الأديبة السورية وجيهة عبدالرحمن: أتماهى مع وطني والمثقف يُمهِّد الأرض للسلام والمحبة

نشر في 04-05-2017
آخر تحديث 04-05-2017 | 00:04
الأديبة السورية وجيهة عبدالرحمن
الأديبة السورية وجيهة عبدالرحمن
تتماهى الأديبة السورية وجيهة عبدالرحمن في كتاباتها مع آلام وطنها سورية، وتسمو بمشاعرها فوق الخلافات الضيقة الأفق وتطالب بسيادة ثقافة التسامح ونبذ العنف، وتحلم من محل إقامتها المؤقت في ألمانيا بالعودة إلى وطنها، مؤكدة أن الدور الحقيقي للمثقف راهناً أن يمهِّد الأرض للسلام والمحبة، وتقول: «علينا الاهتمام بالشعر والأدب لأن الأديب في مجتمعاتنا لا يملك مكانته المهمة».
الكتابة «نداهة» العصور كافة، كيف كانت «النداهة» الأولى؟

لا تأتي الكتابة مصادفة، وليست أحد عناصر «البريستيج»، كما يقول عنها البعض، خصوصاً للمرأة وكأنها قلادة تتزين بها. الكتابة عصارة فكر وروح، وقد سحرتني منذ صغري عندما كنت أقرأ قصص أطفال كانت توزعها معلمة الصف على التلامذة المجتهدين، وكنت واحدة منهم. كنت أتباهى كأقراني الصغار بتفضيلنا على غيرنا من التلامذة، لذا كنت أحفظ القصص عن ظهر قلب وأرويها للمعلمة سرداً بشكل تعبيري مع تغيير نبرة صوتي بما يتوافق مع النص والحوار ونمط القصة.

صدرت لكِ أخيراً روايتك الجديدة «لالين». حدثينا عنها.

الفكرة الأساسية من رواية «لالين»، الصادرة حديثاً عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» اللبنانية، أن كاترين المسيحية وزارا الإيزيدي يزوران معبد الإيزيديين «لالش». إنَّها قصة تزاوج دور العبادة، وتقاطع الطقوس بين ديانتين. وتروي الرواية حكاية الأديان المتفقة في عبادة الله والمختلفة في ممارسة الطقوس في كل مكان، وسلطة تلك الأديان في الاستبداد بالبشر المنتمين إلى أي دين.

شخصيتا الرواية كاترين المسيحية وزوجها زارا الإيزيدي. كم اقتربتا من الواقع؟

أعمالي القصصية والروائية كلها منبثقة من الواقع، أحولها إلى أعمال أدبية بعد معالجتها في مختبري الأدبي، علما بأنني أحاول كتابة أعمال تاريخية. «لالين» رواية تحكي واقعاً مُعاشاً في منطقة الشرق الأوسط.

ألوان أدبية

صدرت لكِ أعمال مختلفة من بينها: رواية «الزفير الحار»، والمجموعات القصصية «نداء اللازورد، وأيام فيما بعد، والإفريز»، وديوان «كن لأصابعي ندى». حدثينا عنها؟

صدرت «الزفير الحار» عن دار «رؤية» في القاهرة عام 2012، وهي قصة حقيقية لمعتقل سياسي، أدخلتها إلى مختبري الأدبي قبل أن أكتبها بواقعيتها. فيها يكتشف القارئ أنَّه أمام إرادة الإنسان القوية وصلابته في قدرته على تحويل الأمكنة المقيتة إلى أمكنة يمكن المضي بها في الحياة. أجريت فيها أيضاً مقارنة بين السجينات من النساء المدانات بتهم اجتماعية وبين الرجال المعتقلين سياسياً، وأجريت مع تلك النسوة حوارات طويلة لأعقد المقارنة، وأعرض نظرة المجتمع إلى الاثنين.

«نداء اللازورد، وأيام فيما بعد، والإفريز، وأسئلة الحواس الخمس»... كلها مجموعات قصصية لقضايا متنوعة تصب في خانة الوقوف إلى جانب المظلوم ونبذ الظلم بأشكاله كافة. «كن لأصابعي ندى» صدر عن «رؤية» أيضاً عام 2011، وهو ديوان نثري وحيد مطبوع لي، ولدي دواوين غير مطبوعة.

أنت شاعرة وروائية وقاصة، أي منها تطغى عليك؟ وماذا عن جمعية «آسو لمناهضة العنف ضد المرأة»؟

أكتب في تلك المجالات الأدبية كافة حتى أطلق عليَّ المفكر والباحث إبراهيم محمود لقب «امرأة المغامرة الكتابية».

