المخرجة اللبنانية كارولين ميلان: «زفاف... يان» يعكس معاني الحنين إلى وطن ضائع

نشر في 04-05-2017
آخر تحديث 04-05-2017 | 00:05
أراد كل من المخرجة اللبنانية كارولين ميلان والكاتب شكري أنيس فاخوري توجيه تحية وجدانية إلى الشعب الأرمني في لبنان فكان فيلم «زفاف... يان» (إنتاج شركة marble) الكوميدي الرومانسي الذي يحكي قصة حب بين فتاة أرمنية (إيميه صياح) وشاب لبناني (كارلوس عازار) بقالب خفيف في الظاهر لكنه عميق برسائله الإنسانية والاجتماعية والثقافية.
عن تحضيرات الفيلم ورسائله تحدثت المخرجة كارولين ميلان إلى «الجريدة».
كيف بدأت تحضيرات فيلم «زفاف... يان»؟

حين كتب الكاتب شكري أنيس فاخوري «زفاف... يان» في عام 2004 كان مقرّراً أن يكون من ضمن سلسلة درامية تلفزيونية إنما حصل تأجيل غير مقصود بسبب مشاريع أخرى. في العام الماضي، تلقيت عرضاً من أصدقاء لإنتاج فيلم سينمائي لبناني، فاقترح الأستاذ فاخوري تحويل فكرة «زفاف... يان» إلى فيلم سينمائي.

شكّلتما ثنائياً ناجحاً. ما أهمية هذه الثقة المتبادلة وانعكاسها على نجاح الفيلم؟

التفاهم بين الكاتب والمخرج أحد أسرار نجاح العمل الفنّي. يمكن القول إن ثمة مطبخاً مشتركاً نعدّ فيه عملنا، ويرتكز على قراءتنا النص معاً، فأستقي من أسلوب قراءته المشاهد ورؤيتي الإخراجية، كونه يعبّر بإحساس شخصياته. يحصل أحياناً نقاش حول الحوار ونعدّل فيه، هكذا نرى معاً مسلكية الفيلم فيطمئن إلى كيفية تنفيذه إلى درجة أنه يرفض دعوتي لزيارة موقع التصوير لإعطاء معنويات للفريق، لأنه يعتبر أن العمل في أيدٍ أمينة.

إنه موقف ينمّ عن احترام لدور المخرج وخصوصيته؟

هو إنسان محترف جداً يعلم أن دوره ينتهي متى سلّم النص، ويدرك أن التدخل يسيء إلى سير العمل، لأنه بذلك يضيّع تركيز المخرج في بناء المشهد، ذلك لأن الكاتب أو المنتج يرى في موقع التصوير المشاهد مشرّحة ما يحتاج إلى تفسير التفاصيل وذلك مضيعة للوقت والنشاط.

كيف حقّق الفيلم الرواج سريعاً رغم غزارة الأفلام اللبنانية؟

وصفه الجمهور بالفيلم المتكامل العناصر، وتمحورت ردود الفعل حول إعجاب بالقصة والممثلين وبالشارع والموسيقى وطريقة التصوير. إنها توليفة ناجحة ومتناسقة أدّت إلى نجاحه.

وجهتم رسائل كثيرة عن المجتمع الأرمني. كيف حصلتم على هذه التفاصيل؟

صحيح أن الكاتب قام ببحوث عميقة وموّسعة عن المجتمع الأرمني وتقاليده لكنني لم أكتف بذلك بل قصدت منطقة برج حمود وجلست في شوارعها ومطاعمها لمراقبة الناس، كذلك استعنت بأصدقاء شخصيين وبزوج الممثلة فيفيان أنطونيوس أرشاغ دارختشادوريان وبالإعلامي نيشان ديرهاروتيونيان لأنني أردت تصوير هذا المجتمع بدقة وصدق.

استغرقت بحوثي أربعة أشهر متواصلة. حتى أنني لفتّ نظر الكاتب إلى أمور عدّة لتوظيفها في النص ككيفية دعم الأرمن بعضهم بعضاً، فلا نرى متسولاً أو محتاجاً أرمنياً، وبالتالي لا نجد سارقاً أرمنياً. فضلاً عن أننا غيّرنا أسماء بعض الأبطال بناء على نصيحة نيشان الذي اقترح علينا أسماء عدّة ذات بعد وجداني، فاخترت اسم «سيفانا» تيمّناً بنهر أرمينيا الذي انتحرت فيه العذارى هرباً من الاغتصاب الجماعي إبّان الإبادة الجماعية. كذلك اسم «ميسروب» تيمناً بمن اخترع الحرف الأرمني. فضلاً عن أن الأغنية التي أدّاها الممثل بيار شماسيان وجدانية بامتياز تحمل معاني الحنين إلى الأرض والوطن. أما الأغنية الثانية فتحكي عن طائر الحظّ المعروف في أرمينيا فحسب.

