خطاب مستهلك
الأوضاع لا تبشر بخير، فالعجز في الميزانية العامة حقيقي، وهناك نصف مليون مواطن سيدخلون سوق العمل خلال السنوات القليلة القادمة، ولا ينتظرهم سوى قطاع عام متخم أصلا بالبطالة المقنعة، وخطاب التطرف والتكفير في ازدياد.

أما الحديث عن إصلاح سياسي ومحاربة الفساد فهو أيضا كلام جميل ويردده الجميع، لكن فاقد الشيء لا يعطيه، فصعب علي أن أصدق أن شخصا يريد فعلا محاربة الفساد في حين يشير تاريخه إلى أن سهام استجواباته كانت دوما موجهة إلى كل الفئات من الوزراء باستثناء الفئة التي ينتمي إليها، وكيف لي أن أصدق أن شخصا ما يريد فعلا عملا سياسيا دون تهميش وإقصاء، في حين كان يغض الطرف عما كان يمارسه بعض الوزراء والمسؤولين المحسوبين على فئته من إقصاء وتهميش وظلم في التعيينات والترقيات في أجهزة الدولة. لكن دعوني أتفق مع نقطة مهمة ذكرها السيد البراك، لم يلتفت لها الكثيرون وهي: أنه في ظل الأوضاع الحالية لن نستطيع أن نحدث تغييرا، فمعظم أوراق الحل بيد السلطة. نعم هذا هو أصل وجوهر الأزمة السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي نعانيها لا شكل قانون الانتخاب، فالسلطة تمسك بجميع خيوط اللعبة لأنها هي المتحكمة في الاقتصاد والوظائف والخدمات الرئيسة، وبذلك تستطيع التحكم بالمشهد السياسي باستخدام هذه الأدوات، ولهذا نجد أن كثيرا من المعارك النيابية والحملات الإعلامية ما هي إلا صراع متنفذين من أصحاب السلطة والمال، وما يمتلكونه من مهرجين وممثلين. نظام الدولة هذا هو البيئة الحاضنة للفساد وتمزيق المجتمع أفقيا وعموديا؛ لأن مؤسساته تحولت إلى ساحة معركة بين أطياف المجتمع للظفر بالغنائم بدلا من أن تكون أداة للتنمية والازدهار والتطوير. ومن المستحيل أن نحدث تغييرا إيجابياً نحارب فيه الفساد ونزيد من وحدة المجتمع دون تغيير هذا الأساس الذي تقوم عليه الدولة لأن ما بني على باطل فهو باطل وسينهار يوماً. الأوضاع لا تبشر بخير، فالعجز في الميزانية العامة حقيقي، وهناك نصف مليون مواطن سيدخلون سوق العمل خلال السنوات القليلة القادمة، ولا ينتظرهم سوى قطاع عام متخم أصلا بالبطالة المقنعة، وخطاب التطرف والتكفير في ازدياد وله حضور قوي في المجتمع، وبات محصنا تحت عنوان البحث العلمي، ولذلك من يرد أن يحدث تغييرا حقيقيا وعملا جماعيا دون إقصاء أو تهميش، يجب أن يأتي بخطاب جديد ومواجهة شجاعة ضد التطرف وحلول عملية بدلا من خطابات جميلة شكلا وتلقى تصفيقا من الجموع نفسها التي ما إن ينتهي الخطاب حتى ترجع أغلبها لعصبياتها وتطرفها ومعاركها القبلية والطائفية في الجهاز الحكومي.