محمد جابر لـ الجريدة•: طفولتي قضيتها في منطقة الصالحية (1-5)

«الخطيب والنشمي اكتشفا موهبتي في التمثيل عندما كنت تلميذاً بمدرسة المثنى»

نشر في 01-06-2017
آخر تحديث 01-06-2017 | 00:05


ارتبط اسم الفنان القدير محمد جابر، بزمن الفن الجميل، والعصر الذهبي للحركتين الفنية والمسرحية في دولة الكويت، واشتهر في أوج نجوميته بلقب شخصية «العيدروسي»، التي أبدع فيها وتميز بها، فتركت علامة بارزة في مسيرته الفنية، سواء عبر الدراما الإذاعية أو التلفزيونية أو المسرحية، وهي لاتزال عالقة بذاكرة الأجيال المتعاقبة منذ ستينيات القرن الماضي إلى اليوم.

تفجرت موهبته منذ نعومة أظفاره من خلال المسرح المدرسي ضمن نشاط مدرسة المثنى الابتدائية، مع الرائدين المسرحيين المربي الفاضل عقاب الخطيب (ناظر المدرسة) ومحمد النشمي (وكيل المدرسة)، كما تتلمذ على يد الرائد المسرحي المصري زكي طليمات أثناء تأسيس فرقة المسرح العربي في الكويت عام 1961.

وفي الحلقة الأولى يروي لنا «أبو خالد» عصاميته وكيفية خوضه غمار التجارة منذ مرحلة الطفولة والمراهقة، حينما اقترض من والده مبلغا من المال وأضافه إلى ما جمعه من مصروفه والعيادي، وبدأ بتجارة بيع الجراد، الذي كان أكله محببا لدى أهل الكويت، ثم مشروع التاكسي حينما استهله بسيارة واحدة ثم 10 سيارات دفعة واحدة.

كما تحدث عن منزله في الفترة ما بين أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وجيرانه في تلك الفترة، وعلاقة الصداقة التي امتدت من الصغر إلى الكبر مع الفنان والمؤلف وشاعر الزهيريات الراحل عبدالرحمن الضويحي، ووزير الإعلام السابق المخرج محمد السنعوسي.

وكان لنا معه هذا الحوار.

* في أي منطقة ولدت في الكويت؟

- ولدت بتاريخ 20 يناير عام 1945 في منطقة الصالحية بمدينة الكويت، التي تقع في منتصف منطقتي القبلة والمرقاب، وبالتحديد مقابل قصر نايف، وكان منزلنا في موقع مواقف سيارات بجانب بنك التسليف والادخار (المعروف الآن باسم بنك الائتمان الكويتي).

* ما ترتيبك بين إخوتك؟

- ترتيبي الخامس بينهم، والدتي (أم عبدالله)، رحمها الله، أنجبت من زيجتها الأولى بنتين وولدين، وبعد وفاة زوجها الأول، رحمه الله، تزوجت من المرحوم والدي، وأنا البكر ثم شقيقي وشقيقتي.

بيت اليتامى

* هل كنتم تعيشون في منزل واحد؟

- نعم، نحن أسرة واحدة متلاحمة تربطنا مشاعر المحبة والوفاء كأننا جسد واحد، وقد أطلق جيراننا على منزلنا، "بيت اليتامى"، حيث تولت والدتي الرائعة رعاية أبنائها بعد رحيل زوجها الأول، وظل هذا اللقب ملتصقا بمنزلنا.

* هل اعتقد البعض بأنكم من عائلة اليتامى؟

- هذا ما حصل بالضبط، وعائلة اليتامى معروفة، بيد أن اللقب جاء بسبب تحمل والدتي مسؤولية رعاية أبنائها وبناتها من زوجها الأول، لكن تلك الصفة تغيرت تماما بعد ارتباطها بوالدي.

* هل تتذكر جيرانكم في تلك الفترة؟

- كان جيراننا منذ مطلع أربعينيات وحتى خمسينيات القرن المنصرم، عائلة الحمد وأبنائه محمد ومجرن وعيسى وخالد، وعائلة ناصر السنعوسي والد وزير الإعلام السابق محمد السنعوسي، وعائلة السويطي، وعائلة عبدالرحمن العتيقي، وعبدالرحمن الضويحي، وأبناء حيدر، كنا في فريج واحد.

