بدر المطيري عن «المواطنة والطبقة الاجتماعية» (3-3)
عن الديمقراطية، يقول الاشتراكي المصري كامل الزهيري إن لها عدة مصطلحات، كالديمقراطية السياسية، وتعني تمتع المواطنين بحق الاقتراع، و«الاجتماعية» ومعناها العدالة وتكافؤ الفرص، و«الشعبية» وتطلق على النظم الشيوعية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، وكثيراً ما تطلق تلك اللفظة جزافاً على نظم بعيدة عن الديمقراطية.
إن محاضرة د. مارشال "المواطنة والطبقة الاجتماعية" التي ترجمها بدر ناصر المطيري وتحدثنا عنها في المقالين السابقين استطراد في الواقع لمساجلة معروفة بين المدافعين عن الديمقراطية الغربية الليبرالية ونقادها، وهي مساجلة لا تزال تتجدد بين حين وآخر كلما جرى الحديث عن الفردية والجماعية والرأسمالية والاشتراكية والاقتصاد الحر والاقتصاد الموجه.وقد تولدت مثلاً عن الصراع بين اليمين واليسار في بريطانيا "جمعية الفابية" التي أسستها مجموعة من الاشتراكيين البريطانيين في نهاية القرن التاسع عشر، كان من بينهم أعلام الفكر والأدب في إنكلترا مثل سدني ويب Webb وويلز wells والأديب المسرحي الساخر جورج برناردشو show، وقد دعت الجمعية إلى التحول الاشتراكي بالوسائل السلمية البحتة والإصلاح التدريجي. وتقول الموسوعة السياسية الصادرة عن جامعة الكويت عن هذه الجماعة ما يلي: "اعتبر الفابيون آراءهم امتداداً طبيعياً للمذهب الليبرالي بنقل مبادئه الديمقراطية من المجال السياسي إلى المجال الاجتماعي، فنادوا بما يعرف بالديمقراطية الاجتماعية (social democracy). والديمقراطية الاجتماعية هي النظرية التي تهدف إلى تحويل كل المؤسسات الاجتماعية- وليس المؤسسات الحكومية فقط- إلى الديمقراطية، والاعتقاد الراسخ بأن ذلك التحول لا بد أن يتم بالطرق السلمية التدرجية، مع التأكيد على ضرورة احترام الدستور القائم حتى لو كان الإصلاح الدستوري هو أحد مساعي هذا التحول المنشود، ثم العمل على كسب تأييد الناس لإحداث هذا الإصلاح وإقناعهم بضرورته، لا الاكتفاء بفرض هذا الإصلاح من مستويات فوقية إيماناً بأنه لمصلحة الشعب، ومن هنا كانت مطالبتهم الدائمة بضرورة إطلاق حق التصويت لأوسع قطاع ممكن من الشعب، مؤمنين بأن هذا سيؤدي حتما إلى انتخاب الاشتراكيين".موسوعة العلوم السياسية، جامعة الكويت، محمد ربيع- إسماعيل مقلد، 1994، المجلد الأول، ص401).وتحدث الاشتراكي المصري كامل الزهيري عن الديمقراطية فقال: "إن لها عدة مصطلحات كـ"الديمقراطية السياسية"، وتعني تمتع المواطنين والمواطنات بحق الاقتراع العام والسري، و"الديمقراطية الاجتماعية" ومعناها العدالة وتكافؤ الفرص أمام المواطنين دون تفرقة، "والديمقراطية الشعبية" وهي اصطلاح سياسي يطلق على النظم الشيوعية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية مع اختلافات محلية عديدة، وكثيراً ما نجد تعبير الديمقراطية يطلق جزافاً على نظم بعيدة عن الديمقراطية".ويرى اليساريون أن الديمقراطية في النظام الرأسمالي "إنما هي مساواة الرأسماليين في الفرصة للسيطرة على الدولة وتوجيهها لمصلحتهم"، ويعارضهم الليبراليون فيطالبون بحرية الرأي وتعدد الأحزاب، ويقولون إن الديمقراطية تعني كذلك الحقوق والحريات الأساسية. (انظر الموسوعة الاشتراكية، دار الهلال، 1970). ومما له صلة مباشرة بمحاضرة توماس مارشال حول التجاذب بين مبدأ المواطنة وبين المصالح المادية والطبقية، ما يدور بين المفكرين السياسيين من نقاش حول فكرة المساواة نفسها بين الأفراد، ويصل مفكرون مثل Helvetius "هيلفيتيوس" (1715- 1771) الفيلسوف الفرنسي الذي هاجمه حتى فولتير وبقية الجماعة الموسوعية Encyclopedists، إلى حد القول إنه "لا توجد اختلافات بين الأفراد حتى في القدرات العقلية والإدراكية، وإن ما نلاحظه من تفاوت في هذه القدرات بين البشر إنما يرجع إلى مستوى الخدمات التعليمية التي يتلقونها". غير أن الكثير من المفكرين، تضيف "الموسوعة السياسية"، يرفضون المساواة بين البشر "على أساس أنها مخالفة القوانين الطبيعة" وهناك فريق ثالث، تضيف الموسوعة، يتخذ طريقاً وسطاً فنجد "إيمرسون" Emerson ، الفيلسوف الأميركي المعروف (1803- 1882) يطرح ما أسماه مبدأ التعويض Compenstion والذي مؤداه أن كل فرد قد لا يمتلك كل ما يملكه فرد آخر وبالنسب نفسها، ولكنه يمتلك ما يفتقده هذا الآخر في جانب ثان منه بحيث تضحي المحصلة النهائية هي أن الأفراد كلهم متساوون. ويرى الفرنسي المعروف "جان جاك روسو" أن تحقق المساواة السياسية لن يتم إلا بالعودة إلى الديمقراطية اليونانية الأثينية المباشرة، وبحيث يصبح كل مواطن ملماً بأمور مجتمعه كما يلم بأمور أفراد أسرته المباشرة."ويرفض البعض مفهوم الحكومة الديمقراطية كلية، سواء تمثيلية أم مباشرة على أساس أنها وإن كرست مفهوم المساواة السياسية بمعنى مشاركة الجميع بصورة من الصور في عملية صنع القرار السياسي إلا أنها بتمكينها دائما لقرار الأغلبية أن يسود فإنها قد تضر بمفوم المساواة الاقتصادية مثلا إذا ما قررت الأغلبية حرمان الأقلية من ممتلكاتهم".(موسوعة العلوم السياسية، جامعة الكويت، ص305).قرأت في كتاب "أشهر النكت السياسية" للأستاذ مجدي كامل ما يلي:" قرأ مواطن عربي خبرا عن مواطن بريطاني احتج على ارتفاع الضرائب في بلاده، فذهب إلى حديقة مجلس العموم البريطاني وراح يأكل العشب، ولما شاهده رئيس الحكومة سأله عن السبب، ووعد بالعمل على إعادة النظر في السياسة الضريبية.أعجب المواطن العربي بالفكرة فذهب إلى حديقة مجلس الوزراء وراح يأكل العشب فيها، وحين حاول الحرس منعه من ذلك تنبه رئيس الوزراء للجلبة وتساءل عن الأسباب، وطلب أن يأتوا إليه بذلك المواطن الذي قال إنه يأكل العشب لأنه لا يجد ما يأكله بسبب ارتفاع الأسعار وتدني الراتب، فوعده رئيس الوزراء خيراً.وفي اليوم التالي أصدر تعميماً على كل مؤسسات الدولة: يسمح للمواطنين بأكل العشب في جميع حدائق الدولة".