خاص

الباحثة الجزائرية د. زبيدة بن ميسي لـ الجريدة.: المنطق يرسخ العقائد... ويجب إعادة تفسير القرآن فلسفياً

«لا تعارض بين الدين والتفكير المنطقي... وابن تيمية بريء من رفض المنطق»

نشر في 31-05-2017
آخر تحديث 31-05-2017 | 00:00
الباحثة الجزائرية د. زبيدة بن ميسي
الباحثة الجزائرية د. زبيدة بن ميسي
في حين ترفض الجماعات الدينية المتشددة دراسة المنطق، على اعتبار أنه ضد الدين ويتعارض مع تعاليم الإسلام، أكدت الباحثة الجزائرية د. زبيدة بن ميسي، أستاذة المنطق والفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة بقسنطينة، عدم التعارض بين الدين والمنطق، وبرأت ابن تيمية من القول بذلك، وفي حوار أجرته معها "الجريدة"، طالبت بن ميسي بقراءة منطقية فلسفية للنصوص الدينية، سواء القرآنية أو النبوية، لاستعادة بهاء الإسلام وقيمته من جديد.. وإلى نص الحوار:
• لك بحث بعنوان "قراءة منطقية دينية ميتافيزيقية للمنطق الرمزي"، ما فحواه؟

- المنطق الرمزي القديم يتصف بالتجريد، أي بعيد عن الواقع، لذلك لجأ الفلاسفة المعاصرون إلى إضفاء الصبغة الدينية والميتافيزيقية على المنطق، حتى يكون واقعياً ومرتبطاً بالسلوكيات الفعلية للإنسان، حتى يتماشى والعقائد الدينية والرؤى الميتافيزيقية للإنسان، إذاً لم يعد المنطق ذلك المنطق المجرد، وإنما تحول إلى منطق يجسد ويرسخ للعقول العقائد، والأفكار الدينية.

• هل نعاني الثنائية في التعامل مع النصوص الدينية والنصوص التي لها طابع فلسفي وفكري؟

- نعم، أحيانا توجد هذه الثنائية، حيث يوجد فصل كلي بين النص الديني، والنص الفلسفي، ولكن الآن هناك دعوة صريحة لإعادة قراءة هذا النص الديني، قراءة عقلية منطقية تحليلية، أو يمكن القول قراءة فلسفية.

• كيف تتم هذه القراءة؟

- بقراءة النص من خلال الاعتماد على الآليات والأدوات المنطقية العقلية، فأنا أؤيد ما يقوله د. حسن حنفي، بأنه يمكن لنا أن نعيد تفسير الآيات القرآنية، والنص الديني بآليات جديدة، وآليات منطقية، ولن نصل إلى تعارض بين ما جاء في النص القرآني، وما يصل إليه العقل الإنساني.

• هناك من يدعي أن المنطق يتعارض مع الدين، فما رأيك؟

- هذا ما تردده الجماعات المتشددة، فالمنطق ليس كفرا، بل مهم وضروري جدا للفهم، فالمنطق حين نستخدمه، سيؤكد ما جاء في الآيات القرآنية من استخدام صحيح وسليم للعقل الإنساني، والدين الإسلامي جاء مخاطبا عقل البشر، وأقام الدليل المنطقي المتين لإثبات دعواه، ومنع إجبار الناس على اتباعه دون إقامة الحجة والدليل المقنع عليهم من خلال الكتاب والسنة.

• لكن الجماعات المتشددة ظهرت بسبب حدوث فجوة للقراءة المتعمقة والقراءة الجيدة للنص الديني.

- أرى أن هذه الفجوة الموجودة الآن بين مختلف الفرق والجماعات، راجعة لعدم تقبل فكرة إعادة قراءة النص الديني من جديد، لكن لا أرى أن هناك مانعاً أن أشرح وأحلل الآية القرآنية بآليات عقلية منطقية، دون أن نصل إلى تعارض بين العقل والنقل.

• دائماً يُنظر للفيلسوف على أنه متعال، فهل سينظر للنص المقدس أو المخاطب به بتعال؟

- هذا ما أريد أن أؤكد عليه، فلا يجب أن ننظر للنص الديني بهذا التعالي، يجب أن ندرك أولا أن الإنسان مميز عن بقية الكائنات بالعقل، ماذا سيفعل هذا الإنسان بالعقل إن لم يقرأ به النص القرآني، قراءة دقيقة؟! إذاً على هذا الفيلسوف أيضا أن ينزل إلى الواقع، وألا يتعالى على مختلف النصوص، بما فيها النص القرآني، وليعيد قراءته بشكل عقلاني مجرد وغير متعالٍ.

