فوز يريح أوروبا بعد صدمتي «بريكست» وترامب

• ميركل تصف الرئيس الشاب بأنه أمل ملايين الأوروبيين وتتمسك برفض «اليوروبوند»
• اليمين البريطاني متشكك وبوتين لتجاوز عدم الثقة
• الأسواق متفائلة ومكاسبها محدودة

نشر في 08-05-2017
آخر تحديث 08-05-2017 | 21:30
يرغب الاتحاد الاوروبي الذي أضعف من جراء تصويت البريطانيين لمصلحة الخروج من صفوفه وتصاعد الحركات الشعبوية في الدول الأعضاء، أن يستمد قوة من فوز ايمانويل ماكرون المؤيد لأوروبا بالرئاسة الفرنسية، إلا أن ماكرون وزملاءه من القادة الأوروبيين يواجهون تحديا هائلا خلال السنوات الخمس القادمة للحيلولة دون مزيد من التفكك.

وقد أعرب الليبراليون الأوروبيون عن ارتياحهم الكبير بعد انتخاب ماكرون، في فوز يدعم الى حد ما مبدأ العولمة الذي يدافعون عنه في وجه الحمائية القومية التي يؤيدها دونالد ترامب أو مارين لوبن.

وهذا الفوز الذي يلي الهزيمة المفاجئة التي مني بها الشعبويون اليمينيون في هولندا والنمسا، أشاع ارتياحا لدى السلطات الحاكمة. وخلال قمتي مجموعة السبع في مايو ومجموعة العشرين في يوليو، سيتمكن الأوروبيون من تشكيل جبهة موحدة في مواجهة حمائية ترامب.

ويمثل انتصار ماكرون فسحة لالتقاط الأنفاس بالنسبة إلى أوروبا والقيم الديمقراطية الليبرالية التي ظلت ترمز لها لأكثر من نصف قرن.

لم تتحقق السيناريوهات الكابوسية التي ترددت همسا في العواصم الأوروبية في أوائل 2017. وحصلت أوروبا على فرصة ثانية. وهذه هي الرسائل الرئيسة من انتصار ماكرون وقد انعكست في ردود الفعل الواردة من أوروبا.

فقد عبر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في رسالة التهنئة للرئيس الجديد عن «سروره»، لأن الفرنسيين اختاروا «مستقبلا أوروبيا»، معربا عن أمله في تعاون «مثمر» من أجل «أوروبا تحمي وتدافع» عن المواطنين. وسارع رئيس البرلمان الاوروبي انتونيو تاجاني الى الدعوة لعمل مشترك من أجل «تحديث» اوروبا.

وشدد الرئيس الفرنسي الشاب مرارا مساء أمس الأول في كلمته على انه يواجه «مهمة ضخمة» تتمثل في إصلاح الاتحاد الأوروبي، والقضاء على البطالة وانعدام المساواة، وتحرير الاقتصاد مع حماية العمال في آن واحد. وقال إن هذه الإصلاحات الحساسة جدا هي المفتاح «لكي لا يكون للفرنسيين أي سبب للتصويت للأحزاب المتطرفة بعد اليوم».

ومع رفضه الحمائية، دافع ماكرون عن «أوروبا تحمي العولمة»، داعيا على سبيل المثال الى تعزيز آليات مكافحة إغراق الأسواق، وخصوصا ضد الفولاذ الصيني.

ميركل

واتصلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مساء أمس الأول بماكرون لتهنئته، مشيدة «بانتصار لأوروبا قوية وموحدة» وللصداقة «الألمانية- الفرنسية». واعتبرت أمس أن الرئيس الفرنسي المنتخب يمثل آمال «ملايين» الفرنسيين والكثير من الاشخاص في المانيا وأوروبا.

وقالت ميركل: «لقد خاض حملة شجاعة مؤيدة لأوروبا ويدافع عن الانفتاح على العالم، وهو مؤيد بقوة لاقتصاد السوق الاجتماعي».

وفيما حيت فرنسا ذكرى الانتصار على المانيا النازية في الثامن من مايو 1945، ذكرت ميركل بأن البلدين «طورا منذ عقود صداقة متينة» أصبحت «حجر الزاوية في السياسة الالمانية».

وتابعت المستشارة الألمانية «نعلم أن المانيا وفرنسا مرتبطتان بمصير مشترك». وقالت: «ننسق مقاربتينا ونتقدم في كل مكان ممكن، بخطوة مشتركة من أجل خير بلدينا وخير أوروبا، وهذه تحديدا العقلية التي آمل ان تكون حاضرة في العمل المشترك».

وأعلنت الحكومة الألمانية عزمها دعم ماكرون في أجندته لتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي وزيادة معدلات التشغيل، رغم تمسك ميركل برفض المقترح الذي يحبذه ماكرون بشأن إصدار سندات مشتركة لمنطقة اليورو (يوروبوند).

