3 أفلام لبنانية تناقش قضايا اجتماعية وجيوسياسية

بعد تجربتها في إخراج أفلام قصيرة ووثائقية، أطلقت المخرجة اللبنانية رنا سالم فيلمها الروائي الأول «الطريق» الذي يطرح تساؤلات حول الهوية والذاكرة اللبنانية بعد الحرب الأهلية، رغم أن اللبنانيين لا يحبّون التحدث عن الماضي، وحول جدوى الحياة العصرية، داعيةً إلى العودة إلى الأرض لاختبار علاقة جديدة معها، ومعتبرة أن بيروت مدينة صغيرة تعطي إحساساً بالإرهاق والوحدة.

رنا وغي، زوجان يعيشان في بيروت حياة على شاكلة المدينة، متحركة وفي تبدل مستمرّ، إلا أن رنا تصاب بحالة من الاكتئاب بعدما تترك العمل بشكل مفاجئ، فيقرر غي أن الوقت حان لهما لسلوك الطريق نحو الجبل. هكذا، يغادران بيروت ويسيران على درب يوقظ فيهما ذكريات من النوستالجيا يوصلهما إلى اكتشاف مكامن الذات.

من خلال فيلمها الجديد، تدعو المخرجة رنا سالم المشاهد إلى رحلة لاستكشاف أعماق بطلي الشخصيتين، تتميز بمشاهد فلاش باك وتساؤلات حول ثنائي معاصر في مدينة استثنائية هي بيروت.

مع أن الفيلم يتبع سيناريو وهيكلية محددة، كانت لرنا سالم مقاربة منفتحة وفضولية أحياناً. همّها الأول ألا تقوم بأية تسوية على حساب جوهر الفيلم، وأن تعيد رسم المشاعر والمواقف الواقعية والرومانسية. من هنا، يتبع الفيلم إيقاعاً مرتبكاً للحياة الداخلية للشخصيات، على صورة أفكارنا.

يعكس الفيلم نظرة المخرجة الخاصة إلى الذاكرة، والحب، والتصالح مع ماضينا الشخصي، وإعادة رسم الأحداث في حياتنا كي نستطيع الانفصال عنها، شبيهة ربما بمصالحة جماعية.

شارك الفيلم في مهرجان موسكو السينمائي الدولي، وفي مهرجان مونتريال السينمائي، وجال في الهند وسيريلانكا وإيرلندا. حاز «الجائزة العالمية للنقد فيبرسكي»، وكان له أثر إيجابي لدى الجمهور سواء في موسكو أو في أي بلد آخر، وغيّر الصورة السائدة عن لبنان في وسائل الإعلام، بأنه بلد الأزمات السياسية، وشكّل توثيقاً جديداً لنواحٍ غير معروفة في هذا البلد تحاكي الإبداع.

ليست رنا سالم مخرجة الفيلم فحسب، بل تجسّد شخصية رنا وشريكها في الحياة الحقيقية يجسّد شخصيّة غي زوجها. فهي أرادت الانطلاق من ثنائي حقيقي يتّخذ في الفيلم حياة جديدة، هكذا يصبح الفاصل بين الحياة الواقع والخيال أكثر حساسية.

تعتبر رنا سالم أن السينما اللبنانية في عزّ فورانها، وتنتج أفلاماً كثيرة رغم الصعوبات المالية التي تواجهها، موضحة أن الجمهور اللبناني بات أكثر انفتاحاً على الفيلم اللبناني.

نالت رنا سالم جوائز عدة في لبنان عن فيلم التخرّج الذي أعدّته «الطابق الأول إلى اليمين» (2005)، فضلاً عن نيلها جائزة الأكاديميّة اللبنانية للفنون الجميلة.

من السماء

بعد غياب 20 عاماً، يعود سمير، مقاتل سابق في ميليشيات، يُعتقد أنه ميت، إلى حياة عُمر شقيقه الصغير الذي يعمل حارساً شخصياً في بيروت، ووسط أحداث درامية وكوميدية، يواجه سمير تغيّر البلد والفوضى والقلق والصخب وسياسة المافيات وغياب الآفاق وردود فعل غير منتظرة من المقربين منه. في بلد لم يعد يتذكره. قصة «من السماء» مزيج من الدراما والكوميديا.

وسام شرف مخرج لبناني فرنسي عمل في إحدى الإذاعات اللبنانية، ثم انتقل بعد الحرب إلى باريس حيث عمل في محطة ARTE التلفزيونية وغطى أخبار الحروب في لبنان والشرق الأوسط ودارفور وأفغانستان وكوريا الشمالية.

في جعبة وسام شرف أفلام قصيرة من بينها «هزّ يا وز»، فضلاً عن وثائقي من لبنان، شاركت في أهم مهرجانات الأفلام القصيرة في أنحاء العالم.

فيلم وسام شرف خارج عن المألوف في شكله المربع في التصوير وفي اعتماد الهزل والجدية وفي أداء الممثلين. يروي الألم الأكبر، وهو الصمت، ويطرح مسؤولية الحرب وإمكانية عودتها. اختار المخرج ممثلين مبدعين أمثال رائد ياسين الذي مثّل في أفلامه القصيرة السابقة، ورودريغ سليمان، وسعيد سرحان، ويمنى مروان.

كتب وسام شرف سيناريو فيلمه الروائي الطويل الأول «من السماء» عام 2007، واستغرق البحث عن تمويل له أكثر من عشر سنوات، فيما احتاج تصويره إلى خمسة عشر يوماً لضيق الموازنة.

ومن أفلامه القصيرة «البطل لا يموت أبدا» (2006)، و«جيش النمل» (2007)، و«كل هذا وأكثر» (2012) الذي نال جائزة التانيت البرونزي في «مهرجان قرطاج».

ميّل يا غزيّل

بعد نجاح فيلمها «ليالي بلا نوم»، طرحت المخرجة إليان الراهب فيلماً وثائقياً جديداً مضيئاً ومليئاً بالأمل بعنوان «ميّل يا غزيّل»، يتمحور حول الحياة اليوميّة لهيكل مخايل، فلاح مسيحي في العقد السادس من عمره، قرّر منذ 15 سنة أن يستقرّ في أعلى قمم منطقة القبيّات في شمال لبنان، على بعد كيلومترات من سورية، وبنى بمفرده مزرعة ومطعماً، تحوّل إلى ملتقى لشرائح المجتمع المختلفة.

الفيلم عبارة عن تأمل في الناس، على غرار هيكل مخايل، الذين يصرّون على البقاء في بلدهم رغم الظروف الصعبة، ويدافعون عن وجودهم بعيداً عن الشعارات، إنما بقوة سواعدهم التي تعمل في الأرض. بالطبع، المنطقة التي يقيم فيها هيكل معقدة وتضيف إلى قضيته طابعاً اجتماعياً- سياسياً.

تعرّفت إليان الرهاب إلى هيكل مخايل من خلال صديقة لها تتجوّل في منطقة عكار، وانبثقت فكرة الفيلم لديها بعد لقاءات عدة معه وزيارات للمنطقة منذ 2014. في تلك الفترة، كانت الإشاعات حول «داعش» على أشدّها في المنطقة، لكنها لم تثنِ من عزيمة هيكل، فتأثرت المخرجة بقوة هذا الرجل وأصراره على البقاء ومواجهة الخوف، واليأس، والأزمات الجيوسياسية في المنطقة.

تابعت إليان الراهب هيكل مواسم ثلاثة وصورت 12 يوماً متناثرة بين الخريف والشتاء والربيع.