مملكة النساء... قبيلة في التيبت تحرم الرجل سلطته!

نشر في 14-04-2017
آخر تحديث 14-04-2017 | 00:00
في قبيلة «موسو»، الحكم في يد المرأة فحسب ولا يُطبَّق مفهوم الزواج، وترتبط جوانب الحياة كافة بسلالة النساء. لكن هل يُعتبر هذا الوضع مفيداً للمرأة بقدر ما يبدو عليه وإلى متى يمكن أن يدوم؟ «الغارديان» وتحقيق مشوق حول الموضوع.
لنتخيّل مجتمعاً يخلو من الآباء والزواج (أو الطلاق) والعائلات النووية. تجلس الجدّة على رأس الطاولة ويعيش أبناؤها وبناتها معها، إلى جانب أولاد تلك البنات، ويرتبط الجميع بسلالة الأم الأصلية. يبدو الرجال هناك مجرّد أدوات لوهب الحيوانات المنوية فيلقّحون النساء لكنهم لا يشاركون فعلياً في تربية أولادهم.

يقع هذا العالم النسائي التقدمي (أو النظام الأمومي البالي الذي يبدو شائباً بقدر المجتمع الذكوري بحسب وجهة النظر التي نتبنّاها) في وادٍ خصب في إقليم «يونان»، في جنوب غرب الصين، في أقصى شرق سفوح الهيمالايا. تعيش هناك قبيلة «موسو» القديمة والمؤلفة من بوذيين من التيبت بطريقة معاصرة على نحو مفاجئ: تبدو المرأة في هذا المكان مساوية للرجل، حتى أنها تتفوق عليه. يحصل الرجال والنساء على العدد الذي يريدونه من الشركاء الجنسيين، من دون أن يطلق عليهم أحد أحكاماً سلبية، وتربّي العائلات الممتدة الأولاد وتعتني بالمسنين. لكن هل يُعتبر هذا العالم مثالياً بقدر ما يبدو عليه؟ وإلى متى يستطيع الصمود؟

مجتمع ساحر

بدأت تشو وايهونغ تستكشف الموضوع. تركت هذه المحامية الناجحة والآتية من سنغافورة عملها عام 2006 كي تسافر. بعدما تدرّبت وعملت في كندا والولايات المتحدة ولندن، أرادت أن تزور الصين، بلد أجدادها. حين قرأت عن قبيلة «موسو» قررت، كسياح كثيرين، أن تقوم برحلة إلى ذلك المجتمع الساحر الذي يشمل سلسلة من البلدات المنتشرة حول جبل وبحيرة «لوغو». لكن سرعان ما جذبها موضوع مختلف عن المناظر الطبيعية والهواء النظيف.

تقول وايهونغ: «نشأتُ في عالمٍ يسيطر عليه الرجال. كنت أتشاجر مع والدي كثيراً. كان نموذجاً حياً عن المجتمع الصيني الذكوري في سنغافورة. لم أشعر بالانتماء يوماً في مكان عملي، إذ كانت القواعد تراعي الرجال دوماً وبدا كأنهم يفهمونها فطرياً. أما أنا فلم أستطع استيعابها. كنت داعمة للحركة النسائية طوال حياتي وشعرتُ بأن قبيلة «موسو» تضع النساء في صلب مجتمعها. كان هذا الوضع مُلهِماً».

نجحت وايهونغ الودودة والفضولية والحذقة في إيجاد الأصدقاء سريعاً، فاكتشفت أن أبناء قبيلة «موسو» لا «ينتمون» إلا إلى أمهاتهم. أما الآباء البيولوجيون، فيعيشون في منزلهم العائلي الذي تحكمه الأمهات. من ثم، ينشأ شباب قبيلة «موسو» على يد أمهاتهم وجدّاتهم وعمّاتهم وأعمامهم.

من وجهة نظر الغرباء، لا سيما القادمون من الصين (يأتي معظم السياح منها)، تشير قبيلة «موسو» للوهلة الأولى إلى مجتمع من الأمهات العزباوات. تقول وايهونغ: «يولد الأولاد خارج إطار الزواج علماً بأن هذا الوضع لا يزال غير مألوف في الصين. لكن لا ينظر أعضاء قبيلة «موسو» إلى الوضع بهذه الطريقة: بالنسبة إليهم، يُعتبر الزواج مفهوماً غير مقبول ويبقى الأولاد «بلا أب» لأن مجتمعهم لا يولي أي أهمية للأبوة بكل بساطة. يمكن أن نجد هناك عائلات نووية لكن بشكلٍ مختلف».

