د. عمر الدوسري يدرس «المسألة الاجتماعية في الكويت»
حاول د. عمر أبا الخيل الدوسري، في رسالة دكتوراه نشرها عام 2015 بعنوان "المسألة الاجتماعية في الكويت"، مكتبة آفاق، 444 صفحة، أن يجمع بين دفتي الكتاب أبرز الخيوط الاقتصادية والاجتماعية التي نسجت مجتمعنا، عبر الاقتصاد البحري القديم والاقتصاد البترولي الحديث، خلال القرن العشرين ومنذ الاستقلال وبروز دور المؤسسات السياسية والخدماتية، ذلك كله في كتاب حسن الطباعة جيد التوثيق... لا يخلو من فقرات قد تثير الجدل!كتاب د. أبا الخيل إضافة قيمة للمكتبة الكويتية، ومدخل جيد لفهم متطور للواقع الكويتي ونمو التيارات السياسية فيه، وظهور مختلف التوجهات، وقد اعتمد على عشرة أقسام من المصادر والمراجع كالوثائق الأجنبية ومضابط مجلس الأمة والتقارير الإحصائية والمذكرات السياسية والمصادر العربية والمعربة، والمراجع الأجنبية، والرسائل الجامعية، والمقالات والإنترنت.خصص د. أبا الخيل الدوسري فصل الكتاب الأول للبرلمان الكويتي بوصفه ترجمانا وانعكاسا للبنية الاجتماعية الكويتية، فصال وجال في ثنايا المعلومات المتعلقة بهذا الجانب، وتحدث عن الأسرة الحاكمة والتجار والنشاط البحري والنفط وظهور الطبقة الوسطى من المتعلمين والموظفين، والحركات السياسية القومية والإسلامية، والشيعة والسنّة والقبلية السياسية، ثم اختتم الفصل بـ"نظرة وتحليل للواقع السياسي في الكويت".الكتاب عبارة عن توسعة لرسالة دكتوراه، كما ذكرنا "مع إجراء بعض التعديلات والإضافات لإخراجها في صورة كتاب موجه للمتخصصين والعامة، بالكشف عن موقف البرلمان من المسألة الاجتماعية، أو ما يمكن أن يطلق عليه القضايا الاجتماعية الكويتية في فترة مهمة من تاريخ الكويت". وما جعل هذه الفترة بالغة الأهمية وجديرة بالدراسة في رأي الباحث د. أبا الخيل، أنها "تلك الفترة التي شهدت تدفق الثروة على المجتمع الكويتي مع ارتفاع صادرات النفط، وما ترتب على ذلك من ظهور مشكلات توزيع الثروة والجنسية".ويتحدث الباحث في مقدمة الكتاب عن مصادر ومراجع بحثه وما لها من أهمية، وما تتضمن من معلومات ومنها المضابط البرلمانية، ولا شك أن هذه المضابط وما في هذا الأرشيف ستكون مادة ثرية لسنوات طويلة للباحثين، ولا شك كذلك أن د. أبا الخيل قد بذل جهداً كبيراً في استخلاص المعلومات من هذا الأرشيف، ولكن لا أعرف مدى اعتماده على مقابلة النواب السابقين المؤسسين، وبعض أعضاء سكرتارية المجلس ومدى وصوله إلى بعض المعلومات "المسكوت عنها" في المؤسسة البرلمانية، فالكثير من المعلومات الأرشيفية تزداد ثراء وأهمية من خلال معرفة هذه التفاصيل.ولا يبدو في مقدمة الكتاب أنه عرض نتائج البحث على الأساتذة الحاليين في قسمي التاريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد، أو حاول معرفة وجهة نظرهم في بلورة رؤية جديدة لمسار البحث وما خلص إليه.غير أن هذا كله بلا شك كان سيطيل مدة البحث وإعداد الرسالة، وهي مهام متروكة لبحث قادم أو لطلاب في المجال نفسه ممن يرغبون في تعميق الدراسة.ولا تنقص هذه الثغرات من قيمة البحث وحسن إعداده وكمية المعلومات التي يتضمنها في مختلف فصوله الخمسة،وقد أحسن الباحث إذ وضع عناوين فرعية في الفهرس وداخل الكتاب كي يتجه القارئ إلى ما يهمه فيه، وما يود معرفة رأي أو إضافة الباحث، ففي الفصل الأول نحو ثلاثين عنوانا فرعيا منها مثلا، البناء الاجتماعي للمجتمع الكويتي قبل النفط، دور الأسرة الحاكمة في تطور النشاط البحري، الأسرة الحاكمة بعد ظهور النفط، نشوء الطبقة الوسطى، القوميون العرب، الجماعات الدينية (الإخوان- السلف- الشيعة)، ظهور القوى السياسية والاجتماعية في البرلمان الكويتي، التجار "جماعة الغرفة"، الإسلاميون السنّة "الظهور المتأخر"، الإسلاميون الشيعة "القوة المؤيدة للحكومة"، أبناء القبائل "القوة النائمة". ثم يختتم د.عمر أبا الخيل الدوسري الفصل بـ"نظرة وتحليل للواقع السياسي في الكويت"، وبعض هذه العناوين مثير للنقاش بلا شك، وبعكس الكثير من الدارسين للتجربة التاريخية والاقتصادية الكويتية ينسب د. أبا الخيل دورا رئيسا إلى مساعي السلطات والأسرة في إيجاد النشاط التجاري فيقول: "كان لحكام الكويت آل الصباح الأثر الأكبر في نشاط التجارة ونجاحها والعمل على المحافظة عليها وتأمينها، والسبب يرجع إلى أن التجارة توفر حاجيات الحاكم وأسرته وشعبه من المواد الأساسية والغذائية، يضاف إلى ذلك رسوم الجمارك التي يتقاضونها والتي كانت تمثل جزءاً كبيرا وأساسياً من دخل الحاكم وميزانية الإمارة.