التشكيلي المصري أحمد عبد الكريم: معرضي تحية إلى الواسطي مؤسس مدرسة التصوير العربي والإسلامي

نشر في 14-05-2017
آخر تحديث 14-05-2017 | 00:10
ينتمي الدكتور أحمد عبد الكريم إلى جيل الثمانينيات، تميّز بتقديم أعماله الفنية التي تعكس واقع البيئة المصرية الأصيلة، فجاءت ثلاثيته عن الهدهد، ثم اتجه إلى مرحلة جديدة قدّم من خلالها محاور بصرية متنوعة في معرضه الأخير «تحية إلى الواسطي»، إيماناً بضرورة البحث والتجريب واستحداث رؤى فنية من شأنها أن تزيد توهج الفنان واستمراره.
استضاف غاليري الفن معرضك الجديد «تحية إلى الواسطي». ماذا عنه ولماذا اخترت الواسطي تحديداً لتقدم تحية له؟

المعرض تحية خاصة إلى الفنان الرائد يحيى بن محمود الواسطي. جاء هذا المعرض بعدما قدّمت في السنوات السابقة رؤية معاصرة لكيفية التعامل مع الطبيعة وصياغتها بطريقة بصرية معاصرة، فاتخذت من البيئة المصرية لواحة دهشور ذات الإرث الحضاري المصري القديم وملك الطيور الهدهد مدخلاً بصرياً من خلال معارض عدة هي «الهدهد والمعدية، وهدهد بنت الجيران، وقلب الهدهد»، واختتمت هذه المرحلة بمعرض «أبجدية المكان والزمان أبجدية دهشور».

ولكن في الفترة الأخيرة، وبعد مراجعة أعمالي السابقة، وبعد حالة من التردد والحيرة والقلق الشديد والغضب وجدت أن التغيير والتجديد ضروريان لتقديم طرح جديد في كل محاور تجربتي الجديدة. وكانت لي اهتمامات أكاديمية بمعطيات التراث، خصوصاً أن دراستي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه عن «النظم الإيقاعية في جماليات الفن الإسلامي». وفي فترة أخرى اتخذت من الفن المصري القديم «الفرعوني» محوراً آخر وأصبحت لدي رؤية شاملة لمعطيات حضارتين مصريتين، وبينهما الفن القبطي المصري كحلقة وصل بين الحضارتين. كذلك توافر لي حضور مناقشة رسالة دكتوراه الفنانة الكبيرة زينب السجيني عام 1979 بعنوان «أسس تصميم المنمنمة الإسلامية لمقامات الحريري»، ثم تتابعت الأحداث وسافرت إلى باريس وزرت المكتبة الوطنية عام 2001، وأعجبت بصور المنمنمات الملونة للواسطي وقرأت عنه الكثير وعن أحواله الشخصية من خلال كتاب العلامة الدكتور ثروت عكاشة، فوجدت أن هذا الفنان لم يأخذ حقه في حياته أو بعد مماته.

أخبرنا عن الواسطي.

استطاع الواسطي الهجرة من موطنه الأصلي أرمينيا واتجه إلى الهند وتعلم رسم المنمنمات في موطنها الأصلي، ثم رحل إلى بلاد الفرس وتعلم الخطوط العربية، ثم أصبح رسام الدولة العباسية وخطاطها في الحضارة الإسلامية، واستطاع بمجهود شخصي تحضير الألوان من الأكاسيد وزيت الكافور والحبرين الأحمر والأسود، واتخذ من مقامات الحريري ذات القصص القصيرة مصدراً جمالياً أدبياً وأحالها إلى حضور جمالي برسوم منمنمة صغيرة وأسلوب خاص به تستشف منه تمكّن الفنان.

الواسطي أول من استطاع تأسيس مدرسة التصوير العربي الإسلامي في الحضارة الإسلامية، وتحويل مقامات الحريري إلى منمنمات تصويرية على غرار «كليلة ودمنة»، كذلك قدّم حلولاً جمالية لكل منمنمة على حدة. لذا، وجب عليّ أن أقدم هذا المعرض تحية إلى «يحيى بن محمود الواسطي».

ألوان وعلامات

تغلب على المعرض الألوان الدافئة. ما فلسفتك في استخدامها؟

لا أخطط لاستخدام ألوان بعينها، ولكنها هي التي تفرض نفسها على الموضوع. عناصر المعرض كلها «ساخنة» من القصص المقصودة بها المقامات، والبيئة التي تدور فيها الأحداث بين مصر والعراق، إلى التقنية الجديدة التي تعتمد على اللون البني ومشتقاته، بالإضافة إلى روحانية داخلية تملك الروح الموسيقية الدافئة حتى في مسميات الأعمال مثل «طوفان الحب، ونداء للحب، وتحية الواسطي، والواسطي على ضفاف نهر النيل، والواسطي في زيارة لمصر، والجبل الأحمر في صحراء مصر»، فالألوان «الساخنة» كانت نداء لكل من الفنان والموضوع.

