وزير الثقافة اللبناني يفتتح مكتبة «بيت بيروت»

غطاس خوري: هذا المبنى مقرّ للحياة والأمل والثقافة

نشر في 16-04-2017
آخر تحديث 16-04-2017 | 00:03
على وقع الموسيقى اللبنانية التراثية ومقطوعات من الموسيقى الغربية الكلاسيكية عزفها موسيقيون شباب توزعوا في أرجاء «بيت بيروت»، افتتح وزير الثقافة اللبنانية د. غطاس خوري ممثلاً رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، «مكتبة بيت بيروت» في السوديكو، في حضور عضو البرلمان الأوروبي الوزيرة الفرنسية السابقة ميشال اليوماري، وذلك بدعوة من بلدية بيروت ومؤسسة إيناس أبو عياش الخيرية التي قدمت المكتبة. وقبل أن ينتهي الاحتفال زار رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري «بيت بيروت» وجال في أرجاء المكتبة وتفقد محتوياتها. وكان اعتذر عن عدم ترؤسه حفلة الافتتاح لانهماكه بالظروف السياسية المستجدة في البلد حول مسألة التمديد للمجلس النيابي.
«بيت بيروت» في السوديكو يشهد اليوم على لقاء اللبنانيين حول الثقافة والفن والفكر تماماً كما كان شاهداً على فراقهم خلال الحرب وعلى إراقة الدماء والدمار.

يقع «بيت بيروت» أو «البيت الأصفر» كما كان يعرف قديماً على تقاطع شارعي بشارة الخوري والسوديكو، أي على خطوط التماس التي قسّمت بيروت بين شرقية وغربية خلال الحرب اللبنانية الطويلة. وفي حين كان قبل الحرب نموذجاً للعمارة التي مزجت بين أصالة الشرق وحداثة الغرب، تحوّل خلال الحرب إلى مركز للقناصة يتمركزون فيه لاصطياد الناس وحتى الحيوانات. فتهشمت هذه العمارة التي كانت في ما مضى فريدة، وأصابتها الحرب، وتصدع داخلها لكن جدرانها بقيت واقفة تواجه القذائف، نظراً إلى متانة بنيانها.

مع انتهاء الحرب في لبنان، استمرت حال البيت الأصفر بالتدهور بفعل الزمن أو نتيجة أعمال تخريبية. وفي نهاية التسعينيات كان معرضاً للهدم، لو لم يتم إنقاذه بفضل الحملة التي قام بها المجتمع المدني والتزام بلدية بيروت التي باشرت إجراءات استملاك باسم المصلحة العامة عام 2003، وبدأ العمل في المشروع عام 2008 في إطار شراكة وتعاون بين بلديتي بيروت وباريس.

أجواء احتفالية

لم تكن حفلة افتتاح مكتبة بيت بيروت عادية أو روتينية، بل سادتها أجواء احتفالية قلما شهدت مثلها بيروت. المدعوون من الفئات اللبنانية المختلفة من سياسيين ومثقفين ورجال فكر ومسرحيين وفنانين ورسامين وشعراء... التقوا جميعهم في أرجاء «بيت بيروت»، وهذه لفتة تحسب للمنظمين في أنهم ألغوا الحدود بين هذه الفئات فاختلط السياسي مع المثقف والمفكر والفنان، في أجواء احتفالية بامتياز، أضفت عليها الموسيقى الصادحة في أرجاء المبنى رونقاً، لا سيما أن الموسيقيين كانوا يعزفون وسط الحضور وتوزعوا على الطوابق.

لأن البيت هو «بيت بيروت» حرص المنظمون على أن تتصدّر الضيافة البيروتية الاحتفال، فتذوق الحضور أكلات تراثية وحلويات طالما تغنى بها البيروتيون في الماضي...

لمزيد من أصول الضيافة، توزّع شبان وشابات بين الحضور وراحوا يفسرون لهم أقسام المشروع والمعاني التي يحملها «بيت بيروت»، وأهمية هذا المشروع الحضاري بالتحديد الذي سيضمّ بين أرجائه متحفاً للفن المعاصر، مكاناً للملتقيات الثقافية والفنية، أرشيفاً لحفظ الدراسات والأبحاث عن مدينة بيروت عبر التاريخ، مكتباً للتنظيم المدني لبلدية بيروت، كما نصّ مرسوم الاستملاك، فضلاً عن تشييد مبنى جديد في المساحة غير المشغولة من الأرض.

كلمات

افتتحت إيناس أبو عياش الاحتفال بكلمة شدّدت فيها على أهمية المناسبة التي تجمع وجوهاً سياسية وثقافية واجتماعية في «بيت بيروت»، مؤكدة أن هذا المعلم الذي كان في أيام الحرب رمزاً للفصل بين اللبنانيين، سيكون في أيام السلم مركزاً للتلاقي بين اللبنانيين.