* ما لعبتك المفضلة أيام الطفولة؟

- كنا نلعب "الهول"، ومن تقاليد هذه اللعبة، أنها تتطلب درجة عالية من اللياقة البدنية، ونظرا لما تحتاج إليه من جري سريع، وهي تقوم على فريقين، كل فريق يتكون من 5 لاعبين، تبدأ اللعبة بانتشار كل فريق ضمن المساحة المخصصة له، ضمن هدف رئيس بأن يقوم كل فريق بالدفاع عن رايته من قبل المهاجمين الذين يحاولون لمس هذه الراية لتحقيق الفوز المنشود، وما بين دفاع وهجوم، يقوم أحد اللاعبين بمحاولة اختراق صفوف لاعبي الفريق الآخر في محاولة للمس راية الفريق الخصم، وإذا تحقق له ذلك يكون قد حقق الفوز لفريقه، وفي المقابل إذا استطاع لاعب من الفريق المدافع لمس اللاعب المهاجم، فإنه يصبح في وضع مطاردة لمنعه من الوصول إلى الهدف، وربما يحالفهم الحظ ويقومون بأسر اللاعب الذي تجرأ على مهاجمة رايتهم، معلنين انتصارهم وفوزهم باللعبة. وضعوني في صدر المجموعة وكانوا يطلقون علي "الدغشة".

* من هم أصدقاؤك في تلك الفترة؟

- من أصدقائي المقربين الذين امتدت علاقتنا حتى الكبر، هو الفنان والكاتب وشاعر الزهيريات الراحل عبدالرحمن الضويحي، وهو من أبناء فريجنا، ويدخل بيتنا كأخ وصديق، وكان يطلب من والدتي أن تقدم له الأكل، بعد أن يشم رائحة الطعام الزكية، ومن أصدقائي أيضا محمد السنعوسي الذي يقول لي كلما نلتقي أهلا بولد فريجنا.

* أين درست؟

- المدرسون الأوائل كانوا يعرفون باسم المطوع أو الملا، وقد تعلمت في سن مبكرة القرآن الكريم ومبادئ الحساب واللغة العربية عند الملا سليمان الخنيني (سميت مدرسة سليمان الخنيني الابتدائية للبنين في منطقة الخالدية باسمه).

وعند إتمام المتلقي ختم القرآن الكريم، يقام حفل يشبه زفة المعرس، حيث يزف من بيته إلى مقر الملا، الذي يقال عنه مجازا مدرسة، وهو عبارة عن بيت ومكانه موقع البلدية حاليا مقابل برج التحرير وبجانبه ساحة الصفاة، وكانت عبارة عن سوق شعبي كامل لبيع الأغنام والجراد والجت وغيرها.

* ما أجواء حفل خاتم القرآن الكريم؟

- ارتديت الغترة والعقال والبشت في الحفل الذي بدأ من منزلنا، ومعي والدتي وحريم الفريج اللواتي ألقين بعض الأدعية، إلى أن وصلنا إلى مقر أو مدرسة الملا الخنيني، حيث يتم توزيع الحلوى والمكسرات على الأطفال، وأعطاني الملا قلادة بداخلها مصحف، وكأنها شهادة تخرج، ووالدي حينها سلم الأجر المادي المخصص للملا، وهي رسوم الختمة، ثم زفة ثانية أيضا من عند الملا إلى منزلنا.

* ماذا يردد الأهالي عند زفة خاتم القرآن؟

- حريم الفريج إلى جانب والدتي يرددن "هب السعد"، إضافة إلى تعالي "اليباب"، لأنها فرحة كبيرة لإتمامي ختم القرآن الكريم، وكأنني حصلت على الدكتوراه.

* ما هي الرسوم المادية التي تعطى للملا أو المطوع؟

- "الدخالة"، وهو رسم الالتحاق بمدرسة الملا، وتكون حسب حالة ولي الأمر المادية، وكان الملا يجمع الهدايا والمبالغ المادية والصدقات وفقا للمناسبات وهي "الخميسية" التي تدفع كل خميس عبارة عن آنة وأكثر أو تمر وأرز وحنطة، و"النافلة" صدقة يدفعها ولي أمر الطالب المقتدر مثل مناسبة الولد النبوي الشريف، و"العيدية" تقدم للملا صباح العيدين الفطر والأضحى، "الفطرة" صدقة الفطر، و"الجزء" رسوم نقدية يقدمها الدارس عند إتمامه جزءا من القرآن الكريم، وأخيرا "الختمة"، وهي رسوم ختم القرآن الكريم.