زواج مؤقت

يطبّق الرجال والنساء ما يُعرف باسم «الزواج المؤقّت»: إنه مصطلح أنيق لوصف العلاقات الليلية العابرة مع العشاق. عند تعليق قبعة رجل على باب منزل امرأة، يفهم الرجال الآخرون أنهم لا يستطيعون الدخول. تتراوح هذه العلاقات بين ليالٍ عابرة وبين لقاءات متكررة تتعمق أحياناً وتتحوّل إلى شراكات حصرية تمتدّ طوال الحياة، وربما تنتهي بحمل المرأة. لكن لا يعيش العشاق معاً ولا يتزوجون.

تضيف وايهونغ: «بالنسبة إلى نساء قبيلة «موسو»، تشكّل العلاقة العابرة طريقة ممتعة للابتعاد عن مصاعب الحياة اليومية وإيجاد واهب محتمل للحيوانات المنوية».

تملك المرأة العقارات وترثها وتزرع المحاصيل في هذا المجتمع الزراعي وتدير شؤون المنزل حيث تتولى الطبخ والتنظيف وتربية الأولاد. أما الرجل، فيستعمل قوته في أعمال الحراثة والبناء وإصلاح المنازل وذبح الحيوانات، ويشارك في القرارات العائلية المهمة مع أن الكلمة الأخيرة تعود إلى «الجدّة».

صحيح أن الرجل لا يتحمل أي مسؤولية تربوية تجاه أولاده (من الشائع ألا تعرف المرأة هوية والد أولادها ولا يترافق هذا الوضع مع أية وصمة عار) إلا أنه يتحمّل مسؤولية أبناء شقيقاته باعتباره عمّهم. ويحتلّ الأعمام المتقدمون في السن المرتبة الثانية داخل الأسرة، لكن يكون للأعمام الأصغر سناً أكبر أثر ذكوري في الأولاد.

تقول وايهونغ: «يؤيد رجال قبيلة «موسو» الحركة النسائية على المستويات كافة. لا يستغرب الفتيان من اضطرارهم إلى الاعتناء بشقيقاتهن الصغيرات أو الإمساك بيد أشقائهم الصغار في كل مكان. أردتُ في إحدى المرات أن أقابل رجلاً متقدماً في السن من قبيلة «موسو» لمناقشة مسائل متعلقة بالعمل لكني اضطررتُ إلى انتظاره إلى أن أنهى حمّام طفلتين توأم من عائلته وتغيير حفاضهما».

عادت وايهونغ إلى بحيرة «لوغو» بعد بضعة أشهر على رحلتها الأولى. عرضت عليها فتاة مراهِقة اسمها لادزو أن تعلّمها لغة «الموسو» ولقّنتها إياها شفهياً وعرّفتها إلى عائلتها، ثم طالت زياراتها وتكررت. سرعان ما أصبحت عرابة لادزو وشقيقها نونغبو، ثم عرض عليها عم لادزو، تشاكسي، رجل أعمال ناجح، أن يبني لها منزلاً. هكذا بدأت تُرسّخ جذورها في ذلك المكان.

توضح وايهونغ: «اعتدتُ على التنقل بين سنغافورة وبحيرة «لوغو» وبين حياة المدينة الفوضوية والإيقاع الريفي المختلف في الجبال». بفضل إقامتها المطولة هناك (تعيش مع قبيلة «موسو» لبضعة أشهر، ثلاث أو أربع مرات سنوياً)، تمكنت من اكتشاف معلومات إضافية عن هذا المجتمع الخاص الذي يسيء كثيرون فهمه.

لما كان الزواج ليس هدفاً بحد ذاته هناك، فيتعلق السبب الوحيد الذي يدفع الرجال والنساء إلى إقامة العلاقات بالحب أو الاستمتاع برفقة بعضهم بعضاً. إذا استمرت هذه العلاقات، لن تنطبق عليها الأسباب المألوفة التي تبرر بقاء الشركاء معاً (لأجل الأولاد أو لأسباب اجتماعية أو مالية).

