العماري لـ الجريدة.: فنوننا الغنائية الشعبية تعاني الإهمال (5-5)

يقترح تدريس الفلكلور المحلي ضمن مناهج التربية الموسقية

نشر في 31-05-2017
آخر تحديث 31-05-2017 | 00:05


يملك النهام والفنان سلمان العماري حسا فنيا مرهفا، يمزج بين انتقاء الكلمة المغناة، إضافة إلى القدرة على أداء اللون الغنائي الأصيل، فذائقته الفنية تجنح نحو التراث الغنائي الكويتي، فينتقي من فن الصوت أجمله ومن الغناء القديم أعرقه، فيدندن على آلة العود أصعب الألحان، لأنه يعشق التحدي فلا يثنيه عن مراده أي عقبات، معتمدا على قوة إصراره وصلابة عزيمته.

ويمد العماري الوصل بين جيل الرواد والجيل الحالي من خلال أداء أغنيات النجوم الكبار في الكويت والخليج، متمسكا بالتراث الفني لهذه المنطقة، رافضا تقديم أعمال فنية معاصرة، إذ يرى أن إعادة تقديم الأغنيات القديمة بشكل جديد يحافظ على خصوصية هذا الإرث الفني، واجب وعرفان بالجميل للذين نهل من فنونهم وطريقة أدائهم.

في الحلقة الخامسة من حواره مع "الجريدة"، قال العماري إن بعض المطربين حاليا لا يستطيعون أداء الألوان الغنائية التراثية، لأن الفنون الشعبية تجرح الأوتار الصوتية وتحتاج إلى طريقة أداء مختلفة، فالكلمات تخرج من القفص الصدري لا من الحلق، وهذا النوع من الفنون يعتمد على الغناء الحر، ويستند إلى الإمكانات الصوتية للمطرب في حين أن الغناء الحديث يركز على التقنيات الحديثة بشكل كبير، ويعتبر أن التزامه بالفن الشعبي ينبع من وطنيته، مقترحا تدريس الفنون الشعبية ضمن مناهج التربية الموسيقية... وفيما يلي التفاصيل:

● بداية، ما هو فن المالد؟

- هو فن يتغنون به بمناسبة المولد النبوي الشريف ويوزعون الحلوى في هذه المناسبة، وهو مشابه في وقتنا الراهن للإيقاع القادري، وهو فن جميل، ومن أبرز الذين قدموا الفن القادري الدوب وعواد سالم وعودة المهنا وغيرهم.

● من الذي تعتبر نفسك امتدادا له؟

- مهما نغني من الفلكلور لن نستطيع الوصول إلى مستوى القدماء، ما نقوم به نحن هو التذكير بهؤلاء الفنانين والألوان الغنائية، نحن لن نضاهيهم، فقط أذكر الناس بعواد سالم عودة المهنا حينما أؤدي اللون الخماري، وإن نهمت أذكر الناس بالنهام سالم العلان وحسين بومطيع.

● هل تعتقد أن الغناء الحديث يؤثر سلبا على الفنون الشعبية؟

- لا أعتقد ذلك، لأن المغني الذي يؤدي الفنون الشعبية يمتلك إمكانات كبيرة تؤهله لأداء هذه الأشكال الغنائية الصعبة، والمغني ذاته يستطيع أداء الألوان الحديثة، في حين أن من يغني اللون الحديث ستكون مهمته صعبة، لأنه لا يجيد أداء الفنون الشعبية التي تعتمد على الصوت والموهبة، بينما الغناء الحديث يعتمد على التقنيات بشكل كبير، وأنا لا أقول إن كل من يغنون الألوان الحديثة لا يستطيعون، فأصحاب المواهب الحقيقية ومن يملكون التحدي سيؤدون الفنون الشعبية، لأن المقامات في هذا النوع من الغناء صعبة جدا، وحينما يجري وضع نوتة لهذه الألوان الشعبية ستصعب مهمة من يؤديها، لأنها بحاجة إلى إمكانات كبيرة من المغني، كما أن إحساس الفنان الشعبي سيكون مغايرا عن إحساس الفنان الذي اعتاد على أداء الألوان الحديثة، ولاسيما إذا كان الفنان الشعبي الحقيقي سيشعر بمعاناة البحارة، وهم يرددون هذه النوع من الغناء، لذلك هذا الإحساس لن تجده عند الآخرين، كما أن الغناء البحري مرتبط بإيصال صورة ذهنية ترافق الأداء، وهي حينما ينهم النهام ويستطيع إيصال مدى المعاناة والعناء والشقاء والتعب الذي يعيشه البحارة في عرض البحر سيكون قد نجح في تقديم الهدف من الغناء، لكن حينما يغني فقط مرددا الكلمات لن تكون الجمل مقبولة من المتلقي، لأن الصورة الذهنية لم تتكون في الخيال، لذلك سيكون الغناء ناقصا.