* ماذا عن الدراسة النظامية؟

- انتسبت إلى مدرسة المثنى، في منطقة القبلة (موقعها مجمع المثنى حاليا بوسط العاصمة)، كان ناظر المدرسة المربي الفاضل المرحوم عقاب الخطيب، ووكيل المدرسة محمد النشمي، رحمه الله، وبالطبع تم اكتشاف موهبتي في التمثيل على يد رمزي الفن ورائدي التمثيل في الكويت الخطيب والنشمي.

* متى وأين؟

- عندما كنت في الصف الثاني الابتدائي بمدرسة المثنى عام 1952، كان الخطيب والنشمي يبحثان عن طفل لتأدية دور ابن النشمي في عرض مسرحي بعنوان "لا طبنا ولا غدا الشر" من بطولتهما، فرشحني الخطيب، لأني كنت كثير الحركة في المدرسة، وشرح لي النشمي الدور والحوار، وكانت الفرصة لإظهار طاقتي في أول عمل لي أمام المغفور له الشيخ عبدالله الجابر الصباح الذي كان رئيسا لمجلس المعارف، الذي سلم علي وأهداني مكافأة قدرها 10 روبيات، إعجابا بما قدمته من أداء تمثيلي جميل، وتوقع لي التميز في هذا المجال مستقبلا. وكنا في كل عام نقدم مسرحية عن طريق المسرح المدرسي.

* ما شعورك في تلك اللحظة؟

- سُعدت كثيرا بهذا الإطراء الذي جاء من مسؤول كبير له قدره ومكانته الرفيعة.

* كم مسرحية قدمت في الابتدائية؟

- كنت مشاركا مع النشمي والخطيب في كل مسرحية، حيث يعرضان كل شهر مسرحية ضمن أنشطة المسرح المدرسي، ولتشابهنا في البشرة السمراء، يتم اختياري في دور ابنهما، سواء كان عاقلا أم نزقا.

* أين أكملت المرحلة المتوسطة؟

- بعد تخرجي في المرحلة الابتدائية من مدرسة المثنى، انتقلت بعدها لأكمل المرحلة المتوسطة في المدرسة القبلية للبنين، وموقعها بجانب مسجد الملا صالح في شارع الجهراء.

* هل استمر التعاون مع النشمي والخطيب؟

- بالتأكيد، استمرت مشاركتي معهما حتى بعد انتقالي إلى القبلية، التي أنشأت فيها مسرحا مدرسيا وقمت بالإشراف عليه، لتوافر المعلومات الكاملة حول العمل المسرحي.

* ما مدى أهمية المسرح المدرسي؟

- المسرح المدرسي هو مرحلة اكتشاف للموهبة ومن ثم تأسيسها، وإذا أردت أن تخوض غمار هذا الفن المسرحي، عليك أن تبدأ من خلال نشاط المسرح المدرسي أو الأندية الصيفية، ومعظم فنانينا النجوم الكبار انطلقوا من بوابة المسرح المدرسي، وعندما يريد الممثل صقل موهبته على الصعيد الأكاديمي يدخل إلى المعهد العالي للفنون المسرحية الذي يمنح درجة البكالوريوس، وبهذا يكون قد اكتسب خبرة جيدة على الصعيدين النظري والعملي على أسس علمية.

ثانوية حولي

* هل أكملت دراستك بعد هذه المرحلة؟

- لا، بسبب وفاة والدي رحمه الله، ولخوفي الشديد من عدم إكمال إخوتي دراستهم، فعملت موظفا في وزارة التربية، بمهنة "كاتب"، إلى أن تخرج شقيقي وشقيقتي في الثانوية العامة، بعدها التحقت بثانوية حولي، إلى أن تخرجت فيها.