شعرت وايهونغ بأنها تنتمي إلى هذا المكان بما أنها امرأة غير متزوجة في مجتمعٍ لا وجود فيه لمفهوم الزواج: «نساء «موسو» كلهن عزباوات. لكن أظن أن أبناء القبيلة يعتبرونني غريبة لأنني لستُ من هناك وأعيش وحدي بدل أن أقيم مع عائلة كاملة. أتلقى دعوات عشاء كثيرة ويحثني أصدقائي دوماً على إيجاد عشيق لطيف من قبيلة «موسو». هل أقيم علاقة مماثلة؟ لا يمكن أن أفصح عن ذلك».

تقديس الأمومة

لما كانت الحياة تركّز على العائلة ومحورها النساء، فمن الطبيعي أن يقدّس الجميع الأمومة. تعتبر شابة من قبيلة «موسو» الأمومة أهم هدف في الحياة وتقول: «اضطررتُ إلى تقديم نصائح حول الإباضة لبعض الشابات لأن رغبتهنّ في الحمل كانت فائقة. تكتمل المرأة حين تصبح أماً». لهذا السبب يدقق الجميع بوضع وايهونغ كونها لم تنجب الأولاد: «أشعر بأنني أثير شفقتهم لكنّ الناس مهذبون ولا يخبروني بذلك صراحةً».

ماذا يحصل إذا لم ترغب المرأة في إنجاب الأولاد؟ تجيب وايهونغ: «لا تملك المرأة هذا الخيار. يعني طرح هذا السؤال رؤية قبيلة «موسو» من منظور مختلف. إنه سؤال غير مقبول».

ماذا لو كانت المرأة تعجز عن الإنجاب أو لم تنجب إلا الذكور؟ تجيب وايهونغ: «يمكنها في هذه الحالة أن تتبنى طفلاً بشكل رسمي من عائلة تنتمي إلى قبيلة «موسو» لكن لا تربطها بها صلة قرابة أو من أحد أنسبائها من جهة أمها. منذ بضعة أجيال، قبل صدور سياسة الطفل الواحد في الصين (تسمح بإنجاب طفلين في المناطق الريفية)، كانت العائلات ضخمة. يكثر الأنسباء في العائلة الواحدة».

من المنظور الغربي، يُعتبر هذا الجانب من حياة قبيلة «موسو» الأكثر رجعية. هل يمكن أن ينتج المجتمع الذي يحرر المرأة من الزواج ويضمن حريتها الجنسية على مستويات عدة ربات منزل مبجّلات يشبهن نساء الخمسينيات ولا خيار أمامهن إلا الإنجاب؟ تشعر وايهونغ بهذا الشكل من الإحباط تجاه لادزو التي تبلغ اليوم 22 عاماً. توضح وايهونغ: «أصبحت أماً وتعيش كأية ربة منزل. بالنسبة إلى أية شابة في قبيلة «موسو»، إنه وضع مألوف. لكني أتمنى لو كانت الظروف مختلفة. بالنسبة إلي، إنه وضع مؤسف».

مرحلة انتقالية

لكن بدأت الظروف تتغير. لما كان السياح الصينيون (في معظمهم) بدأوا يصلون إلى هذا المكان منذ بداية التسعينيات، فرُصِفت الطرقات وبُني مطار وكثرت الوظائف لصالح أبناء قبيلة «موسو»، لذا بدا أسلوب حياتهم التقليدي يبدو بالياً بالنسبة إلى السكان الشباب.

ربما تعيش لادزو وصديقاتها حتى الآن لأجل أمومتهنّ بشكل أساسي، لكن أصبحت لادزو جزءاً من جيل يقود مرحلة انتقالية بارزة: تزوجت من رجل صيني ينتمي إلى قبيلة «هان». لا تزال تعيش في «بحيرة لوغو» لكنها تسكن في منزلها الخاص مع زوجها وابنها الذي وُلد في فبراير الفائت. ليست الشابة الوحيدة التي بدأت تغيّر القواعد السائدة: صحيح أن جيل جدتها، أي النساء في عمر الستينات والسبعينات، يطبّق حتى الآن مبدأ «الزواج المؤقت»، كعدد كبير من النساء في عمر الأربعين، لكن يعيش نصف النساء في عمر الثلاثينات مع «شركائهنّ»، أي آباء أولادهن الصغار. كذلك يتزوّج عدد صغير من الرجال والنساء خارج المجتمع وينتقلون للعيش في مكان آخر.

