«موت صغير»... نص يُلبس التصوف ثوب الرواية

محمد حسن علوان، وبقدر ما رسم رحلة الشيخ الأكبر نحو بلوغه غايته الأهم بتعلق قلبه بمحبة الله، وما يراه من كشوف تدفع به إلى مزيد من البحث، فإنه، وربما كان هذا هو الأجمل في الرواية، قد نزل بالشيخ الأكبر من مكانته الدينية والصوفية العالية، ليقدمه كإنسان بمشاعر وأحاسيس وضعف وقوة. وهذا ما جعل القارئ يلهث في تتبع مسيرة حياة الرجل. أمران أود التوقف عندهما، الأول ما كتبه البعض فور إعلان النتيجة بفوز رواية "موت صغير" بجائزة البوكر، والمس بلجنة الجائزة، وأن الرواية لا تستحق الجائزة، فهناك في القائمة القصيرة كتّاب روائيون أكثر استحقاقاً للجائزة من محمد علوان. وهذا كلام لا طائل من ورائه، خاصة إذا جاء بنفَس فوقي كريه يرى في الخليجي أقل استحقاقاً لأي جائزة، لا لشيء إلا لكونه خليجيا. وهذا يعني بين أمور أخرى النظرة الدونية الممجوجة التي مازالت تسكن صدور البعض مهما حاول إخفاءها.وترديد النغمة المشروخة بالمراكز والأطراف، مع أن العيش العصري اليوم في القرية الكونية ما عاد يحتمل الحديث بهذا الفكر البائد. الأمر الثاني يخص الكثير مما أثير حول الرواية، وكون محمد حسن علوان قد تناص في بعض أجزاء من الرواية، مع ما سبق وكُتب عن حياة ابن عربي، وتحديداً مع ما كتبه الأستاذ كلود عدس في كتابة "ابن عربي... سيرته وفكره". مع إغفال أن محمد لم يخلق ابن عربي من عندياته كشخصية تاريخية، لكنه خلق ابن عربي كشخصية روائية سكنت بين دفتي رواية "موت صغير"، وعلوان بذا خلط خلطاً ذكياً ومقتدراً بين سيرة محي الدين بن عربي كوثيقة وبين كتابة روائية تتخذ من اللغة والتخييل وسيلة لرسم شخوصها وعوالمها. ومؤكد أن كل من يقرأ الرواية سيجد صعوبة بالغة في فك التداخل المبدع بين الوثيقة والتخييل، وهذه وحدها هي لعبة محمد المتقنة التي حملت روايته للتتويج.رواية "موت صغير" رواية ممتعة تتخذ من تفاصيل ومنعطفات حياة المتصوف الأكبر ابن عربي حكاية لسردها، وهي عبر 591 صفحة تبقى مشوقة، وهذا وحده أهم شرط يجب توافره في أي رواية مبدعة.