خاص

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال في جامعة النيلين السودانية د. مصطفى خير لـ الجريدة.: الإنسان مستخلَف من ربه لإعمار الأرض لكنه أفسد فيها

«الفن الإسلامي يجب أن يأخذ موقعه اللائق في مجالات الإبداع»

نشر في 04-06-2017
آخر تحديث 04-06-2017 | 00:00
أستاذ الفلسفة وعلم الجمال في جامعة النيلين السودانية د. مصطفى خير
أستاذ الفلسفة وعلم الجمال في جامعة النيلين السودانية د. مصطفى خير
"أهملنا في تنفيذ أمر الله تعالى لنا بالإعمار، ففعلنا ما حذرت منه ملائكة الرحمن حيث الإفساد وسفك الدماء"، هكذا يصف واقع الإنسان والأمة الإسلامية راهنا أستاذ الفلسفة وعلم الجمال في جامعة النيلين بدولة السودان الدكتور مصطفى عبده خير، الذي حذر في حوار أجرته معه "الجريدة" أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، من ضرورة الانتباه لما سماه بـ"الخطر القادم"... وإلى نص الحوار:
• ما قيمة الفن والجمال في الفكر الإسلامي؟

- إن الله جميل يحب الجمال، خلق الكون على نظام جميل، والإنسان مستخلف ليعمر الأرض بالإبداع الجمالي، وتعمير الكون بالخلافة يجعل على الإنسان التزاما محددا، هو التوحيد الذي حمل تكليفه، ولأن الإنسان منوط به التعمير، فهو ينحو نحو الجمال، لأن أبانا آدم وأمنا حواء رأيا الجنة، وهذه الجماليات لدى الإنسان تخزنت في عقله الباطن، فالإنسان كائن جمالي بالفطرة، والجمال ركن أساسي للحياة الإنسانية، والبناء الحضاري الموجود.

• كيف تقرأ حال العالم الإسلامي راهناً؟

- للأسف، العالم الإسلامي اليوم يعاني التدهور والتخلف، والقبح الذي ساد كل مناحي الحياة من حولنا، وهذا حالنا بعد أن توقف العقل العربي والإسلامي عن الإبداع والفكر، والإنتاج لثلاثة قرون مضت، لذلك نرى التناحر في الدول الإسلامية وظهور جماعات تعتمد على العنف لفرض رأيها، فذلك يدل على وجود أزمة فكر وأزمة تحاور، ولنتذكر قوله تعالى في سورة البقرة حينما قال للملائكة "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء" (البقرة: 30)، فالإنسان ترك وظيفته التي أنزله الله من أجلها للأرض وهو التعمير وتحققت فيه مقولة الملائكة.

• ما سبب هذه الأزمة؟

- عدم فهمنا للدين، وعدم فهمنا للإسلام ذاته، فمثلاً من يفجر نفسه في مطعم أو في تجمع سكني، ويعتبر ذلك شهادة ينال بها الجنة، هل هذا فكر أو دين صحيح؟!

• كيف وصلنا إلى هذا المستنقع الفكري؟

- الأسباب كثيرة ومتداخلة، منها الأمية الحضارية، والتبعية الكاملة للغرب في كل شيء، حتى في الفكر، والانبهار بالغرب، متجاهلين تراثنا الحضاري الذي تعلم الغرب منه وبنى حضارته، لذلك يجب على الفن الإسلامي، أن يأخذ موقعه اللائق في مجالات الجمال والإبداع، ويجب إعادة الاعتبار لمفهوم الفن الإسلامي، فالفن والجمال لا ينفصلان عن التأمل وشكل العبادة.

• هل الفن يستطيع تغيير الفكر المنحرف؟

- الإسلام ليس ضد الفن، ولا ضد التعبير الجمالي، لكن الفن الإسلامي يفتقر إلى نظرية محددة، أو إلى رؤية نقدية إسلامية، وأغلب الحضارات القديمة استخدمت الفن استخداماً بشعاً، في محاولة الكهنة السيطرة على الشعوب المقهورة على أمرها، فاستخدمت الفن لخدمة الآلهة الوثنية، للانحراف التعبدي والسلوكي، لكن التحرر الحقيقي للفن كان في القرن السابع الميلادي، بظهور الإسلام، خاصة بعد أن حطم الرسول (صلى الله عليه وسلم) كل الأصنام عندما فتح مكة.

