مستقبل الخطوط الجوية الكويتية

نشر في 07-04-2017
آخر تحديث 07-04-2017 | 00:08
 أ. د. فيصل الشريفي خلال الأيام الماضية أصدرت الإدارة الأميركية قراراً يمنع نقل الأجهزة الإلكترونية إلى قمرة المسافرين بالرحلات الجوية المباشرة ودون توقف إلى الولايات المتحدة ضمت عشرة مطارات مركزية في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهي القاهرة ودبي وأبوظبي وإسطنبول والدوحة وعمّان والكويت والدار البيضاء وجدة والرياض، حيث سيُطلب من المسافرين تسليم أي أجهزة إلكترونية يكبُر حجمها عن الهواتف الذكية، كأجهزة اللاب توب والآيباد (الكمبيوترات المحمولة) والكاميرات وأجهزة ألعاب الفيديو.

هذه الشروط التي وضعتها الإدارة الأميركية على المسافرين تصبّ في مصلحة شركات الطيران الأميركية بعد أن فقدت نسب تشغيلية وصلت إلى أكثر من 80 إلى 90% من قيمة سوق المسافرين إلى الولايات المتحدة من دول الشرق الأوسط وشرق آسيا والهند.

في نظري أن الإدارة الأمبركية عملت عين الصواب لحماية اقتصادها الوطني في حين تركت الإدارة الحكومية في دولة الكويت الخطوط الجوية الكويتية في مهب الريح، وإلى مصالح المتنفذين لسنوات بدأت فصولها في عام 1994، حيث بلغت السوق التقديرية لحركة النقل الـ250 مليون دينار، ومنذ ذلك الوقت الخسائر التشغيلية تجاوزت المليارات مما جعل من هذا السوق ملعباً لأصحاب الأجندات في وصول الخطوط الجوية إلى ما آلت إليه.

سأعود بالذاكرة قليلاً لأذكر بعض الحقائق حينما كانت الخطوط الكويتية تستحوذ على نصيب الأسد من سوق النقل الجوي بل أكثر، حيث استطاعت أن تصل إيراداتها إلى ما يقارب الـ80% من السوق المحلية (عادة الشركة الناقلة تستحوذ على 60 إلى 70% من السوق المحلية في أفضل الظروف)، لكن وفي عام 1992 بدأ السفير الأميركي (إدوارد غنيم) ووزير الخارجية الأميركية (جميس بيكر) خلال زيارة للكويت يروجان بين التجار فكرة خصخصة بعض القطاعات ومن ضمنها قطاع النقل الجوي.

في ذلك الوقت بدأت التعيينات لإغراق المؤسسة بالموظفين في سياسة متعمدة لمجيء الوقت المناسب للخصخصة، وكإجراء يمكن قبوله عند مناقشة ترشيد الإنفاق، والذي يتطلب إنهاء خدمات العاملين بالمؤسسة بإعطائهم مميزات مالية كبيرة أو عبر تحويلهم للقطاع الحكومي، مما أدى إلى الاستغناء عن غالبية الكفاءات الوطنية من طيارين ومهندسين ومضيفين وغيرهم، لكن الأمر لم يقف عند ذلك، بل لجأت إدارة المؤسسة إلى توظيف الأجانب لسد النقص دون أن تقدم المبررات لذلك.

هذه الخطوة لم تكن مدروسة، ولم تقدم عليها بهذا الشكل أي شركة طيران عالمية، حيث ترتب عليها هدر للمال العام وخلل وانحراف في تشغيل العمالة الوطنية بمؤسسة مازالت مملوكة للحكومة، كما أن هذا التخبط الإداري قد وصل إلى طياري الديوان الأميري، حيث قدم مجموعة منهم اعتراضاً مكتوباً على قرارات الدمج الأخيرة بصفتهم مدربين ومن أصحاب الخبرة التي يجب ألا نتجاوزها في أمور السلامة المهنية.

في عام 2000 بدأت فصول أخرى من التخبط، فبعد أن وضعت الهيئة العامة للاستثمار يدها على مفاصل "الكويتية"، وأصبحت وكأنها شريكة مع التجار الذين يتربصون موت "الكويتية" إكلينيكيا، حيث فقدت إيراداتها من السوق المحلي وبدأت الإشاعات تكثر وتزداد يوما بعد يوم، والعبث فيها بلغ الصيانة والتأخير والمكاتب الخارجية والحجوزات، ومن ثم إحالة الكفاءات الوطنية المخلصة إلى التقاعد مقابل حوافز مالية مغرية، وهكذا حتى تخلصت من جميع الكوادر الوطنية.

اليوم وبعد مرور 17 عاما على وضع الهيئة العامة للاستثمار يدها على مفاصل "الكويتية" والكثير من الأسئلة ما زالت تراوح في مكانها، هل "الكويتية" ما زالت مؤسسة في طور الإعداد والتأهيل؟

أخيراً وليس آخراً الخطوط الجوية الكويتية مثال مصغر لهذا الوطن العريق في تاريخه وأمجاده، و"الكويتية" لم تكن فقط شركة ناقلة، بل هي إرث ثقافة أهل الكويت وتاريخهم المجيد، وكانت الواجهة الأولى في أرجاء العالم، وهي تحمل علم الكويت في السماء وتحطه في مطارات العالم، وبيتاً لكل كويتي في العواصم التي لم يكن فيها أي تمثيل دبلوماسي في السابق مثل بانكوك، فكانت "الكويتية" الملاذ في تقديم المساعدات للكويتيين.

اليوم وبعد خبر استقالة مجلس الإدارة الحالي نسأل ماذا جنينا؟ وماذا ربحنا بعد أن تم تقطيع هذه المؤسسة العريقة إرباً إرباً بسكاكين هوس أصحاب النفوذ وسواطير جشع التجار المغامرين؟! الخطوط الجوية الكويتية أكبر خسارة فقدتها الكويت ولا أحد يضمن عودتها لعهدها السابق، إلى أن تبادر الحكومة والمجلس بإنقاذها.

ودمتم سالمين.

back to top