خارج السرب: بعضنا «مع الخيل يا شقرا»
قبل أعوام وخلال زحمة الأحداث السياسية انقلبت أربع سيارات بصورة مأساوية، تناثر الركاب مصابين حول أشلاء الركام ونزفت جروحهم، وما زالت دماء الانتظار بغزارة، وكالعادة التفت جموعنا حولهم، بعضنا "فزعة" وبعضنا "طماشة"، بعضنا، جزاه الله خيرا، رفع كفيه عاليا داعيا لهم بالفرج، وبعضنا رفع يديه عاليا ليلتقط سيلفي مدعماً بهاشتاق معتبر، بعضنا صار يلقي قصائد في رثاء معاناتهم لتتبعه "الرتويتات" الغاوية، وبعضنا عطّر الأجواء نثرا فوق المنابر منشداً إلياذة الحوادث، فأبكانا وسفحنا دماء عشرات "الكلينكسات" فداء للقضية. بعضنا صار يندب حظ السيارات القديمة، وكيف كانت لا تنقلب إلا للشديد القوي، وبعضنا دمعت عيناه تأثرا، وبعضنا دمعت عيناه "تماسيحيا"، بعضنا حاول مد يد العون وهرع ليبحث عن علاج، ولكن تبين أن جروح المصابين النازفة تحتاج لاختصاص طبي آخر، الحقيقة المرة أن بعضنا وبعضنا وبعضنا والكثير من بعضنا لم يستطع مداواة جروح المصابين فعليا، وبقي ألم قضيتهم على ما هو عليه.ثم وبفضل الله حدثت انفراجة، أخيراً وصلت سيارات الإسعاف إلى موقع الحادث، وصارت تستعد لنقل المصابين، وصار المستحيل السابق ممكناً مستقبلا، وفتح باب الأمل على مصراعيه، ولكن مع الأسف عدنا لموال "بعضنا" و"بعضنا" مرة أخرى، تزاحم "بعضنا" أمام باب الحل الوحيد، فسدوا منافذ أوكسجين الفرج، بعضنا اعترض طريق سيارات الإسعاف بحجة أن سواقها لا يلبسون حزام الأمان، وحلف "مليون يمين" أن هذا الانتهاك لن يمر مرور الكرام، ثم أخرج دفتر مخالفاته المهترئ الذي يعلوه الغبار ونفضه مهدداً!
بعضنا صار مفتيا أمام جموع "المنظرين والمنظرات"، فتنحنح وكح وعطس، ثم قال: أما بعد "اتشوووو" ضرورات الإصابات لا تبيح محظورات المخالفات، قوموا إلى "تويتركم" يرحمني ويرحمكم الله، بعضنا هزّ رأسه بدرجة 9 ريختر وصار يزلزل مسارات الحل صارخا: أين سيارات الإسعاف عن الذين سقطوا في حفر شارع كذا وكذا؟ وأين هي عن حوادث القرون الماضية؟ بعضننا اعترض على لون سيارات الإسعاف، وبعضنا تساءل عن ماركة "توايرها"، وبعضنا زمجر معترضا "ليش المبادرة النيابية ما دقت هرن؟"، وبعضنا أزعجه أيما إزعاج صوت الجعجعة التي أورثتنا أخيراً طحنا نراه رأي العين، فأغلق بكلتا يديه طبلات أذنيه لكي لا يسمع أصوات الحلول المبشرة، ربما يكون قد حنّ لأيام الجعجعة التي كنا نسمعها ولا نرى بعدها طحناً، ولا ألومه في هذا، فهي ميدانه الأوسع ولعبته التي لا يباريه فيها أحد، المهم أن طبلة أذنه مرتاحة لتتفرغ "للتطبيل" في يوم آخر، وليأتي بعدها الطوفان أو "تسونامي" معاناة عامين أو عقدين، لا يهم. الخلاصة: في ميدان العمل السياسي وجود "بعضنا" إثم، فلا يجتمع بعضنا مع بعضنا في مسارات واقع السياسة إلا إذا كان "الخيال" ثالثهما، وتعست قواعد السياسة إن كانت قاعدة "مع الخيل يا شقرا" ترفع لواء الحلول الناجعة!