بدأت بكتابة قصيدة النثر، ثم القصة القصيرة التي كانت أول إصداراتي، وبعدها تحوّلت إلى كتابة الرواية حيث وجدت مكاني وأثبت إمكاناتي.

أستطيع القول إنني ما عدت قادرة على كتابة القصة بعدما تحولت إلى الرواية، ولكنني مستمرة في كتابة قصيدة النثر. أما الرواية فهي عالمي الحقيقي والمساحة الشاسعة التي أمارس من خلالها حريتي الكتابية.

كيف تقرئين قصيدة النثر؟

أرى أن قصيدة النثر هي الأعمق وهي الشعر الحقيقي، ذلك لقدرتها على حمل الفكرة من خلال التعبير الرمزي والصور المتزامنة، ورفضها من البعض سببه فكر نقدي لا يزال قائماً على عبادة الطواطم والاتخاذ من التابوهات عقائد لا يمكن تجاوزها. لا يرفض شعراء النثر القصيدة العمودية، بل يحترمون شاعرها، بينما شعراء العمودية، خصوصاً الكبار في السن، ولا أقصد الكبار شعرياً أو مكانة، يرفضونها. ربَّما يعود ذلك إلى رغبتهم في القول إنهم وحدهم من يحملون إرث الأمة العربية شعرياً، وكل ما خلا ذلك ليس شعراً.

هل يكفي المضمون وحده ليشكل إبداعاً شعرياً؟

القصيدة بمقوماتها الأدبية، بإمكانها الفصل في هذا الأمر. كم من قصيدة كان المضمون فيها كافياً ليحدث فرقاً في العالم، وكم من قصيدة كان الشكل ميزتها في الإيصال! إلا أنَّني مع غلبة المضمون على الشكل لتشكيل إبداع شعري متفرِّد.

الربيع العربي

هل ترين أنّ مصطلح الربيع العربي أعاد تعريف المثقّف العربيّ ودوره في إحداث التغييرات السياسة والاجتماعية والثقافية؟

على مرِّ التاريخ كان المثقف حامل هموم الأمة، وذلك لم يتغير في المرحلة الراهنة، مرحلة الثورات العربية أو ما يسمى الربيع العربي. ورغم أن السياسيين حاولوا قدر المستطاع تجاهل دور المثقف في إحداث التغيير، فإنَّهم فشلوا بالتأكيد، لأنَّه إنسان جامع للثقافة بجوانبها السياسية والاجتماعية والفنية كافة، ويستطيع تولي المهمة في إحداث التغير في العالم.

هل كان الشعر العربيّ بمستوى اللحظة التاريخية في مرحلة الربيع العربي؟

للأسف، لا يزال الشعر العربي دون مستوى اللحظة التاريحية لتغيير أيديولوجيات المجتمع التي باتت وبالاً عليه، لأنَّ الشاعر في مجتمعاتنا لا يملك مكانته المهمة، ما ينعكس على إيمان الشعب بقدرته على التغيير. أضف إلى ذلك أن الشرق بالمجمل لا يقرأ!

لماذا تبدو الحركة النسوية في العالم العربي تائهة مشتتة بلا هوية... أو وجود واضح؟

لأن ذهنية العالم العربي ترفض الاعتراف بالحركة النسوية في أي مجال. ثمة قلَّة قليلة تدعم بعض النساء كونهن أديبات حقيقيات أو صاحبات مشاريع مهمة، يأتي ذلك بالمقارنة مع غالبية لا تزال تتعامل مع المرأة كسلعة أو مخلوق غير جدير بالقيام بالأعمال الثابتة. كذلك يؤدي الإعلام أكبر دور في تشويه الحركة النسوية الحقيقية لصالح الفقاعات النسوية من جهة، ولتهميش دور النساء الرائدات اللواتي يعملن في الظلِّ من جهة أخرى..

خطوط حمر

أنهت الأديبة وجيهة عبد الرحمن كتابة رواية جديدة بعنوان «العبور الخامس». تقول عنها: «أقيمت حول الرواية ندوات عدة في ألمانيا لطرح موضوعها ومناقشته». وعن وجود مناطق محظورة في كتابتها تذكر: «ليست لدي ممنوعات أو خطوط حمر في الكتابة، شعراً أو قصة أو رواية. لا أفكر بالمحظورات بقدر تفكيري بتقديم نص حقيقي واقعي معاش إلى القارئ الذي أحترمه، ولا أخفي عنه أمراً من خفايا المجتمع والموروث والأديان والسياسة، لأنَّ في الكتابة رسالة أو رسائل يجب أن تصل وفق المسار الصحيح وليس بالتحايل وتغليف الفكرة».

عند الكتابة لا أفكر في المحظورات بقدر تفكيري في تقديم نص حقيقي

قصيدة النثر هي الأعمق وهي الشعر الحقيقي
back to top