تقول وايهونغ: «أعرف رجلاً من قبيلة «موسو» يقيم في «ليجيانغ» (أقرب مدينة صينية) بعدما تزوج وأنجب ولدَين. وأعرف شابة أيضاً تعمل سائقة حافلة سياحية ولديها ابن وتعيش في منزل والدتها».

يُحدِث التعليم الفرق الحقيقي غالباً: ثمة مدرسة ابتدائية في «بحيرة لوغو»، لكن تقع أقرب مدرسة ثانوية على بُعد 100 كلم ويقلّ عدد الأولاد الذين يرتادونها. تتراجع أيضاً أعداد الأشخاص الذين يتابعون تحصيلهم العلمي. تقول وايهونغ: «أعرف مجموعة صغيرة من الرجال والنساء أصبحوا موظفين مدنيين أو محاضرين في الجامعات. لكن يحمل معظمهم شهادة من مدرستهم الابتدائية بكل بساطة».

لا يهتم شباب قبيلة «موسو» بالتعليم لأسباب عدة: يضمن لهم قطاع السياحة الوظائف، بدءاً من العمل كنوادل مروراً بامتلاك منازل ضيافة وصولاً إلى العمل كمرشدين سياحيين أو سائقي سيارات أجرة (لا يزال هذا المفهوم غريباً). تملك هذه الطبقة الناشئة حديثاً المال وتحصل على فرصة مقابلة الناس من خارج مجتمع «موسو». تؤجّر عائلات كثيرة الأراضي لبناء الفنادق عليها. في الوقت نفسه بدأت الزراعة المبنية على الاكتفاء الذاتي تتلاشى وتترسخ مكانها تدريجاً الزراعة التجارية التي ترتكز على المحاصيل المحلية القيّمة.

في المناطق التي تستمر فيها زراعة الأراضي لأجل العائلات المحلية، لا سيما في الريف، يتجه الأولاد إلى منازلهم لتقديم المساعدة في الحصاد. توضح وايهونغ: «يعرف هؤلاء أنهم سيجدون الطعام دوماً على مائدتهم حين يعودون إلى منزل أمهاتهم».

يشهد هذا المجتمع مرحلة انتقالية واضحة داخل بلدٍ يتغير بوتيرة متسارعة. تتوسع الحركة النسائية في الصين لمحاربة مظاهر التمييز المستمرة. ولا تزال الصين تعتبر المرأة التي لم تتزوج بعد عمر السابعة والعشرين «عانساً». هل يمكن أن تقدّم نساء «موسو» المتحررات (ورجالها) مقاربة مختلفة عن معنى الحياة العائلية للمجتمع الصيني؟ تجيب وايهونغ: «هذا أمر ممكن. ستتعلم المرأة أن تجاهر بعزوبيتها بكل فخر».

مقاربة مختلفة

بدأت شابات قبيلة «موسو» يسلكن مساراً مختلفاً عن أهاليهنّ عبر تبنّي النسخة «الغربية» من مفهوم الزواج والحياة العائلية. يقول تشاكسي الذي بنى منزل وايهونغ إن ثقافة قبيلة «موسو» ستختفي خلال 30 سنة. لكن لا تتوقع وايهونغ حصول ذلك: «أظن أنهم سيعتبرون بنية العائلة التقليدية بمثابة نعمة حقيقية حين يفهمون طبيعة الخيار البديل. كانوا رواداً في إطلاق النزعات منذ ألفَي سنة لكنهم لا يعرفون كم كانوا بارعين في ذلك».

* هانا بوث - غارديان

الأولاد يبقون «بلا أب» لأن مجتمعهم لا يولي أي أهمية للأبوة بكل بساطة

شابات قبيلة «موسو» يعتبرن الأمومة أهم هدف في الحياة

المرأة تملك العقارات وتزرع المحاصيل وتدير شؤون المنزل
back to top