• على من تقع المسؤولية؟

- قد تقع على هؤلاء الباحثين في الفلسفة، فعليهم التعامل مع الواقع، وإعادة قراءة مختلف النصوص، قراءة عقلانية منطقية.

• شهدت الحضارة الإسلامية في الماضي ازدهارا كبيرا في جميع المجالات، بما فيها الفنون والفكر، فلماذا تعاني هذه الحضارة ذاتها الجمود الفكري حالياً؟

- هذه مشكلتنا نحن المسلمين، والمشكلة الرئيسية، تتمثل في عدم إعمال أو استخدام العقل بالطريقة الصحيحة، السلفيون يقولون إن ابن تيمية رفض المنطق وكفر المشتغلين به، لكن لو نقرأ كتب ابن تيمية وخاصة كتابيه "الرد على المنطقيين" و"نقد المنطق"، سنلاحظ أن ابن تيمية كان منطقيا بمعنى الكلمة، فهو لم يرفض المنطق، بل أكد ضرورة إعمال العقل، وكان دقيقا وهو ينقد المنطق الأرسطي، فجاء بمنطق جديد أراه إرهاصات للمنطق الحديث.

• ماذا عن دور المؤسسات الدينية في سيطرة الجمود الفكري في العالم الإسلامي؟

- بالفعل هناك جهات ساهمت في سيطرة هذا المناخ المعادي للفكر والحضارة، وعلى المؤسسات الدينية أن تعمل على تحريك المياه الراكدة وتحارب الجمود الفكري.

• لماذا يتهم الإسلام بأنه دين تطرف؟

- الإشكالية ليست في الإسلام، بل في بعض المسلمين الذين شوهوا صورة الإسلام.

• إذاً الإسلام يحارب من الداخل قبل الخارج؟

- بالفعل فالذي يقول أنا مسلم هو من شوه الإسلام بسلوكياته الخاطئة وأفعاله وبطريقة تفكيره البعيدة عن التعاليم الإسلامية ولن أتهم الآخر، بل أتهم نفسي كمسلم أولا، حيث بسلوكي وأفعالي وطريقة تفكيري قد أكون أسأت إلى الإسلام.

• ما وسائل تصحيح صورة الإسلام وإعادة المكانة للفكر الإسلامي؟

- إعادة قراءة القرآن الكريم بطريقة عقلية وبوسائل منطقية إعادة قراءة كل كتب التراث، وقد طالبت كثيرا بإعادة قراءة كل النصوص الأصلية الموجودة في التراث الإسلامي بطريقة جديدة وعقلية نقوم باستنطاقها مرة ثانية بمناهج جديدة.

• ما المطلوب لتصحيح صورة الإسلام في الداخل والخارج؟

- علينا أن نبتعد أولا، عن اتهام الآخر - أيا كان - بالكفر، فمن نحن حتى نكفر الآخرين؟، ثانيا، أن ندعو إلى عقلنة سلوكياتنا وأفعالنا وتفكيرنا، وعلى المسلمين الامتناع عن كل ما يسيء إلى الإسلام، خاصة الذين يستخدمون الشعارات الإسلامية لمصالحهم الشخصية، والذين يقومون بقتل الأبرياء من خلال التفجيرات وغيرها، وهذه الأمور تكرس نظرة الغرب الخاطئة تجاه الإسلام، وأنه دين تطرف وإرهاب، لا غير، فإذا حدث ذلك فمن المؤكد أننا سنعيد إلى الإسلام هيبته، ولن أقول بأن نستخدم القوة، فأنا ضد العنف، وأؤيد وسيلة واحدة تعيد إلى الإسلام بهاءه وقيمته، وهي استخدام العقل، الذي وهبنا الله إياه، وميزنا به على سائر المخلوقات الأخرى، أيضا على الغرب، إعادة النظر في الدين الإسلامي، فلو بحثوا بتجرد لوجدوا أن الإسلام دين مبني على العقل والمنطق، ويعالج أمور ومشاكل العالم كله، ويحفظ كرامة الإنسان.

السلوك الخاطئ لبعض المسلمين أساء إلى الإسلام داخلياً وخارجياً
back to top