بريطانيا

الى ذلك، قال جان بيزاني فيري المستشار الاقتصادي للرئيس الفرنسي المنتخب، أمس، إن ماكرون سيكون صارما في المفاوضات بشأن شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لن يسعى إلى معاقبة لندن، وأضاف أنه ما من أحد يريد انفصالا صعبا لبريطانيا يقطع أواصر العلاقات تماما بينها وبين وبقية أعضاء الاتحاد الأوروبي بمجرد انسحابها منه، مؤكدا أن هناك مصلحة متبادلة في الحفاظ على الروابط الاقتصادية والأمنية.

وبعثت رئيسة الوزراء البريطانية المحافظة، تيريزا ماي، برقية تهنئة رسمية، ولكنها لم تدل بتعليقات حول انتخاب ماكرون.

واحتوت الصفحة الأولى في صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية الموالية للمحافظين على عنوان رئيسي حذر من أن «أمل فرنسا الجديد يضع سحابة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، كما قالت صحيفة «ديلي ميل» اليمينية التي تحظى بشعبية كبيرة إن ماكرون «يهدد بموقف قاس إزاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».

وهنأت رئيسة الحكومة الاسكتلندية، نيكولا ستيرجن، ماكرون على «انتصاره الحاسم على اليمين المتشدد».

ولكن نيجل فاراج، الذي تزعم حملة من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عندما كان زعيما لحزب الاستقلال البريطاني، قد قال إن ماكرون «سيصبح دمية في يد (رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود) يونكر».

ترامب وبوتين

وفي واشنطن، هنأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ماكرون على فوزه، وقال إنه يتطلع للعمل معه، وبعث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برسالة تهنئة إلى ماكرون بفوزه، ودعاه فيها إلى التغلب على انعدام الثقة المتبادل، والعمل معا على محاربة «تنامي خطر الإرهاب والتطرف العنيف».

الأسواق

وارتفعت معنويات المستثمرين بمنطقة اليورو في مايو إلى أعلى مستوياتها في نحو 10 سنوات لتفوق التوقعات بفضل التقييم القوي للوضع الاقتصادي الحالي وتوقعات بانحسار الضبابية السياسية.

وقالت مجموعة سنتكس للبحوث التي مقرها فرانكفورت إن مؤشرها لمنطقة اليورو ارتفع إلى 27.4 نقطة، وهو أعلى مستوياته منذ يوليو 2007، من 23.9 نقطة في أبريل. وتفوق القراءة المسجلة في مايو متوسط توقعات المحللين البالغ 25.0 في استطلاع أجرته «رويترز».

وتحسن سعر اليورو وهناك ارتياح في أسواق المال، لكن المكاسب بقيت محدودة، لأن النتيجة كانت متوقعة.

وفتحت بورصة باريس، أمس، على تراجع نسبته 0.51 بالمئة. وقد خسر مؤشر كاك - 40 أمس 27.58 نقطة ووصل الى 5404.82 نقطة.

وكانت بورصة باريس كغيرها من أسواق المال تتوقع فوز ماكرون، وسجلت زيادة نسبتها 7 في المئة من الدورة الاولى للانتخابات الرئاسية.

وفتحت بورصة لندن بدون تغيير تقريبا (-0.09 بالمئة)، بينما بدأت بورصة فرانكفورت جلستها على ارتفاع نسبته 0.33 بالمئة.

لكن عوامل أخرى تداخلت مع الانتخابات الفرنسية أثرت على البورصة، منها الأرقام المتعلقة بالوظائف في الولايات المتحدة، واستئناف النشاط بعد أيام عطل. وساد توجه مماثل في الأسواق الأخرى في المنطقة، من سيدني الى هونغ كونغ، لكن من دون المبالغة في الحماس.

الأمر نفسه ينطبق على أسعار العملات. فقد ارتفاع سعر اليورو لفترة قصيرة الى 1.1023 دولار، وهو مستوى غير مسبوق منذ نوفمبر، مقابل 1.0997 مساء الجمعة في نيويورك. ومقابل العملة اليابانية، ارتفع سعر اليورو الى 124.59 ينا، وهو الأعلى خلال عام. لكن العملة الأوروبية الواحدة تراجعت بسرعة الى أقل من 1.10 دولار ومن 124 ينا.

وأكد فيل بوركين الاقتصادي في المصرف الاسترالي «إيه إن زد» إن الأسواق «تشعر بارتياح جماعي الآن»، لكن رد الفعل الايجابي هذا سيكون قصير الأمد. وأضاف ان «السؤال الكبير هو الى أي حد سيحصل ماكرون على أغلبية في الانتخابات التشريعية الشهر المقبل؟».