يتجلّى استخدامك رموزاً وعلامات كثيرة في أعمالك بصورة كبيرة. ما دلالة ذلك؟

أقمت ذات يوم معرضاً بعنوان «السيموطوقيا»، علم العلامات ذات الدلالات المعرفية، حيث اكتشفت أن كل حياتنا رموز وعلامات، وشعرت بأن هذه الدنيا تقوم على هذه الرموز التي لا نفهمها أو نعرفها. فالفن التشكيلي لغة عالمية لا تتضمّن صوتيات بل رؤية موضوع وصورة، والأخيرة خير من ألف كلمة. وفي معرضي «سيموطوقيا الفنون البصرية» قدّمت بحثين وتعلم كثيرون من خلاله قراءة المعارض، فقد بدأ الموضوع يتحوّل من فلسفة إلى فن مرئي بحضور جمالي. عموماً، أرى أن الفرق بين الشاعر والفنان هو أن القصيدة يمكن سماعها ومنحها أكثر من تفسير، ولكن إذا نظرنا إلى لوحة فيها «سمكة وطائر وكرسي»، فإن ما يحدث بين هذه العناصر يُفسّره بحسب رؤية الفنان التشكيلي وثقافته وتقاليده.

البيئة المصرية

يبدو انحيازك إلى البيئة المصرية من خلال آمالك الفنية كونها معيناً لا ينضب. ما تعليقك؟

أقدِّم أعمالاً تخصّ البيئة المصرية. لدي مرسم في دهشور حيث توجد أمامي ثلاثة أهرامات «سنفرو، ودهشور الأحمر، وأمنحوتب الثالث». لدي بيئة متكاملة من نخل ومياه وبحر وسط صحراء وامرأة جميلة تزين الحياة. أشاهد التقاء آخر طرف أخضر من النيل مع أول طرف من الصحراء الغربية، حيث يمثلان تضافراً قوياً. تلك البيئة توحي لي بالكثير. حتى لو لم أكن فناناً ترغمني على حب الفن. عموماً، أعشق تأمل الطبيعة، وفعلاً استوحيت معارضي عن الهدهد من البيئة، والتي لن تنضب في مصر أو العالم العربي.

تنتمي إلى جيل الثمانينيات. ما الذي يميِّز أبناء هذا الجيل؟

اعتمد جيل الثمانينيات على نفسه، ومن لجأ إلى السلطة والحكومة منه اكتسب بعضاً من الوظائف الحكومية. ولكن الفن لا يعرف الكذب أو الواسطة مهما كسب الفنان. الفن لا يحتاج إلى عكاز أو يعتمد على الفبركة أو الوظيفة، كما أن الماجستير والدكتوراه درجتان علميتان للوظائف الأكاديمية وليس كل دكتور فناناً.

العمل الأكاديمي

هل ساهمت دراستك ثم عملك الأكاديمي في تقويض رؤيتك الفنية وإلزامك بأسس وقواعد معينة؟

استطعت أن أكوِّن رؤية بصرية تشكيلية متنوعة. درست أصول الفن الإسلامي الهندسي من خلال أطروحتي الماجستير والدكتوراه، كذلك درست بعمق فلسفة الفن المصري القديم، وأنا من سكان السيدة زينب، ذلك الحي الشعبي. من ثم، أصبحت لديّ ثقافة متنوعة جداً، استطعت أن أتجوّل بينها في يُسر وهدوء كفنان لديه رؤية معاصرة، بالإضافة إلى أنني لم أتوقف يوماً عن التجريب في الخامات والسعي إلى الاكتشاف واستحداث تقنيات جديدة تناسب رؤيتي التي أقدّمها للجمهور. هذه المصادر كافة أعطتني القدرة على تقديم التراث المتنوع في صياغات مستنيرة ومتنوعة.

لكل مبدع رهانه الخاص. على ماذا كان رهانك؟

راهنت على أنه مهما تقدّمت نظم التواصل الاجتماعي في تسيير رؤية ما يدور حول العالم في مجال الفنون البصرية، فإن الفنان الحقيقي هو من يحقق خصوصيته من خلال أسلوبه الشخصي ورؤيته البصرية وفكره الخاص واستلهام روحانية المكان والزمان. أما أخذ ما تتضمنه شبكة الإنترنت فعمره قصير جداً.

في سطور

قدَّم الفنان أحمد عبد الكريم معارض تشكيلية عدة داخل مصر وخارجها، ونال تكريمات وجوائز، وأصدر كتباً في مجال التشكيل كان آخرها «نظم وأسس التصميم» الذي فاز بجائزة معرض الكتاب.

حصل على بكالوريوس كلية التربية الفنية جامعة حلوان 1981، وماجستير التربية الفنية في دراسة بعنوان «النظم الإيقاعية في الفن الإسلامي الهندسي»، ودكتوراه بالفلسفة في التربية الفنية بكلية التربية الفنية جامعة حلوان بعنوان (تحليل محتوى نظم الزخارف الهندسية الإسلامية) 1990، وهو عضو نقابة الفنانين التشكيليين، وعضو جماعة أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب، ونقابة المعلمين بالقاهرة، وعضو جماعة «الأنسيا» (اليونسكو – باريس) (التربية عن طريق الفن)، وعضو رابطة كليات التربية الفنية «جماعة الرسم».

الواسطي حوَّل مقامات الحريري إلى منمنمات تصويرية على غرار «كليلة ودمنة»
back to top