خاص

سلمان العماري لـ الجريدة.: هاوٍ للغناء ولست محترفاً... ولن أصدر ألبوماً (4-5)

«الأغنيات القديمة يستمر نجاحها عقوداً والحديثة لا تتجاوز شهراً»

نشر في 30-05-2017
آخر تحديث 30-05-2017 | 00:05


يملك النهام والفنان سلمان العماري حساً فنياً مرهفاً، يمزج بين انتقاء الكلمة المغناة والقدرة على أداء اللون الغنائي الأصيل، فذائقته الفنية تجنح نحو التراث الغنائي الكويتي، فينتقي من فن الصوت أجمله ومن الغناء القديم أعرقه، فيدندن على آلة العود أصعب الألحان لأنه يعشق التحدي فلا يثنيه عن مراده أي عقبات، معتمداً على قوة إصراره وصلابة عزيمته.

ويمد العماري حلقة الوصل بين جيل الرواد والجيل الحالي من خلال أداء أغنيات النجوم الكبار في الكويت والخليج، متمسكاً بالتراث الفني لهذه المنطقة رافضاً تقديم أعمال فنية معاصرة، إذ يرى أن إعادة تقديم الأغنيات القديمة بشكل جديد أمر من شأنه أن يحافظ على خصوصية هذا الإرث الفني عرفاناً بجميل الذين نهل من فنونهم وطريقة أدائهم.

في الحلقة الرابعة من حواره مع «الجريدة» يستعرض الفنان سلمان العماري أنواع الفنون البحرية التي يؤديها البحارة على الشاطئ أو في مناسبات أخرى مثل طلاء السفن الشراعية أو لدى انتهاء موسم الغوص القفال، مشيراً إلى أن النهام يئن غناءً ويلحن مأساته، لأن الغناء وسيلته الوحيدة للتعبير عن مشاعره الإنسانية فهو في عرض البحر تتقاذفه الأمواج على ظهر سفينة شراعية تحفها المخاطر من كل جهة فيؤدي النهمة أو الأغنية بإحساس صادق وببحة صوت شجية تنبع من الأعماق.

وعن رأيه في إصدار ألبوم غنائي، يستبعد العماري هذه الخطوة حالياً لأنه لا يريد الانتقال من الهواية إلى الاحتراف مفضلاً الاكتفاء بحفلاته الغنائية، معلناً رغبته في القيام بتوثيق الإرث البحري الغنائي لأنه إرث وطني ينبغي المحافظة عليه وصيانته... وفيما يلي التفاصيل:

● ما الألوان الغنائية التي يؤديها البحارة وهم على الساحل؟

- الفن الذي يغنى على الساحل هو الغناء فترة الراحة، ويؤدون فيه فنون الحدادي والحساوي والعدساني والمخالف وحجازي والحدادي من النوع السردي والمخالف كذلك، بينما الحجاز يحتاج إلى نهمة قبل الغناء والمسروق كذلك، والنهمة أو "الجرحان" هي ميزان للغناء ويكون فيها شرح لطبقة الغناء التي سيقدمها المطرب أو المجموعة،، وألحانها تكون جميلة جداً ورائعة ومفعمة بالشجن، وبصراحة أشعر بقشعريرة عندما أستمع إلى هذه الألوان، لأنها تأسرني كما أنني أنظر إلى طريقة الأداء وتوحيد الصوت إضافة إلى نهمة النهام و"الونّة" وقرع الطبل و"اليحلة" و"المرواس" والهاون، إنهم يقدمون فناً راقياً ولا أظن هناك مجموعة تؤدي بطريقتهم وأسلوبهم.

● هذه الفنون كانت مستوحاة من الواقع والطبيعة، وإن صح التعبير فهي تؤدى بالفطرة، فكيف تفسر الدقة والتنظيم والجمال في العمل الجماعي؟

- كما يقال، المعاناة هي طريق سالك للإبداع، وفي السابق كان حجم المعاناة كبيراً جداً، لذلك فإن النهام يئن غناءً ويلحن مأساته، فالغناء وسيلته الوحيدة للتعبير عن مشاعره الإنسانية فهو في عرض البحر تتقاذفه الأمواج على ظهر سفينة شراعية تحفها المخاطر من كل جهة، فالقراصنة يجوبون البحر شرقاً وغرباً وسمك القرش يبحث عن فريسة له، كما أن الرياح لا تهدأ، وتهب أحياناً بشدة وتضرب بضراوة، كل هذه المخاطر يعيشها البحارة على ظهر السفينة الشراعية، إضافة إلى انقطاع البحار عن أهله وذويه مدة 4 أشهر على أقل تقدير فهو لا يعرف ما أصاب أهله وأولاده، هل هم بخير؟ هل هم أصحاء أم أصابهم مرض؟ لذلك يعبر البحارة عن مشاعرهم الحقيقية عبر الغناء الموظف في أداء مهام على ظهر السفينة، فيغنون شوقاً لرؤية ذويهم ولحب الجلوس معهم وتفقد أحوالهم وينشدون ألماً على فراقهم، فهم يجسدون كل هذه المشاعر المختلطة في آن عبر غناء صادق وببحة صوت شجية تنبع من الأعماق.