وقد كان يحدث في فن السامري مثلا حينما يشيله الفنانون والنساء بالأزياء التقليدية الجميلة تلعب على الإيقاع لن يصل بطريقة سليمة، وإذا غُني الصوت ولم يخطر على بال المتلقي شكل البيوت القديمة والحواري الضيقة والبيوت الطينية والقهاوي القديمة لن يكون مستساغا أو مقبولا. غناء الفلكلور جماله حينما يترافق مع الخيال. مع الأسف فإن فنوننا تعاني الإهمال.

● عن أي إهمال تتحدث؟

- في مادة التربية الموسيقية التي تُدرس لأبنائنا وبناتنا الطلبة، نقدم لهم الفنون العالمية ونهمل إرثنا وتراثنا، وتساءلت مرارا وتكرار: لماذا لا تدرس الفنون البحرية كالسامري وفن الصوت وغيرهما من الفلكلور الشعبي؟، أنا أتصور في حال وضع هذه الأمور ضمن المناهج التعليمية ستتطور ثقافتنا الموسيقية بشكل أكبر، لأن ما نقدمه لأولادنا وبناتنا له خصوصية محلية، ويمثل هويتهم الوطنية، وهناك نموذج جميل في سلطنة عمان، إذ بدأت تدريس فن العازي، وتم توثيق هذا الفن بشكل رسمي، وهم يعتزون بهذا الفن، لأنه تراثهم بينما نحن فلكلورنا مهمل.

● ومن يتحمل ذلك؟

- الدولة هي المسؤولة وكذلك بعض القائمين على التعليم، فهم يتقاعسون عن أداء مهمة وطنية، كما أن تقديم التراث ليس فقط في المناهج، بل يجب تقديمه في الحفلات مثلا، إذ يفرض أي مهرجان غنائي أو موسيقي يقام في الكويت تقديم فقرة للفن الشعبي، حتى لو كانت في فترة الاستراحة ضمن الحفل الذي يحييه أحد النجوم، بشرط انتقاء الفنانين الأكفاء، وبذلك استطعنا إيصال رسالتنا الفنية من خلال أعمال لها خصوصية محلية تنبع من تراثنا، لكن ما يجري هو مجرد مجاملات ومحاباة لتحقيق مكاسب فردية لا جماعية تعنى بهويتنا.

● هل يستطيع نجوم الغناء في الساحة المحلية أداء هذه الألوان الغنائية؟

- أقولها بصراحة وتجرد، لا يستطيعون أداء هذه الألوان التراثية، لأن الغناء الشعبي يجرح الصوت، لأنه من الفنون الصعبة التي يجب على المطرب أن يغني من أعماقه لذلك، ألوانه تحتاج إلى إحساس، كما أنها لا تخرج فقط من الحلق، بل ينبغي على المغني إخراجها من القفص الصدري بطريقة مفعمة بالإحساس والشجن، لذلك هذه الألوان الغنائية لا تؤدى بسهولة.

ولأن الفلكلور ينبع من المعاناة والحياة اليومية التي كانت صعبة جدا وعنيفة، يأتي الغناء منسجما معها، فهو يكتسب هذه الصفات حتى في الأداء المصاحب للغناء، فقرع الطبول سيكون مدويا، والصوت يرتقع أحياناً إلى درجة عالية جدا أشبه بالصراخ، لكن هذه الفنون جميلة جدا، برغم العنف والمشقة والتعب.

● هل تقيد الآلات الحديثة الفن الشعبي؟

- الفني الشعبي هو غناء حر، يستطيع المطرب أن يقول فيه ما يشاء، لكن الآلات الموسيقية أصبحت تقيد الفنان وفقا للآلة، فالفنان الشعبي عندما يغني فإن أوتار العود تهدأ، ويترك المجال للغناء لإظهار إمكاناته الصوتية، وبين مقطع وآخر يأتي دور العود فتظهر الألحان الشجية خلال العزف الجميل.

لكن ما يحدث حاليا في الأغاني الحديثة عزف من آلات متنوعة وموسيقى صاخبة، وبالكاد تسمع صوت المطرب الذي يتلاشى بين هذه الآلات، لذلك أقول إن الفن الشعبي حشمة، لأنه ينهل من تراث أصيل، بينما ما نسمعه في وقتنا الحالي ألحان عراقية لا تمت بأي صلة إلى فننا العريق، وهي ألحان ضاربة.

وأكاد أجزم بأن إحساس الفن الشعبي مختلف، حتى المفردات المستخدمة فيها حشمة، بمعنى أن الفتاة التي ترقص يقال عنها فلانة تلعب سامري، وفلان يلعب كذا، وفلانة زفانها جميل، وهكذا، أنا أحسب غنائي للتراث والفن الشعبي يعبر عن هويتي ووطنيتي.

