رغم انخفاض معدلات البطالة... متوسط الأجر ما زال ثابتاً

نشر في 02-06-2017
آخر تحديث 02-06-2017 | 00:00
No Image Caption
يتسم سلوك الاقتصاد الأميركي بالغموض. وفي العادة يتسارع نمو الأجر حين يقل عدد الباحثين عن عمل، فعندها يتعين على أرباب العمل دفع المزيد من الأجور، من أجل اجتذاب العمال والاحتفاظ بهم. لكن حتى مع بلوغ معدلات البطالة أدنى مستوياتها في عقد من الزمن عند 4.4 في المئة في أبريل الماضي، ارتفع متوسط أجر الساعة لكل العمال غير الزراعيين بنسبة 2.5 في المئة فقط خلال العام المنصرم، مقارنة بمعدل سنوي يبلغ أكثرمن 4 في المئة في آخر مرة وصلت فيها معدلات البطالة إلى هذا المستوى المتدني.

ما الذي حدث للصلة التاريخية والمنطقية بين معدلات البطالة والأجور؟ العديد من الناس يريدون معرفة ذلك، بمن فيهم صناع السياسة في مجلس الاحتياط الفدرالي، الذين يريدون رفع معدلات الفائدة بأكثر مما يجب، من أجل منع مسار تصاعدي لتضخم الأجر – السعر. وفي غياب تفسير وحيد مقنع ها هي 8 نظريات في هذا الصدد:

منحنى فيليبس انتهى بشكل فعلي. وفي نصوص الكتب يكون نمو الأجور على المحور العمودي والبطالة على المحور الأفقي: ويتجه المنعطف بنعومة نحو الأسفل إلى اليمين، مع ارتفاع معدلات البطالة وهبوط نمو الأجور.

وعلى صعيد الواقع، كان التداخل غير متساوق في السنوات الأخيرة، بحيث بدا رسم منحنى فيليبس أشبه بلوحة لجاكسون بولوك، أو آثار أقدام لسكير مترنح.

ويصف ستيف فوربس، وهو رئيس تحرير مجلة فوربس والمرشح الجمهوري السابق لانتخابات الرئاسة الأميركية، هذا المنعطف بـ"نظرية المشعوذ".

ولم يكن خبراء الاقتصاد بالسرعة ذاتها في رفضهم لمنحنى فيليبس، ومن المنطقي أن يفضي مثل ذلك النقص في عرض العمل في نهاية المطاف إلى رفع الأجور. ويستند البعض إلى التفسير القائل إن قوة مساومة العمال قد ضعفت.

ويقول بيتر تيمن، وهو بروفيسور اقتصاد متقاعد في معهد ماساشوستس للتقنية ومؤلف كتاب جديد بعنوان "الطبقة المتوسطة المتلاشية: التحيز والقوة في اقتصاد ثنائي"، إن ضعف الاتحادات النقابية يشكل عاملاً مهماً.

وذكرت إحصائيات مكتب العمل، أن أقل من 11 في المئة من العاملين بأجر ومرتبات كانوا أعضاء في تلك الاتحادات في السنة الماضية، بانخفاض عن نسبة 20 في المئة في سنة 1983.

ويرى جوناس براسينغ، وهو رئيس مجموعة القوة العاملة، أن العولمة أضعفت أيضا تأثير العمال الأميركيين، من خلال السماح للشركات بنقل الإنتاج إلى حيث تكون الأجور أرخص، ويضيف "سواء كنت تعرف ذلك أم لا، فأنت تنافس على مستوى عالمي".

ويمكن أن يرجع ذلك إلى اقتناع العمال بما يحققونه من كسب. والموظفون سوف يكونون أكثر من راغبين في قبول زيادات صغيرة إذا اقتنعوا بأن التضخم سيظل منخفضا، كما كانت الحال منذ ركود 2007-2009. ثم إن وتيرة زيادة الأجر التي تسير بسرعة السلحفاة تخطت وتيرة أسعار المستهلكين بنحو 5 نقاط مئوية منذ بلوغ معدلات البطالة ذروتها عند 10 في المئة عام 2009.

وربما أيضا اكتفت الشركات بما لديها من عمال، وتقوم بإعادة تدريبهم، بدلا من دفع رواتب عالية لموظفين جدد، وترفع الأجر لوظائف معينة، حيث تحتاج إلى اجتذاب المواهب.

