تحليل سياسي : «التشريع الشخصي» يهزم القوانين العامة في الكويت

تشريعات فردية تستثني أشخاصاً وتحميهم من القوانين

نشر في 15-03-2017
آخر تحديث 15-03-2017 | 00:14
مجلس الأمة
مجلس الأمة
يؤخذ على واقع التشريع الكويتي في الآونة الأخيرة انحرافه عن المفهوم العام، فما يفترض أن يكون قانوناً ينظم شؤون الدولة وعلاقاتها بالمجتمع، تحوَّل إلى قوانين مفصلة لحالات محدودة وأفراد، تنسحب آثارها الشخصية على الدائرة الأكبر وهي المجتمع، دون اعتبار لأثرها.

وقد شهدت الدولة مؤخراً تشريعات عديدة ذات صفة فردية، لا تتعلق بالمجتمع أو الدولة، وأصبحت كل مجموعة متضررة من قانون قائمٍ قادرةً على الوصول إلى العدد الكافي من النواب لخلق قوى ضاغطة لاستثنائها من تلك القوانين، أو لتشريع قانون جديد يحميها من قانون سابق.

وعلى سبيل المثال، لا الحصر، فإن قانون «من باع بيته» وُضِع بعد تضرُّر عدد من المواطنين من قراراتهم الشخصية ببيع مساكنهم، وهذا الضرر في الأساس لم يصب المجتمع كله أو الدولة، بل مجموعة لم يتجاوز عددها 800 من إجمالي عدد الكويتيين البالغ 1.5 مليون مواطن، ليتيح لتلك المجموعة حق الرعاية السكنية مجدداً، بخلاف ما يسمح به قانون مؤسسة الرعاية السكنية، وذلك على حساب المستحقين من أصحاب الدور.

أيضاً هناك تعديل تشريعي آخر، وُضِع لمجموعة بعينها، وهو عودة المتقاعدين من شركة الخطوط الجوية الكويتية إلى عملهم بعد تقاعدهم، أو موافقتهم على الانتقال إلى وظائف في دوائر حكومية أخرى بنفس الرواتب والمميزات، وبحسب المعلومات فإن عدد تلك الفئة لا يتجاوز 150 طياراً ومهندساً استفادوا من هذا القرار بالتقاعد أو الإحالة إلى جهة حكومية، والآن في طريقهم للعودة إلى «الكويتية» بنفس المميزات التي كانوا يحملونها سابقاً.

ومن المنتظر أن يخصص مجلس الأمة ساعة من جلسة 28 الجاري للنظر في طلب نيابي لمناقشة أسباب إحالة 156 مدعياً عاماً في إدارة التحقيقات إلى التقاعد، رغم أن إحالات التقاعد الحكومية للموظفين لم تتوقف، ولكن موظفي «التحقيقات» حظوا باهتمام خاص، ولأن خط سير التشريع تحوَّل إلى «فردي» فإنه من المتوقع أن يخلص نقاش تلك الجلسة إلى إعادتهم إلى أعمالهم أو إيجاد صيغة جديدة تعيدهم إلى الوظيفة الحكومية.

ولا تقف التشريعات الفردية عند حدود خدمة تلك المجموعات المتضررة، بل هناك أيضاً تشريعات تستهدف أفراداً محددين في المجتمع، مثل «إعدام المسيء» في قانون الجزاء و«حرمان المسيء» في قانون الانتخابات، فهذان القانونان لم يشرعا لمعالجة ظاهرة تفشَّت في المجتمع، بل فُصِّلا لحالات محدودة في ظل أوضاع سياسية معينة بهدف الانتقام.

التشريع الفردي أو الشخصي، أصبح سمة نيابية تحركها الضغوط الانتخابية، ومخاوف خسارة القواعد الانتخابية بعد نجاح أفراد في خلق مكائن إعلامية مؤثرة في وسائل التواصل الاجتماعي تضع النواب بين سندان الأصوات ومطرقة الخسارة.

في المقابل، هناك لا مبالاة حكومية في مواجهة هذا النوع من التشريعات، بل في أحيان كثيرة تكون السلطة التنفيذية في مركب «التشريع الفردي» تجنباً لتصعيد برلماني أو مساءلة سياسية، أو لكسب ود مجموعة نيابية يمكن مقايضتها بتشريعات أخرى.

سطوة التشريع الفردي والشخصاني تجسدت على حساب قواعد التشريع العام، كما أننا أمام صمت من الجميع، مجلساً وحكومة، لذا على السلطتين أن تُعلِّقا الجرس وتعملا لوقف قطار استبداد التشريع الشخصاني وحماية الدستور وحفظ مبادئه التي بني عليها.

back to top