الكبير بدر بورسلي ولحناً الموسيقار غنام الديكان، التي لا تزال تعرض كـ«لوغو» لبرامج الدورة الرمضانية منذ عام 1964، وإلى يومنا، بقيت راسخة في الأذهان لمدة 53 عاماً، وعاشت في قلوب الكويتيين، وأصبحت أيقونة الشهر الفضيل وذكراه الجميلة.

مبدعا هذا العمل الخالد، الديكان وبورسلي، كانا في العقد الثاني من عمرهما، عندما طلب مدير التلفزيون د. يعقوب يوسف الغنيم عام 1964 منهما، أن يقدما عملاً غنائياً لشهر رمضان.

فأصبح الديكان وبورسلي حاضرين بهذا العمل الرائع، منذ خمسة عقود، ولا يزال تلفزيون الكويت يقدمه على مدى ثلاثين يوماً من رمضان كل عام.

تقول كلماتها: «عادت عليكم يا هلا/ يا هلا فيكم يا هلا / ما بين ايدكم/ سهرة جميلة سهرتنا/ قرقيعان وقرقيعان/ بيت قصير ورمضان/ سهره لطيفة حلوة وخفيفة/ نسهر معاكم في كل ليلة سهرتنا/ سلم ولدهم يا الله/ خله لأمه يا الله».

الديكان انتسب إلى جمعية الفنانين الكويتيين عام 1965

يقول الموسيقار الكبير غنام الديكان في خصوص انتسابه كعضو في جمعية الفنانين الكويتيين، إن الشاعر الكبير خالد العياف، قد طلب منه الانتساب إليها، وبالفعل أصبح عضواً عاملاً فيها عام 1965، وشارك في لجانها العاملة، ومن ثم في مجلس الإدارة ، ولا يزال حتى الآن، حيث يشغل حالياً منصب نائب مجلس إدارة الجمعية. ومعه في مجلس الإدارة الفنان القدير عبدالعزيز المفرج (شادي الخليج) رئيساً، والمخرج عبدالله عبدالرسول أميناً للسر، سعاد الخليفة أميناً للصندوق، الفنان نجم العميري، الفنان أحمد القطامي، جمال اللهو.

يذكر أن جمعية الفنانين الكويتيين أسست عام 1963، ومن مؤسسيها: أحمد بشر الرومي، محمد النشمي، عبدالعزيز المفرج، عبدالله خلف، أحمد باقر، مريم الغضبان، عودة المهنا، يوسف دوخي، عبدالله خريبط، أمينة البريكي، علي صالح الرومي، سالم الفقعان، عبدالرحمن الضويحي، حمد القروي، عبدالله المزيعل، عبدالله الحبيتر، شارع الرندي، ومحمد العميري.

تمت إجازتي كملحن عام 1964 بأغنيتي الأولى «يا بحر وين الحبيب»

كان سعود الراشد رئيساً لقسم الموسيقى وعثمان السيد نائباً له

الحريبي عرفني على يوسف المهنا الذي قدم لي نصائحه المهمة
back to top