وأبلغ تود تسك، وهو رئيس تنفيذي لشركة بريغز أند ستراتون (Briggs & Stratton Crop)، التي تصنع معدات جز العشب ومنتجات أخرى، محللين في أبريل الماضي "لدينا برامج تنمية راسخة جدا للتأكد من وجود العمالة الصحيحة في الوقت والمكان المناسبين". ومن جديد، ربما العمال ببساطة لا يستحقون المزيد من المال. وقد تقلص إنتاج ساعة العمل خلال أربعة من أصل ستة فصول ماضية، وفق مكتب إحصائيات العمل. وإذا كانت إنتاجية العمال ضعيفة قد تقاوم الشركات طلباتهم بزيادة الأجور، بغية حماية هوامش أرباحها، وفق دانييل سيلفر، الاقتصادي لدى "جي بي مورغان تشيس".

ونمو ضعف الإنتاجية ليس خطأ العمال بصورة تامة، فقد اختارت الشركات وضع الأرباح في الخارج أو إعادتها إلى المساهمين، بدلا من استثمارها في المعدات والبرامج العصرية التي تمكن الموظفين من القيام بأعمالهم بكفاءة وفاعلية.

ويفسر بعض الاقتصاديين شذوذ منحنى فيليبس بالقول بوجود مزيد من الركود في سوق العمل، وبالتالي درجة أقل من تأثير العمال مما تشير إليه معدلات البطالة عند 4.4 في المئة. وبلغت نسبة الأشخاص الذين تم تشغيلهم في سن يراوح بين 25 و54 سنة 78.6 في المئة فقط، منخفضة عن 80 في المئة قبل الركود الأخير.

وإذا طالب العمال بزيادة عالية في الأجور، فإن أرباب العمل يستطيعون جلب بدائل من قوة عمل إضافية.

ويقول جيمس ديفلي، وهو كبير الاقتصاديين الإقليميين لدى "آي اتش إس ماركيت"، إن "معدلات البطالة لا تقيس الضيق في سوق العمل بالطريقة ذاتها التي كانت تقوم بها في السابق".

ويجادل اقتصاديون آخرون في أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم قياس نمو الأجر بطريقة صحيحة. وفي منتصف مايو الماضي كتب نيل ديوتا، وهو كبير الاقتصاديين في شركة رينيسانس ماكرو ريسيرتش، يقول إن مقياس متوسط أجر ساعة العمل الذي وضعه مكتب إحصائيات العمل قد لا يحدد بصورة صحيحة ما يحدث في سوق العمل.

وصحيح أن نمو متوسط أجر الساعة لم يتسارع في الفترة من الربع الأول من سنة 2016 إلى الربع الأول من 2017، لكن مؤشرات الأجر الأخرى من مكتب إحصائيات العمل تسارعت بشكل دراماتيكي في بعض الحالات.

كما أن تعويض الساعة، الذي يشمل الفوائد والأجور والرواتب، نما بنسبة 3.9 في المئة خلال الـ 12 شهرا حتى الربع الأول من هذه السنة، مرتفعة عن 2.4 في المئة في سنة خلت.

وارتفع مقياس الأجور والرواتب في مؤشر تكلفة التوظيف بنسبة 2.6 في المئة، مرتفعة عن 2 في المئة قبل سنة.

وكتب ديوتا: "يشير متوسط كل المقاييس إلى نمو في الأجور بنسبة تقارب 3 في المئة". ولننظر إلى ميدان البناء: أغدقت شركات البناء الساعية بشدة إلى عمال مهرة على العمال زيادات في الأجر، وحتى دفع مكافآت لهم، وفق جوزيف ناتاريلي، وهو شريك في شركة ماركم للمحاسبة والمشورة.

ورغم ذلك، فإن أجور الساعة وفق مكتب إحصائيات العمل ارتفعت بنسبة 2.1 في المئة فقط في السنة المنتهية في أبريل الماضي. ويقول ناتاريلي: "لا أعلم من أين أتت تلك المعلومات".

وأخيرا، وليس آخرا، توجد نظرية تقول إن زيادة أكبر في الأجور سوف تحدث عما قريب، ولا يمكن إنكار قوى العرض والطلب. وفي العام الماضي، نشر كبير الاقتصاديين في مجلس الاحتياط الفدرالي، جيريمي نالويك، ورقة تقول بوجود تحول حاد في منحنى فيليبس، وان شريحة واسعة من معدلات البطالة، حيث يوجد نمو في الأجور لم تتأثر، لكن دون عتبة معينة، وسوف ترتفع الأجور بسرعة "وليس من الحكمة الافتراض أن منحنى فيليبس سيظل مستقرا في كل مستويات معدلات البطالة".

back to top