بدوره اعتبر المهندس جمال عيتاني، رئيس بلدية بيروت، أن بيروت بالتحديد هي ملتقى لفرح اللبنانيين ولوجعهم، وهي قلب الاقتصاد اللبناني، والعاصمة التي تحمل الثقل الكبير من اللبنانيين، «لذلك، يجب أن نتحد جميعنا لإحياء الثقافة والتراث في مدينة بيروت»، موضحاً أن بيت بيروت سيكون بيتاً مفتوحاً لعرض منتج أي فنان أو أي أمور تراثية ونشاطات ثقافية لكل اللبنانيين.

أضاف: «اليوم نحتفل بافتتاح جزء من هذا البيت وهي المكتبة، وأشكر مؤسسة إيناس أبو عياش على تقدمتها هذه المكتبة، وتشجيع اللبنانيين على التعاون مع الحكومة والبلدية لإنهاض مدينة بيروت».

أما وزير الثقافة د. غطاس خوري فقال: «أي لحظة أفضل من هذه اللحظة؟ عشية الذكرى الـ42 لاندلاع الحرب الأهلية، وأي مكان أفضل من هذا المكان؟ البيت الأصفر، بيت بيروت، لنتذكر جميعاً الحرب وفي الوقت نفسه ننساها؟ لا فرحة أكبر من أن أشارك في افتتاح مكان كان مركزاً للقناصين إبان الحرب، وأصبح مركزاً للمبدعين، مركزاً للثقافة والحياة».

أضاف: «نحن هنا على خط التماس الذي كان يقسم بيروت والبلد، لنفتتح مركز التقاء واجتماع ووحدة، ولنؤكد: كل انقساماتنا سنتخطاها ووحدتنا سنعززها، ونحتفل بها، لأنها ضمانتنا الوحيدة بمتابعة هذه المعجزة الصغيرة التي تدعى لبنان في منطقة مشتعلة من حوله».

تابع: «هذا المكان، هذا المبنى، شيد سنة 1924 أي بعد أربع سنوات على إعلان دولة لبنان الكبير، ودمر في سنوات الحرب الأولى (1990-1975) التي كانت ستقضي على الكيان اللبناني. لكن إرادة اللبنانيين، إرادة بيروت وأهل بيروت، بإعادة البناء وإعادة الوحدة والحفاظ على إرث الذين أسسوا هذا الوطن وحافظوا عليه، أنقذت هذا المبنى من الانهيار والنسيان وحولته إلى مقر للحياة والأمل والثقافة، تماماً كما أنقذ اللبنانيون وفي مقدمهم أهالي بيروت عاصمتهم وبلدهم من الانهيار والنسيان، وحوّلوا لبنان وبيروت مركزاً للعمل والدراسة والطبابة والسياحة والإنتاج والإبداع والمبادرة والحياة في هذه المنطقة العربية».

جولة

بعد إلقاء الكلمات، جال الحضور في أرجاء المكتبة، واستمتعوا بعرض مسرحي قدمه الفنان رفيق علي أحمد، جسد فيه شخصية قناص خلال الحرب اللبنانية، تمركز في أرجاء البيت وراح يقتل كل إنسان أو حيوان يتحرك أمامه... كذلك توقفوا أمام لوحات فنية وملصقات تعكس الحركة الثقافية والفنية التي كانت في أوج ازدهارها في السنوات قبل نشوب الحرب في لبنان.

البيت الأصفر

تعود تسمية «البيت الأصفر» إلى الحجر الرملي الأصفر الذي استُخدم في بنائه، وهو يشكل بطرازه العثماني الجديد علامة فارقة في تقاطع طريق الشام وشارع الاستقلال.

يتكون البيت الأصفر من بناءين يضمّ كل منهما أربعة طوابق من المساكن البوراجوزية يعلوها سطح على شكل مصطبة. يقع المدخل الرئيس في خط المحور الرئيس كفتحة مشرّعة على الفضاء. في عمق هذا المحور أيضاً توجد باحة أمامية تتفرع منها السلالم المؤدية إلى المساكن، وممر تحت المبنى يفضي إلى باحة خلفية مشجرة. يقترن جسما المبنى معاً في الواجهة بواسطة أعمدة هوائية مفتوحة بشكل واسع على المدينة ومزدانة بزخارف حديدية جميلة.

يقع البيت الأصفر على ما كان يُعرف بخط الجبهة إبّان الحرب اللبنانية وكان يشكل مركز مراقبة متقدماً ومربضاً للقناصين. فهو، فضلاً عن موقعه الاستراتيجي، يتميّز بهندسة هوائية تنطوي على شفافيات وزوايا رماية متعددة استخدمت لأغراض حربية للسيطرة على هذا المكان المعروف بتقاطع السوديكو. بالتالي، يعدّ هذا المبنى اليوم نصباً فريداً بتمازج هندسته المدنية مع «هندسة حربية» استحدثها القناصة الذين احتلوا المبنى أثناء الحرب اللبنانية.

«بيت بيروت» تحوّل خلال الحرب اللبنانية إلى مركز للقناصة

العمل على مشروع المكتبة انطلق عام 2008 في إطار تعاون بين بلديتَي بيروت وباريس
back to top