كيف تلقّف المجتمع الأرمني تصوير الفيلم في شوارعه؟

في البداية، توّجس بعضهم من هدف الفيلم، لكنني اجتمعت بالوزير الحالي أفيديس كيدانيان الذي كان حينذاك نائب رئيس حزب «الطاشناق»، وأخبرته عن فحوى العمل وما يحمله من رسائل إنسانية، فتأثر كثيراً وعمل على كسر الجليد بيننا وبين الشارع الأرمني الذي رحّب بوجودنا وتعاون معنا في فترة التصوير.

اللغة الأم

المفارقة أننا نسمع اللغة الأرمنية في فيلم سينمائي للمرة الأولى.

لا يمكن أن يصدّقني المشاهد إذا صوّرنا حواراً في منزل أرمني باللغة العربية، لذا حوّلت مشاهد كثيرة إلى اللغة الأرمنية في حين كان الأرمن يتحدثون العربية بحضور أشخاص عرب. كنا دقيقين جداً في هذا الإطار حتى أننا انتبهنا إلى ثقل اللغة العربية لدى الكبار في السن فيما الشباب يتحدثونها بطلاقة. الأرمن متشبثون جداً بلغتهم الأم لأنها الوطن بعدما أصبحت أرمينيا الوطن الضائع، فاستطاعوا من خلال اللغة أن يزرعوا وطنهم أينما حلوا.

حاولتم عبثاً إيجاد ممثلة أرمنية لدور البطولة، فكيف تفاعل الجمهور مع اختيار إيميه صياح؟

لم يحصل أي انتقاد في هذا الإطار، إنما سُئلنا عن السبب والجواب بسيط جداً، وهو أن الممثلة كارلا بطرس المشاركة في الإنتاج، توّلت عملية البحث في المدارس والجامعات عن فتيات أرمنيات للدور وكانت الحصيلة 60 فتاة لم أجد بينهن من تملك مواصفات بطلة شباك التذاكر. فقررنا اختيار ممثلة لبنانية لدور البطولة، وأصررنا أستاذ شكري وأنا على إيميه صيّاح التي كانت منشغلة حينها بأعمال أخرى، لأننا لم نجد أفضل منها لدور «سيفانا». في رأيي، هي كرّمت الأرمن بتمثيلهم سواء بأنوثتها أو براءتها أو رقيّها أو جمالها أو إتقانها اللغة الأرمنية. وبصراحة، فرح الأرمن بكارلوس عازار وإيميه صيّاح كونهما تحدثا اللغة الأرمنية بطلاقة وقاما بمجهود كبير لحفظ الحوار الأرمني وأدائه كما يجب.

خبرتك في النوعين الكوميدي والتراجيدي سهّلت عملية تنفيذك الفيلم.

الفيلم الناجح في رأيي يحوي النوعين التراجيدي والكوميدي، والأستاذ شكري يملك هذا الأسلوب في زرع شخصية خفيفة الظلّ في أي عمل مهما كان صعباً وجدياً. فعندما نستطيع مدّ الجمهور بمشاعر عدّة يتأثر ويعيش العمل في ذاكرته مدة أطول.

دقيقة جداً في عملك وغير مساومة، فهل أنت راضية مئة في المئة عن نتيجة الفيلم؟

راضية جداً عن النتيجة لأننا عملنا بتأنٍ، وتأمّنت لنا الأمور كافة على الصعيد الإنتاجي، ولم تكن هناك شركة إنتاجية تستعجل الأمور أو تستسهل في المتطلبات اللوجستية. طالما أنني المنتجة المنفذّة على أرض الواقع سار الأمر كما خطّطنا بشكل متكامل فاستمتعنا كثيراً حتى في فترة التوليف.

هل ستسوقون الفيلم عربياً؟

طبعاً، بعد أسبوعين تقريباً يبدأ انتشاره عربياً على أن يُعرض أيضاً في كندا وأميركا وبعض الدول الأوروبية.