كما تصعب مقارنة الأغنيات في تلك الفترة بما نسمعه الآن، فالأغنية الحالية التي تحقق نجاحاً فإنها تستمر شهراً على أبعد تقدير، بينما الأغنيات القديمة التي قدمت منذ 60 سنة تجد صداها حتى الآن، لذلك اكتسب الفن القديم الصدق والاستمرار والنجاح.

ألبوم وحيد

● هل تفكر في طرح ألبوم خاص؟

- لا أفكر في تقديم ألبوم في الوقت الراهن، لأني أريد أن أبقى هاوياً للفن ولست محترفا وجمهوري يحضر حفلاتي ويستمتع، وأنا أسعى إلى عدم الغياب والمشاركة في الكثير من الفعاليات، وهذا يرضيني وكذلك يرضي جمهوري.

● لماذا لا تقدم اللون الحديث؟

- أرغب في ذلك لكنني أشعر بالخوف والقلق من هذه الخطوة، لأنني أخشى ألا يحقق هذا الألبوم نجاحا، بمعنى ألا يحظى بنصيبه من الاستماع، لذلك أقف مترددا لاسيما أن طرح الألبوم بالنسبة لي ليس رغبة في تحقيق مكاسب مادية فإنا لا انظر إلى هوايتي من هذه الاتجاه، وكنت أتمنى أن يكلفني مسؤولو الاعلام بتوثيق التراث وتسجيل مجموعة من الأغاني القديمة المفعمة بالأصالة والعراقة، فهذا إرث وطنى ينبغي المحافظة عليه وتوثيقه وصيانته، وأنا أريد تقديم هذا العمل إلى المكتبة السمعية والبصرية للتراث، لا للتباهي أو لأشياء أخرى.

أريد توثيق فن الخطفة الذي يردده البحارة وإيضاح هذه الفنون للأجيال الجديدة التي لم تعش تلك الفترة، فالخطفة ترافق رفع شراع السفينة ويفضل أن تكون هناك صور أو مشاهد مصورة توضح هذا الفن وطريقته من خلال أداء عملي بالغناء، ولم لا تكون هناك مشاهد تمثيلية تخدم الغرض وتفسر ماهية هذا الفن ويقول البحارة "الله الله سيدي" أما اليامال "أوه يا مال أوه يا مال"، وهذا النوع يامال محرقي وهو يقال أثناء التجديف، إلى غير ذلك من الفنون.

توثيق الفنون البحرية

● أعتقد أن هذا الاقتراح جديد بالتقدير والعناية لكنك بحاجة إلى بعض الإمكانات لاسيما أنك كمن يريد تقديم فيلم وثائقي عن الفنون البحرية؟

- نعم هذا ما أود تنفيذه وأنا متيقن أن هذا العمل سينفذ لكن الاختيار سيكون سيئاً بمعنى ان الاشخاص الذي ستوكل اليهم المهمة ليسوا أكفاء بما فيه الكفاية، لذلك يفضل انتقاء الأجدر لأداء هذه المهمة وعدم البحث عن المصالح الخاصة في هذا الجانب لأن عملاً كهذا ليس بالامر البسيط، فهو توثيق لذاكرة وطن.

● المحافظة على التراث تأتي عبر تقديمه بشكله الأصلي أم بالتشجيع على إدخال بعض الآلات في العزف أو تطوير الجمل اللحنية وإضافة بعض الكلمات؟

- هذه الخطوة مهمة وجديرة بالاهتمام لكنها تحتاج إلى تضافر الجهود لتحقيق هذه الرغبة، واقترحت على بعض الأساتذة في المعهد العالي للفنون الموسيقية عزف إحدى المقطوعات من الفن الحدادي أو أي فن آخر، وتطوير هذه الفكرة إلى أن نقدم هذه المقطوعة بعزف أوركسترالي، وستكون هذه المعزوفة خطوة جميلة لتطوير التراث، لكنني للأسف لم اجد قبولاً لديهم، لكنهم أوردوا حججا مختلفة معتذرين بانشغالهم ومتابعة شؤون الموسيقى الحديثة وكذلك انهماكهم في التدريس في المعهد. كنت آمل ان أعثر على أحد يساندني في هذه الخطوة لكنني لم أجد الا الرفض واعتقد ان هذه الخطوة ستساهم في التجديد والتطوير لاسيما اذا جاء احد الموسيقيين وعزف هذه المقطوعات ووضع بعض الكلمات الحديثة على اللحن، فستكون اغنية لها خصوصية ومرصعة بشذى التراث الاصيل لان الموسيقى القديمة لم تعد تقدم، والإيقاعات القديمة أهملت، لذلك في حال اعادة احيائها ستكون عودة الى الماضي الجميل من خلال المحافظة على الاصالة ومزجها بالمعاصرة والآلات الحديثة.