وقد كتبت إحدى الزهيريات عن الكويت، وأقول فيها:

بلادي لأهلها بالأخص أحلى وطن

ويسري بيوفك حبها وين ماجدمك وطن

منابع للجود أهلها وروس أبد ما وطن

واعرف ترى من أفعالهم يا صاح شاب الشعر

يشهد لهم تاريخهم وكل ناظمين الشعر

ما هي مشاعر كاذبة ولكل فيها شعر

الكويت ما ينوزن حبها بألف طن وطن

كما كتبت أيضا:

آهات روحي سطن بِمسامع الناسِ

والقلب دايم صوبكم ولغيركم ناسي

ناس بِـهم وشقا وناسِ بووناسي

ثارن عيوني وأنا لعبراتها بكن

وعزى لعيني بليا دموعها بكن

وهيهات العين بعمرها ما بكن

واعرف ندى العين صادقة عن الناس

وكذلك أكتب أبوذيات، وفيها نوع من المزاج والفاكهة

صوت كعبك يا حلو بالقلب زلزل

والقاع من يمشى عليها بودي أفرشها زل

مثلك يسامح لمنا عليهم زل

اشقد مشيتك فيها موسيقى بتهوفنيه

● هل لاحظت أن الأطفال يحبون أغنياتك؟ فما الذي قدمته لتجذب هذه الفئة؟

- الأغاني التي فيها حكاية تعجب الناس وشعروا بذلك من خلال أغنيات العجايز والسمر والبيض للفنان عبدالله، وهو أدى الأغنيتين بكل جمال، لكن أنا حاولت إيصال للناس أني أحكي هذه القصة لهم وكأني راوي للحكاية، وكنت أتمنى أن تصور هذه القصة من خلال حكاية لها سيناريو جميل.

● ما أبرز هواياتك؟

- أنا أحب البر، وكنت مربيا للأغنام، لكن نظرا للمشقة قررت التخلي عن هذه الهواية، لكن عشق البر استمر معي، فأنا لدي جاخور في منطقة كبد، وقمت بتشييد غرفة تراثية في هذا المكان، ووضعت فيها بعض الآلات الموسيقية وصورا لبعض الفنانين، وفي هذه الغرفة أمارس هوايتي في الغناء، وأهوجن وأجر الربابة، كما أني أعشق البحر والحداق، فأنا أجمع بين حب البر والبحر.

العماري الصغير يغني الفلامنغو الإسباني

لم يود الفنان حمد العماري، ابن شقيق الفنان سلمان العماري، أن يكون نسخة مكررة من عمه، فبحث عن مشرب غنائي مختلف يثبت فيه وجوده، ويؤكد من خلاله جمال موهبته، فشق العماري الصغير طريقه بغناء الفلامنغو الإسباني، إضافة إلى إجادته الألوان الغنائية المحلية والشرقية.

ويحرص العماري الصغير على أداء أغنيات يمزج فيها الفنون الكويتية بالألحان الإسبانية في حفلاته، وقدم العماري الصغير حفلا غنائيا حقق نجاحا، وكان برفقة عمه سلمان في مسرح عبدالحسين عبدالرضا في 31 مارس 2016، وغنى الثنائي "يا عين ماليه"، و"ينادي على قربك منادي" و"السمر والبيض".

بعد ذلك، قدم الفنان حمد العماري منفردا عددا من الأغنيات، ونجح في التنقل من لون غنائي إلى آخر، عبر مجموعة من الأغاني اختارها لتناسب كل الأذواق، وأدى "عيني غفت"، و"باب الوصل". وقدم العماري وصلة غنائية استثنائية كانت عبارة عن "مكس" بين اللهجة الكويتية واللغة الإسبانية.

خلان راحوا من الديرة وخلوني

ومن فن النهمة ينتقي العماري ألوانا جميلة، فيهوى أداء هذه النهمة في معظم المناسبات "خلان راحوا" وتقول كلماتها:

خلان راحوا من الديرة وخلوني

نار شبت بچبدي يوم خلوني

حتى عيوني جزت من يوم خلوني

يا صاحبي جد المسير بليل

وسلم عليه المعد قبل الضحى بليل

أنا الذي عفت أنا العيشة ونوم الليل

بسباب خلان راحوا وعاد خلوني

كما يعشق العماري أغنية عبدالله فضالة "ألا يا أهل الهوى":

ألا يا اهل الهوى وا عزتا لي

عديل الروح مكن بـي صوابـه

عشيـر بالمحبـة سـم حالي

وانا وا حسرتي قلبـي غـدا بـه

هني اللي ينامـون الليالي

وقلبي ما طرقهـم مثـل مابـه

اغبط اللي من الحب صار خالـي

وأنـا قلبـي شقـي وا عـذابـه

أمير السمر ما أدري وش نوى لي

ألا يـا الله تعتـق لي شبابـه

اخذ روحي ولا ني عنـه سالي

وأنا وان راح عمري واسفا به

حشا ما غاب عن ذهنـي وبالـي

ولا ساعة ومـا حسـب حسابـه

انا لي باسم حرف النـون غالـي

واخذت منه خطابه والتـوى بـه

عودة المهنا وعواد سالم والدوب أبرز من أدوا الفن القادري

المغني الذي يؤدي الفنون الشعبية يمتلك إمكانات صوتية كبيرة

أكتب الزهيرية والأبوذية وأحب البحر والبر وأجر عالربابة وأهوجن

الغناء البحري مرتبط بإيصال صورة ذهبية ترافق الأداء

أديت أغنية «السمر والبيض» بشكل مختلف وكأني أسرد حكاية
back to top