• لماذا يردد البعض تحريم الفن والتعاطي معه؟

- هذا الكلام عن الفن، تردده الجماعات الإسلامية المتشددة فكرياً، لذلك لم يأخذ موقعه اللائق في مجالات الفن والإبداع، والإنسان يحب الجمال بالفطرة، والله جميل يحب الجمال، والفن يزيل التوتر ويقوي الإدراك ويعزز المشاعر والأحاسيس النبيلة.

• هل ذلك راجع لانفصالنا عن ديننا؟

- الدين الذي نراه الآن بعيد تماماً عن الدين الذي أتى به سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، والمسلم لم يعد يفسر التفاسير، بل وقف عند الأئمة والفقهاء الأربعة، والعلم موجود ونحن كمسلمين لا نبحث في كل المجالات، ولا نعمل عقلنا في تجديد فكرنا الديني، وهذا عيبنا، فتعاليم الدين تصل للناس معكوسة، أو يتم تنفيذ تعاليم الدين بالعكس، لأنهم فهموها بالعكس، فمثلا يردد المتشددون، حديث "من بدل دينه فاقتلوه"، وهذا الكلام يستحيل أن يكون حديثا صدر عن النبي (صلى الله عليه وسلم).

• كيف أسست الجماعات العنيفة فكرها؟

- هؤلاء يتخذون فكرهم من علماء منحرفين، ونحن في حاجة إلى أن نغير منهج تفكيرنا في كل المجالات، والرد عليهم ضروري، ويجب تغيير منظومة التعليم والثقافة، لكن الحكومات تتقاعس عن التحرك، والمؤسسات الدينية ضعيفة، والإصلاح ضرورة حتمية حفاظا على الأجيال الجديدة، وتحصيناً لها من الوقوع فريسة في براثن الجماعات المنحرفة فكرياً، فالشباب يغرر به باسم الدين والدفاع عن الدين.

• هل يمكننا القول إن المؤسسات الدينية ساهمت في ظهور هذه الجماعات العنيفة؟

- ليست وحدها، لكن الحكومات أيضا، حيث خرجت بعض هذه الجماعات اعتراضا على سوء أوضاع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، لكن تحول الأمر من الاعتدال في المعارضة إلى الإفراط والتفريط، وبذلك انحرفوا مستخدمين شعارات دينية كستار لأفعالهم، ويعمدون إلى تخريب الدولة باسم الدين وهو منهم ومن أفعالهم براء.

• من أضر بالآخر: هل نحن أضررنا بالدين أم العكس كما يزعم الملحدون مثلاً؟

- نحن من أضر بالدين، وعدم فهمنا للدين الصحيح هو سبب تخلفنا، وانشغال الفقهاء بإرضاء السلطان، فصاروا مثل كهنة فرعون يزينون لهم الأخطاء، كما يوجد فقهاء متشددون، والنوعان أضرا بالدين وبالدنيا، وأفسدا على الناس دينهم وحياتهم وتُتهم في ذلك المؤسسات الدينية.

• ما المطلوب لمواجهة خطر هؤلاء الفقهاء؟

- أقول انتبهوا، فالخطر يحيط بنا، وإذا لم نتيقظ وننتبه فالأخطر قادم.

• كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة؟

- يجب أن يجلس الحكماء لا الحكام للبحث عن حلول وتصحيح المفاهيم المغلوطة والتواصل مع الناس، فالناس عطشى لمعرفة صحيح الدين، وإذا تركناهم ضاعوا.

• هل وزراء المؤسسات الدينية في الدول الإسلامية مقصرون؟

- نعم، ونحن كمسلمين مطالبون بالاعتماد على أنفسنا لمعرفة جماليات الدين وجماليات الحياة، فنحن بحاجة إلى الجمال والفن، لأن عبورنا للآخرة لا يتم إلا بتعمير الأرض، والجمال جزء أساسي لهذا التعمير، وعدم اعترافنا بذلك يجعل الشباب ينحرف، أو يتجه للإلحاد، بسبب ما يراه من تنازع بين الجماعات الإسلامية، وضعف المؤسسات الدينية.

• ما الخطاب الديني الجاذب للشباب؟

- المعتمد على صحيح الدين، واستلهام سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته، وحذف الأحاديث التي تشوه الإسلام، مثل "من بدل دينه فاقتلوه"، فهي مدسوسة على الإسلام، وأن تخصص لجنة من علماء الإسلام في علوم الدين والنفس والاجتماع واللغة في كل الدول العربية والإسلامية، لتنقية كتب التراث الديني من التأويلات المغلوطة، والفاسدة ومن كل ما من شأنه أن يثير الفتن، والحقد بين طوائف المجتمع.

الفن يزيل التوتر ويقوي الإدراك ويعزز المشاعر والأحاسيس النبيلة
back to top