غزارة وغياب

هل الغزارة السينمائية تمهّد أمام الصناعة السينمائية؟

طبعاً، فوفرة الأعمال تؤدي إلى إيمان أكبر بالسينما اللبنانية وتزيد الثقة في العمل المحلي، ما يضعنا على السكة الصحيحة لأننا نتعلم من أعمال بعضنا البعض وأي نجاح لفرد يعني نجاح الجميع كونه يسوّق للعمل اللاحق. فضلاً عن أن الوفرة تؤمن التنوّع الذي يرضي الأذواق كافة.

في العامين المنصرمين غبت عن الساحة الدرامية رغم الغزارة الإنتاجية، فهل تندمين؟

أبداً، ما دام الغياب بقرار شخصي وليس مفروضاً من أي كان.

هل يمكن أن ترفضي نصّاً بسبب هوية شركة الإنتاج؟

طبعاً، ورفضت إخراج مسلسل للكاتب شكري أنيس فاخوري رغم أنني واكبت فترة كتابته وأنا متعلقة جداً به بسبب شركة الإنتاج.

كيف تفسّرين الغزارة الدرامية الأخيرة؟

بعد وفرة الإنتاجات العربية المشتركة ونجاح بعضها وفشل بعضها الآخر بسبب تركيباته غير المنطقية والتي لم يصدّقها الناس، وجد المنتجون بأن المسلسل اللبناني مرغوب أكثر لدى الجمهور. إلا أن هذا المختلط أفاد انتشار الممثل اللبناني الذي بات لديه جمهوره العربي الذي يلحق به أينما حلّ.

تعترفين بنجاح الآخرين من دون تردد، هل هذه ثقة في النفس؟

أنا شخص متسامح ومحبّ جداً لا أحمل الضغينة لأحد، فإذا أذاني أحدهم بشدّة وزارني في منزلي أو اتصل بي أسامح بسرعة. فضلاً عن أنني حققت نجاحات كثيرة، لذا ما من داعي للغيرة من نجاحات الآخرين. في رأيي، أي نجاح هو فرصة للآخرين لذا يجب الإضاءة على نجاحات بعضنا بعضاً ودعمها ونشرها لأننا سنحظى بفرصة كنتيجة طبيعية لها.

هل المنافسة بين الأعمال الدرامية اللبنانية والعربية متكافئة في رمضان؟

نحن نتقدّم تدريجاً على صعيد الصرف الإنتاجي المالي الذي يؤثر مباشرة في النوعية. أحيي في هذا الإطار المنتج جمال سنان الذي يتولى تنفيذ المسلسل اللبناني «ثورة الفلاحين» فخصّص له الملايين لإيمانه بوضع المسلسل المحلي على لائحة الدول العربية. في رأيي، المنافسة الجيّدة بين الأعمال المحلية توفّر التحفيز لتقديم مستوى أفضل لأن التفرّد في الساحة يوّلد الاستسهال والتراخي.

عروض وتسويق

تلقّت كارولين ميلان على شرف نجاح «العائدة» في مصر، عروضاً عربية رفضتها حينها بسبب الأمومة. تقول في هذا الإطار: «أنا مؤمنة بأن المخرج ابن بيئته، وبالتالي يفشل ما إذا كان يصوّر عملاً في بيئة غريبة عنه. من هنا، لا يمكن أن أنجح في تصوير مسلسل إماراتي بحت مثلاً. بينما من الأسهل تصوير مسلسل عربي مختلط».

تتابع: «بصراحة، أنا ملتزمة بالتعليم الجامعي الذي أعتبره استمراريتي، خصوصاً أنني متعلقة جداً بالمهنة وبطلابي الذين أدعمهم وأساعدهم للتطوّر. والعروض الرمضانية تُصوّر في الشتاء، أي في فترة التعليم وفي الوقت الذي يحتاج ابني إلى دعمي في دراسته. لذا فإن توقيت العروض لم يكن حتى الآن مناسباً لي».

وماذا بعد مرحلة «زفاف... يان»؟ تقول: «أنا مسؤولة عن عملية تسويق الفيلم وانتشاره انطلاقاً من كوني شريكة في الإنتاج ومنتجة منفذّة. كذلك لديّ مسلسل وفيلمان مع الأستاذ شكري أنيس فاخوري، لا سيما أننا أثبتنا أننا مهنياً شخص واحد».

لم نجد أفضل من إيميه صيّاح لدور «سيفانا»

الجمهور وصف «زفاف... يان» بالفيلم المتكامل العناصر
back to top