وكجهد فردي قمت بتقديم أغنية "يا اهل الهوى قمت بإعادة ادائها من خلال لحن حدادي ولاقت استحسان الجمهور وكذلك اغنية "على خدي اخط ايدي"، وتم اعادة غنائها من قبل اكثر من مطرب.

الفرق بين العرضتين البحرية والبرية

في حديث عن فن العرضة البحرية، يقول العماري إن البحارة كانوا يلعبون العرضة في "القفال"، ويعني انتهاء موسم الغوص، والعرضة تصنف كفن ترفيهي، وكانوا أيضاً يؤدون "السنغني"، وهو فن ترفيهي مرتبط بطلاء السفن الشراعية، وكان هناك نهمة خاصة بذلك.

وأشار العماري إلى تنوع الفنون البحرية إذ يرتبط نوع العمل بأداء أغنيات تناسبه، وهناك نهمة خاصة بتحميل شحنة التمر، تقول: "يا كاجوري طيّح لنا ألانغر"، والكاجوري مفردة تعني التمر باللغة الهندية وألانغر هي المرساة باللغة الإنكليزية، وهنا تظهر ثقافة القدماء، إذ مزجوا بين اللغتين الهندية والإنكليزية.

وحول الاختلاف بين العرضتين البحرية والبرية، يشرح العماري أنهما تجتمعان في "الشيلة" ذاتها بينما تفترقان في الإيقاع، لأن مجال العرضة البرية مختلف تماماً لأنها تأتي تحفيزاً لخوض الحرب وتلعب بالسيوف، بينما العرضة البحرية للترفيه "وأنا أحب اللعب بالسيف جداً".

سعد بن جدلان شاعر جزالة المعنى والحكم

فيما يتعلق بالشعراء الذين يعشقهم الفنان سلمان العماري، يقول إن "كل مفردة جميلة اسمعها أو أقرؤها تؤثر فيّ وتترك في نفسي مشاعر طيبة، كما أنني أشعر بإحساس قائلها، وأعتبر الشاعر السعودي الراحل سعد بن جدلان من أبرز الشعراء في الخليج العربي، لأن قصائده تتسم بجزالة المعنى والحكم والوقار، فلسانه يعف عن البذيء ويلهج بكل ما هو جميل".

ويكشف أن من أبرز القصائد التي تعجبه "كثر ما حن قلبي"، ومن أجوائها:

كثر ماحن قلبي للونيس وكثر ما درهمت

فجر صدري حنيني واتعب الأقدام درهامي

عيون الصد وعيون التجافي حول مهما أكرمت

تشوف المجتهد كسلان والبناي عدامي

مصيبة لا تردت قيمتك في عين من قيمت

يشوفك فالسهل وأنت تشوفه فالسما السامي

مدام ان جانبك شام لجنابي وأنت عنـي شمـت

كثر خيرك وأنـا ما نيـب لا جايـع ولا ضامـي

أشوف إنه علي واجـب ليـا مريتكـم سلمـت

مرور أكرام تربطه الكرامـة عنـد الأكرامـي

على شان الخفوق اللي على عرشه قعدت وقمت

حجب عنك الدجى لين أشرقت لك بيض الأيامي

ويضيف أن من القصائد الأخرى التي يرددها للشاعر ذاته "ودنا بالطيب":

ودنا بالطيب لكن الدهر جحاد طيب

كل ما تخلص من الناس كنك تغشها

يدك لا مدت وفا لا تحرى وش تجيب

كان جاتك سالمة حب يدك وخشمها

كما تشبت نار المحبة مع حبيب

قام يسحل في مشاهيبها ويرشها

وكل ما واجهت لك فالزمن وجه غريب

مثل ما قال المثل دام تمشي مشها

وذمة ما هيب تندار للحق المصيب

جعل قشاش الحطب لا سرح يقتشها

يشار إلى أن الشاعر بن جدلان توفي في 26 أبريل 2016، عن عمر يناهز 69 عاماً، ويعتبر الراحل أحد أبرز شعراء الخليج، حيث يتمتع بجماهيرية كبيرة، وهو ينتمي إلى قبيلة أكلب، نشأ في عائلة امتازت بالشعر، فوالده وجده وأغلب إخوته شعراء، وتوفي بن جدلان في محافظة بيشة التي نشأ بها، إثر تعرضه لأزمة قلبية.

تميز الشاعر الراحل بإجادته شعر العرضة، وشعر القلطة، وشعر النظم، الذي اتسم بالحكمة وكلاسيكية المفردة والجزالة في المعنى.

عندما أستمع إلى فنون البحر أشعر بقشعريرة لأنها مفعمة بالشجن

«يا أهل الهوى» أعدت إحياءها وأديتها من خلال لحن حدادي

البحارة يعبرون عن مشاعرهم بالغناء الموظف في أداء مهام على ظهر السفينة

اقترحت عزف مقطوعات من فن «الحدادي» وتطويره أوركسترالياً لكنني لم أجد من يساندني

الإيقاعات القديمة أهملت والكل انصرف إلى الأشكال الحديثة

العرضة البرية غرضها التحفيز لخوض الحرب وتلعب بالسيوف بينما البحرية للترفيه
back to top