* ما الموقف الطريف الذي حدث قبيل اختبار الثانوية العامة؟

- كان في تلك الفترة وكيل الوزارة د. يعقوب يوسف الغنيم، وهو من سيفتتح مسرحية "صقر قريش"، لأنها برعايته، في ليلة الامتحان، فقلت لعبدالحسين عبدالرضا سأقدم آخر اختبار لي في الثانوية العامة، ورجوته أن يتصل على ناظر المدرسة، ليقول له سنعرض مسرحية برعاية وزير التربية، والوزير موجود، لكن محمد متأخر، وفعلا أثناء أدائي للامتحان جاءني الناظر، وقال هات ورقتك ورافقني، فقلت له لم أكمل إجابة بقية الأسئلة، فرد: "سنكملها عنك، ولا تورطنا مع الوزير، لأنه بانتظار العرض، اذهب فورا إلى المسرح"، ذهبت وطبعا الوزير لم يحضر، ونجحت بتفوق في هذه المادة!

عبدالحسين وسلطان شهدا على زواجه في 1963

عرف الفنان الكبير محمد جابر بلقب «العيدروسي»، ذلك «الكراكتر» الفني الذي قدمه منذ ستينيات القرن الماضي، لايزال يلاحقه حتى يومنا الحالي، وهو يعتز به كثيراً، على الرغم من توضيحه لكثير من الشخصيات الكبيرة والعامة أن اسمه الحقيقي هو محمد جابر الصخي.

بعد أن تحسنت أوضاعه المالية من خلال مشاريعه التجارية، ارتبط الفنان القدير محمد جابر بشريكة حياته في عام 1963، وكان الفنانان عبدالحسين عبدالرضا وعبدالوهاب سلطان - رحمه الله - شاهدين على «الملجة»، وذلك في مسجد منطقة الفيحاء عند الملا عثمان، وهناك قلبت أجواء ليلة «الملجة» إلى قفشات كوميدية خاصة تعليقات «بوعدنان» المثيرة للضحك، ما جعل الملا يقول: «خلوني أكمل الإجراءات»، وقد علق محمد جابر على ذكرى تلك الليلة، إنها أيام جميلة لاتزال في ذاكرتي.

وأثمر هذا الزواج 3 أبناء من الذكور (خالد وجابر وجراح) و6 بنات.

وأوضح الفنان محمد جابر أن ابنه البكر خالد، كانت لديه ميول فنية، إذ بدأ ممثلا معه في مسرحية «الزرزور» عندما كان في الـ 13 من عمره، وشارك في مسلسلي «الفلتة» مع الفنان طارق العلي و»يمعة أهل» (2013) مع الفنان عبدالعزيز المسلم، لكنه توقف عن مزاولة مهنة التمثيل لظروف خاصة.

التجارة في بيع الجراد ثم التاكسي

اختار الفنان القدير محمد جابر طريق التجارة، لتحسين دخله المادي، واقترض من والده 20 روبية وأضاف عليها 15 روبية حصيلة العيادي وغيرها، ليصبح المجموع 35 روبية، واشترى 50 «خيشة» جراد، ليبيعها بالمفرق، وما ساعده في الربح امتلاكه كمية كبيرة وقلة المعروض في السوق، وأهل الكويت يحبون أكل الجراد، فكانت حصيلته من أول تجارة له في هذا المجال 3000 روبية.

ثم بدأ بمشروع آخر، حيث كان يتقاضى من وظيفته 250 روبية، فاشترى أول سيارة ليعمل عليها كتاكسي، وهي من نوع «شفر» موديل عام 1955، واشتراها بالأقساط من شركة الراحل يوسف أحمد الغانم، وبلغ القسط 50 روبية، لكنه طلب منهم زيادته إلى 100 روبية.

وتوسعت تجارته لتشمل 10 سيارات تاكسي دفعة واحدة من نوع «سبنسر»، اشتراها من وكيلها أحمد أمين بالأقساط، من دون دفعة أولى، واختار 10 سائقين كويتيين، كانوا ينامون في ديوانية منزله، وفي نهاية اليوم يضعون الحصيلة في الصندوق، وبكل ثقة لا يسألهم عن الربح، واستمر في هذا المشروع مدة عامين حاصدا 15 ألف دينار، وسدد كل أقساطه، وباع كل السيارات، متجها إلى الوظيفة الحكومية.

تعلمت القرآن الكريم واللغة العربية ومبادئ الحساب عند الملا خنيني

نلت إعجاب عبدالله الجابر في «لا طبنا ولا غدا الشر» فأهداني 10 روبيات

عملت كاتباً بعد وفاة والدي حتى تخرج شقيقاي في «الثانوية»

أشرفت على المسرح المدرسي في المدرسة القبلية المتوسطة
back to top