وبعد استبعاد سيناريو تولي لوبن الرئاسة، يمكن أن يستفيد اليورو من تغيير في توجه البنك المركزي الأوروبي، كما قال راي اتريل مسؤول الصرف في البنك الوطني الاسترالي (إن إيه بي).

وقال: «نعتقد أن اليورو يمكن أن يرتفع في الأسابيع والأشهر المقبلة مستبقا الثقة الاكبر التي سيبديها البنك المركزي الأوروبي مع تراجع المخاطر في منطقة اليورو». وأكد الياس حداد من مصرف «كومونولث بنك أوف أستراليا» أن «خفض الشكوك السياسية في أوروبا سيكون موضوعا رئيسيا الآن». وأضاف أن «البنك المركزي الأوروبي يمكن ان يدفع الى بدء تخفيف سياسته» التدخلية جدا.

خريطة اليمين المتطرف في أوروبا

في ما يلي أبرز الأحزاب اليمينية المتطرفة في الاتحاد الاوروبي بعد حصول مرشحة حزب «الجبهة الوطنية» مارين لوبن على 33.9 في المئة من الأصوات في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في فرنسا:

فرنسا

أخفقت مارين لوبن رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» الذي أسسه والدها في 1972، في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية كما حدث مع والدها في 2002، لكنها حصلت على 33.9 في المئة من الاصوات، أي حوالي 10.64 ملايين صوت، وهي تعد الآن للانتخابات التشريعية، علماً أن حزبها عجز سابقاً عن الاتيان بأكثر من نائبين.

هولندا

أصبح حزب «الحرية» المعادي للإسلام، ويقوده غيرت فيلدرز في 15 مارس الماضي القوة الثانية في البرلمان الهولندي بعد الليبراليين ويشغل عشرين مقعدا من أصل 150، بزيادة خمسة نواب عن انتخابات 2012.

هنغاريا

تشكل «الحركة من أجل مجر افضل» (يوبيك) بقيادة غابور فونا ثاني قوة في البرلمان حيث تشغل 24 مقعدا، وفي مواجهة الخط المتشدد في معاداة الهجرة والتسلطي لرئيس الوزراء المحافظ فكتور اوربان، خففت الحركة من حدة الشعارات العنصرية والمعادية لليهود العنيفة التي كانت تطلقها في بداياتها وباتت تركز على الفساد والصحة والتعليم.

النمسا

تخترق حزب «حرية النمسا» الذي أسسه نازيون سابقون في 1956 تيارات تدعو الى وحدة الشعوب الناطقة بالالمانية واخرى ليبرالية.

تأهل مرشح الحزب نوربرت هوفر للدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2016 لكنه اخفق في ان يصبح اول رئيس يميني متطرف لدولة عضو في الاتحاد الاوروبي.

يمثل الحزب في البرلمان 38 نائبا.

ألمانيا

يطمح حزب «البديل من أجل المانيا» الشعبوي المعادي للاجانب الذي تأسس في 2013 والقريب من اليمين المتطرف، لأن يصبح اول تشكيل سياسي يميني متشدد يدخل البرلمان منذ 1945 في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في 24 سبتمبر لكن الاستطلاعات ليست في مصلحته.

إيطاليا

بدفع من ماتيو سالفيني الذي تولى قيادتها مطلع 2014، تحولت «رابطة الشمال» الحركة الانفصالية القديمة، الى حزب معاد لليورو وللمهاجرين، في بداية سبتمبر 2016، نشطت بنجاح قبل الاستفتاء لرفض مراجعة للدستور الذي أدى الى سقوط حكومة ماتيو رينزي.

يشغل هذا الحزب الذي يواجه صعوبة في الانتشار في الجنوب، 18 مقعداً في مجلس النواب منذ انتخابات 2013، وهناك أيضاً حزب «حركة الخمسة نجوم».

بلجيكا

يدعو حزب «المصلحة الفلمنكية» (فلامس بيلانغ) الى استقلال فلادريا الاقليم الناطق بالهولندية في بلجيكا، وهو يشغل منذ يونيو 2014 ثلاثة من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 150، لكنه يشهد تراجعا لأن الحزب القومي «التحالف الفلمنكي الجديد» بات يجذب ناخبيه.

اليونان

حقق «الفجر الذهبي» حزب النازيين الجدد الذي يقوده نيكوس ميخالولياكوس نجاحا جديدا في الانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر 2015 مع اعادة انتخاب 18 من نوابه، لكن في بداية مارس خسر هذا الحزب الذي يحاكم 13 من نوابه منذ سنتين بتهمة تشكيل «عصابة اجرامية»، موقعه كقوة ثالثة في البرلمان لمصلحة الحزب الاشتراكي (باسوك) بعد انشقاق احد اعضائه.

خاض ماكرون حملة شجاعة وهو مؤيد بقوة لاقتصاد السوق الاجتماعي ميركل
back to top