محمد عبدالعزيز البدر فارس المقاومة الوطنية... يترجل عن صهوة الحياة

الراحل كان أكبر رتبة عسكرية بقيت مع المقاومة في أيام الغزو العراقي الغاشم
• سطَّر بإخلاصه إحدى الصفحات المشرقة في تاريخ الكويت عسكرياً ومدنياً

نشر في 12-03-2017
آخر تحديث 12-03-2017 | 00:07
بعد محطات بارزة تكفي واحدة منها لتسجل اسم صاحبها في سجل الفخر والشرف، وبعد تركه أعمالا تمثل نبراسا تهتدي به الأجيال المتعاقبة، ودعت الكويت أمس الفريق متقاعد محمد عبدالعزيز البدر احد فرسان المقاومة الكويتية ضد الاحتلال العراقي، والذي كان أكبر رتبة عسكرية بقيت مع المقاومة في هذه الأيام الصعبة، فضلاً عن دوره المشهود ومواقفه المشرفة في نصرة قضايا الأمة العربية، ليستقر به المطاف رئيساً للجنة إزالة التعديات على أملاك الدولة والمظاهر غير المرخصة التابعة لمجلس الوزراء، ليودع الحياة، إثر صراع مع المرض، انتهى به إلى أن يسلم روحه لبارئها، مخلفاً وراءه مسيرة عطرة يبقى ضياؤها ينير للأجيال إذا ادلهمت الخطوب «وفي الليلة الظلماءِ يُفتقَد البدرُ».
شارك الفقيد البدر في الحروب القومية التي خاضها الجيش الكويتي مع الجيوش العربية ضد الكيان الصهيوني، وعندما وقعت كارثة الغزو العراقي، انخرط في تشكيل فرق للمقاومة أثبتت للعالم أجمع ان الشعب الكويتي لا يرضى بالاحتلال ولا يقبل الذل والهوان، فاستمرت عمليات المقاومة حتى أنعم الله على البلاد بالتحرير ودحر القوات المعتدية الغاشمة، فانتقل دوره الى تنظيم الجيش الكويتي داخل المؤسسات العسكرية والتركيز على التدريب الميداني، وفي موازاة ذلك عمل على تأمين الحدود الكويتية لمنع التسلل من الخارج وتمشيط البلاد من الداخل، لتطهيرها ممن تبقى من افراد الجيش العراقي الذين تقاعدوا من جيشهم، ثم استنادا إلى ما عُرف عنه من حزمِ في تطبيق القوانين، تم تعيينه رئيسا للجنة ازالة التعديات على املاك الدولة.

العمل العسكري

بعد عودته الى الكويت من مصر وتخرجه في الكلية الحربية هناك، التحق بالمؤسسة العسكرية التي نشأ وكبر معها وتدرج فيها من رتبة ملازم حتى اصبح عميدا. عمل رحمه الله رئيسا للعمليات في لواء اليرموك الذي تأسس عام 1967 وكان نائب قائد الكتيبة الكويتية في حرب 1967 على الجبهة المصرية ضمن الحرب الدفاعية التي خاضتها الكويت ضد الكيان الصهيوني، وشغل فيما بعد منصب معاون رئيس الاركان ايام قائد الجيش اللواء عبدالله فراج الغانم.

الغزو

وقف البدر عام 1990 في مواجهة الاحتلال العراقي، وكان ضمن اعضاء اللجنة العليا لإدارة البلاد، وكان احد اعضاء اللجنة السرية التي تكونت من: الشيخ صباح الناصر والشيخ علي السالم واللواء فهد الأمير وفيصل المرزوق وعبدالوهاب الوزان وجاسم العون، وكانت تلك اللجنة تعمل على تأمين عمليات المقاومة بكل اشكالها، بما في ذلك تأمين وصول الدعم المالي لأفرادها، كما عملت على ايصال المواد الغذائية للمواطنين الصامدين داخل الكويت، وتعرض اكثر من مرة للخطر حتى بعد اعتقال المجموعة الأساسية بقيادة المقاومة في منطقة النزهة بشهر أكتوبر 1990 وكان من ضمنهم يوسف المشاري وعبدالوهاب المزين وغيرهما، وكان خروجه من البيت، بفارق دقائق عن لحظات الاعتقال، مع د. غانم النجار ومحمد القديري، وفي محاولة منه لإخراج المجموعة المعتقلة طلب من عصام الصقر التفاوض مع القوات العراقية للافراج عن يوسف المشاري ومجموعته الا انهم قاموا كذلك باعتقال عصام.

بعد التحرير اصبح مسؤولا في مجلس الوزراء عن مشروع الحزام الامني والساتر الرملي في منطقة الحفر حتى ام قصر، وقد رهن نفسه ومجموعة من الكويتيين الضباط، وغيرهم على تأمين الحدود الشمالية مع العراق، لاسيما مع التهديدات العراقية التي لم تتوقف ابان حكم صدام، حتى انجز رحمه الله وفريقه مشروع الكويت الامني الكبير الذي حد كثيرا من التسلل العراقي آنذاك.

وبعد سقوط نظام حكم صدام في مثل هذا الوقت تقريبا من عام 2003 تولى المهمة الصعبة برئاسة اللجنة الأمنية التي كانت مسؤولة بالكامل عن الحدود في تلك الفترة العصيبة التي استلزمت تنسيقا عاليا مع قوات التحالف وفي ذات الوقت ضمان امن الكويت واستقرارها.