كما كان الحاكم يتحصل على دخل آخر يتمثل في مجموعة من الضرائب على ما يدخل الكويت من الحيوانات والأسماك واللؤلؤ، وكذلك فائدة على الأموال التي يقترضها التجار من الحاكم، وهذا الأمر كان مستمرا مع جميع حكام الكويت من آل الصباح مع ازدهار التجارة الكويتية، ففي عهد صباح الأول أصبح ميناء الكويت مزدهراً ترسو فيه جميع السفن، ومن الكويت انطلقت طرق التجارة إلى داخل الجزيرة العربية.وفي عهد الشيخ عبدالله بن صباح الأول نشطت التجارة مع العراق والهند واليمن بسبب كثرة المهاجرين إلى الكويت، وبناء السفن الكبيرة، واحتلال الفرس للبصرة، وبالتالي انتقال نشاط وكالة شركة الهند الشرقية الإنكليزية إلى الكويت، وكان من أوائل التجار الذين هاجروا إلى الكويت قادمين من البصرة التاجر الشيخ أحمد الرزق".ويضيف الباحث أن التجارة الكويتية قد خطت في عهد الشيخ مبارك الصباح، الذي بدأ عام 1896، خطوات واسعة، لعدة أسباب منها "سهر الشيخ مبارك على حفظ التجارة من السلب والنهب وميله الشديد إلى شد عضدها وإنزال العقوبة الصارمة بمن يعتدي عليها وعلى أهلها، من ذلك اهتمامه بأمن الطريق البري بين الكويت والبصرة، حيث نظم في عام 1911م عملية حراسة مدينة الكويت لحماية القوافل التجارية بتعيين أربعين رجلا لحراسة الطريق بين الكويت والزبير، وبالتالي كثرة السكان والمهاجرين إلى الكويت من نجد وفارس والعراق والإحساء، ولما كان يبديه الشيخ مبارك من نشاط في إصلاح الطرق التجارية وتسهيل أسبابها".ولم يشجع الشيخ مبارك صناعة السفن الكبيرة فحسب، يقول د. أبا الخيل، بل اهتم كذلك بعملية التصدير والاستيراد، كما عقد اتفاقية مع شركة البواخر البريطانية بالهند لترسو بواخرها في ميناء الكويت، حتى غدا بإمكان التاجر التردد على الهند في كل شهر بلا مشقة، وكانت باخرة الشركة هذه تذهب بانتظام إلى تلك الدولة كل أسبوعين، ومن جانب آخر، شجع الشيخ مبارك أهل الكويت على ارتياد إيران وموانئ الخليج العربي إلى جانب الهند، وقام بتشكيل وكالة في الهند- في بومباي- لخدمة الكويتيين تحت إشراف ابنه محمد.وكان من أسباب اهتمام الشيخ مبارك بالنشاط البحري كثرة المشتغلين باللؤلؤ صيدا وتجارة، لما تدره من أرباح كبيرة، ومن الأسباب اهتمام الشيخ مبارك بإيرادات الجمارك بسبب ما تمثله من دخل كبير للإمارة، حيث أصبحت في عهده إيرادات الجمارك تعادل 20% من دخل الإمارة. ويذكر د. أبا الخيل مصدراً آخر للدخل فيقول: "لعبت الكويت دوراً كبيرا في تجارة التهريب في تلك الفترة، بسبب ما تتميز به الكويت من موقع مهم، ولما تمثله تلك التجارة من مورد دخل كبير للحاكم والتجار، وذلك لتعويض النقص الكبير في دخل الإمارة من الموارد الجمركية للبضائع المختلفة".وهكذا، كما يقول يوسف بن عيسى القناعي، والذي يشير إليه د. أبا الخيل، "اتسعت الكويت وزاد العمران، وصار لها اسم كبير في خليج فارس، واستتب الأمن في بادية الكويت وزادت الثروة وتقدمت التجارة، وأخذت البواخر تمر في الكويت أثناء ذهابها إلى البصرة ورجوعها منها، وبلغ الغواصون للحصول على اللؤلؤ الحد النهائي في اتساع السفن والمحصول". (ص48 عن كتاب القناعي صفحات من تاريخ الكويت، ص88).ويستشهد د. أبا الخيل في إظهار هذا الجانب من دور الشيخ مبارك الاقتصادي، بما يورده عبدالعزيز الرشيد في تاريخه، فيقول عن الشيخ مبارك إنه "كان يفتح خزائنه لتجار بلده ويمدهم منها بما يحتاجونه ليتاجروا بها ويبيعوا قسماً من تمر أملاكه في البصرة، ويمهلهم بالقيمة إمهالاً طويلاً، ولقد كانت تصيبه الانفعالات العظيمة إذا أصيب أحدهم بخسارة في الأموال والأولاد".ولا جدال في أن الشيخ مبارك الصباح كان مؤسس الكويت ومبرزها في القرن العشرين، وأن العديد من مواهبه القيادية كانت موضوع إجماع معاصريه، غير أن صورته المعروفة سياسية أو عسكرية أكثر منها اقتصادية، كما أن أبرز حوادث الخلاف مع التجار جرت في زمنه، وبخاصة هجرة تجار اللؤلؤ إلى البحرين والاحتجاج على ضرائب الحروب... فما خلاصة الحكم التاريخي على دور الشيخ مبارك الاقتصادي؟ نواصل الحديث في مقال قادم.