خيرت حسن... أقدم خبير إصلاح كاميرات فوتوغرافية و«عرض سينمائي» في الإسكندرية

نشر في 17-03-2017
آخر تحديث 17-03-2017 | 00:00
خيرت حسن
خيرت حسن
تراه مستغرقاً في عمله، في صومعته بمحله، وحوله أجهزة الفونوغراف العتيقة تحيط بها أسطوانات لا حصر لها لأساطين الطرب والغناء في العالم العربي، وتجاورها أجهزة راديو بالغة القدم. تشعر كأنك في «بلاتوه سينمائي» في السنوات الأولى من القرن الماضي، حيث إرهاصات بداية صناعة السينما في مصر والعالم.
إنه خيرت حسن، أقدم خبير إصلاح كاميرات فوتوغرافية و«عرض سينمائي» في الإسكندرية.
يمسك كاميرا فوتوغرافية عتيقة بالغة القدم، ويتعامل معها بحنو بالغ وكأنه عاشق في حضرة محبوبته، متنفساً الصعداء لنجاحه في إصلاحها، محدِّثاً صاحبها بزهو بأنها عادت تعمل بعدما فقد الأمل في إصلاحها.

خيرت حسن (56 عاماً) أقدم خبير إصلاح كاميرات فوتوغرفية قديمة وآلات عرض سينمائية، في مدينة الإسكندرية الساحلية بمصر، إضافة إلى مهارته في إصلاح أجهزة الفونوغراف والراديوهات القديمة، ما منحه مكانة مرموقة في المدينة الساحلية، وجعل محله مقصداً لنوع خاص من الزبائن أبرزهم من الطبقة الأرستقراطية القديمة، ومن الأجانب والعرب المقيمين في المدينة الساحلية، وأصحاب صالات المزادات، إضافة إلى محترفي فن التصوير الفوتوغرافي بالكاميرات القديمة، الذين عادة ما يقومون بتحميض صورهم بأنفسهم، رفضاً لتكنولوجيا الكاميرات الديجيتال، التي يرى خيرت أنها أفقدت المصور مهارة الإبداع واقتناص اللحظة أو الإطار، بحسب تعبيره.

يقول إنه اليوم أقدم خبير تصليح كاميرات فوتوغرافية قديمة وعرض سينمائي في الإسكندرية، بعدما تُوفي منذ سنوات أشهر خبير تصليح لتلك النوعية من الكاميرات في المدينة الساحلية، وكان يدعى «العم فاروق». كان محله في شارع فؤاد، في محطة الرمل، وكان يعتبر، رحمه الله، كبير الخبراء المهرة في تلك المهنة التي تعلمها على يد معلمه الإيطالي في المحل نفسه، ونقل خبايا صنعته إلى مساعده محمد بندق، الذي أغلق أخيراً المحل وفتحه على فترات متباعدة، كما قال.

مصورون أرمن وأجانب

يرى خيرت أن المصورين الأرمن والأجانب الذين عاشوا في مصر والمدينة الساحلية تحديداً، أصحاب فضل خاص على النهضة التي شهدها عالم التصوير الفوتوغرافي في البلاد، خلال حقبة القرن الماضي، وخبايا وأسرار إصلاح الكاميرات أيضاً، فضلاً عن الإبداع في ابتكار بدائل لصيانتها. وهو يدين بالفضل دائماً لمعلمه اليوناني الذي علّمه خبايا إصلاح كاميرات التصوير وآلات العرض السينمائي، عندما كان تلميذاً في المرحلتين الإعدادية والثانوية.

كان معلمه اليوناني الذي رحل عن مصر هو وأسرته منتصف السبعينيات، يملك محلاً إلى جانب منزل أسرة خيرت في حي سيدي بشر، وما زال خيرت يحتفظ في حافظة نقوده بأول أجر تقاضاه منه آنذاك عن تصليح جهاز مونوغراف وكان مبلغ 10 قروش عام 1975، إضافة إلى نصائح الرجل التي يراها هدية ثمينة ساقها القدر إليه وهو شاب يخطو خطواته الأولى نحو مستقبله.

موسوعة

التعامل مع خيرت ليس أمراً سهلاً عادة، فالرجل يعتزّ بمهنته إلى أقصى الحدود، ويشترط دائماً لإصلاح أية كاميرا سواء كانت فوتوغرافية أو «عرضاً سينمائياً» قديماً ألا يكون أحد غيره فتح محتوياتها سابقاً، فيستلم الكاميرا من زبونه أولاً، ويطلب مهلة 48 ساعة لتحديد العطل، ومدى إمكان إصلاحه، وتكاليف عملية الإصلاح والمدة المناسبة له لإمكان عودة الكاميرا إلى حالتها القديمة. إضافة إلى ذلك، يعتبر موسوعة معرفة في عالم آلات التصوير الفوتوغرافية القديمة وآلات العرض السينمائي النادرة التي يصلحها، ويشرح لك بخبرة المحترف، تاريخ صنعها وبلد المنشأ وتوقيت ظهورها. فضلاً عن ذلك، يحتفظ في محله بكاميرا «كوداك» نادرة ذات جسم خشبي تعود إلى عام 1860، وبعدد آخر من كاميرات «لوبيتال 2- الروسية» تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وأخرى «كانون» و»رولي فكس» تعود إلى الخمسينات. ويشعر بالفخر والسعادة لاقتنائه آلة «عرض سينمائي» يدوية نادرة ماركة «دايياك الألمانية» يعود إنتاجها إلى عام 1905 كانت محطمة عندما اشتراها، واستغرق إصلاحها نحو عام كامل، بحسب قوله.

زبائنه

زبائن خيرت مميزون أيضاً تماماً مثله، وغالبيتهم من أبناء الأسر العريقة الأرستقراطية القديمة في المدينة الساحلية، الذين يحرصون عادة على إصلاح كاميرات العرض السينمائي القديمة والفوتوغرافية التي يملكونها، باعتبارها جزءاً من ذاكرة أسرهم وعائلتهم، وجانباً من عراقة الماضي، ويرفضون بيع تلك المقتنيات الثمينة مهما كانت الإغراءات المادية.

ويتذكر خيرت موقفاً طريفاً حدث بينه وبين الأديب الراحل ثروت أباظة، الذي فوجئ به يوماً داخل المحل، متسائلاً عن إمكان إصلاح راديو قديم نادر في شقته بمنطقة «جليم» رافضاً إصلاحه في المحل، فأرسل إلى خيرت سيارته الخاصة بالسائق ليكتشف أن الجهاز ألماني الصنع ويعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وهو تحفة ثمينة لا تقدر بثمن.

كذلك كان الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة يهوى التصوير الفوتوغرافي واقتناء أجهزة المونوغراف في شقته على شاطئ سيدي بشر، وأصلح خيرت أكثر من مرة عدداً من الكاميرات الفوتوغرافية له.

back to top