كان الفقيد، رحمه الله تعالى، عسكرياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، قائداً في الميدان وفي الاسرة، ملتزماً بشرفه العسكري كالتزامه بشرفه الوطني والاخلاقي، لم يتوقف عن المشاركة والاندماج في القضايا الوطنية، تعلم من العسكرية صرامة القرارات ووضوح الرؤية، وأضاف اليها شيئا من تراث بيئته التي اخذ منها التسامح ومد يد العون إلى المحتاج والوقوف مع الحالات الانسانية، وكذلك التواضع الذي يمارسه في حياته ومع اقرانه والمحيطين به.

لجنة إزالة التعديات

واستنادا إلى ما عرف عنه من صرامة الحق، لم يكن لايقاف التعديات على املاك الدولة رجل سواه، فتم تعيينه رئيسا للجنة ازالة التعديات على املاك الدولة التابعة لمجلس الوزراء، فباشر عمله بكل حزم ونشاط، عمل على تطبيق القوانين دون خوف ولا رهبة، حماية لأملاك الدولة من المعتدين عليها، وفي خضم حملة الازالات للتعدي على املاك الدولة، تعامل بصرامة مع تعديات كبار المتنفذين كما كان كذلك مع صغارهم، فجرت محاولة لوضع اسمه في لائحة الشبهات، وكعادته لم ينجر الى معارك اعلامية، بل بقي صامتا وملتزما بإكمال حملة ازالة المخالفات، ليخرج من تلك المعارك منتصرا كعادته دون أن يدنس ثوب مسيرته البيضاء بغبار الشبهات الزائفة التي أثيرت عليه.

ومع أنه لا يحتاج إلى شهادة من أحد، ومع أن تاريخه كفيل بالشهادة له، ففقد نال إجماعا ممن كتب عنه بأنه رجل وفي ومخلص لبلده ولتاريخه، ولاسمه الذي لا يحمل شائبة تدينه، في وقت تكشفت الأهداف والغايات لتلك الاقلام المشبوهة التي وقفت وراء الحملة الدعائية ضده.

منذ كان ملازماً بالقوات المسلحة، التزم بأن يؤدي أدواره بإخلاص ووطنية وتضحية نادرة، دفعت زملاءه والمحيطين به إلى أن يقولوا بعفوية بالغة إن التزامه بوطنيته وصلت الى حد ان طغت على بيته، وإنه ليس هناك اعز عليه من هذا الترابط بالارض التي تنسم فيها ريح الكويت، كان دائما على الدوام صاحب كفاءة، نظيف اليد والسمعة، لم يبخل يوما بالعطاء عندما استدعته المصلحة الوطنية دون ان يمن على احد او يتوسل المكافأة، بل بقي عزيز النفس، شامخ الوقفة، حامل الامانة، حتى لابنه الذي ابقاه معه اثناء الاحتلال العراقي ليبقى ملازما له ومؤديا واجبه تجاه ارضه وعرضه.

استحق كل الاوسمة التي يحصل عليها العسكريون او يتمنونها، اضافة إلى أوسمة خليجية تقديرا لجهوده واعماله المتميزة طوال فترة خدمته، والمسؤوليات التي تولاها، والتي لم تتوقف على الرغم من التمديد له مرتين بعد تقديمه طلب التقاعد، ورفضه لنيل رتبة «لواء اول» حتى لا تكون سابقة تسجل عليه، مع أنها من حقه، مفضلا ان تترك لغيره.

رحل بو بدر تاركا وراءه سجلا ناصعا من العمل والنضال والعطاء، ورغم كل ما قيل عنه، فسمعته فاقت الآفاق وصورته الجميلة المكافحة المجاهدة، ما زالت عالقة في اذهان رفاقه منذ أيام الغزو، لم تضره يوما شماتة الشامتين، ولا مدح المادحين، افنى حياته في خدمة بلده وحاميا لمواطنيه.

و«الجريدة» التي آلمها هذا المصاب الجلل تتقدم إلى أسرته الكريمة بأحر التعازي، سائلة المولى عز وجل أن يتغمده بواسع راحمته ويلهم أهله، ويلهمنا الصبر والسلوان على هذا المصاب الجلل، و«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ».

البدر في سطور

الراحل محمد البدر من مواليد 1933، تعلّم القراءة والكتابة في الكتاتيب، متزوج ولديه بنتان وثلاثة اولاد.

وبسبب حبه للعمل العسكري غادر الى مصر والتحق بالكلية الحربية حيث تخرج فيها عام 1959، تخصص سلاح المدفعية، انتدب للعمل في مجلس الوزراء أواسط الثمانينيات لرئاسة لجنة متابعة القرارات الامنية، أسس اللجنة الأولمبية للرياضة العسكرية في القوات المسلحة، من مؤسسي نادي النهضة (كاظمة حاليا)، أطول فترة شغلها في منصب كانت في القوات المسلحة عندما تسلم قائد سلاح المدفعية، حمل رتبة عقيد وأصبح مدير العمليات، ثم نائب رئيس الاركان ومدير العمليات ورقي الى رتبة لواء بعد الغزو.

انتسب الراحل للقوات المسلحة كملازم، عام 1960، وترقى في المناصب الى ان اصبح عميدا ونائبا لرئيس الاركان لشؤون العمليات، عمل نائباً لقائد الكتيبة الكويتية التي شاركت في حرب 1967 على الجبهة المصرية، وكان أحد القادة الميدانيين في المقاومة اثناء الاحتلال العراقي للكويت، تولى الاشراف والتخطيط على اقامة السياج الشائك لمنع التسلل بين الكويت والعراق بعد التحرير، كما نظم مدينة الكويت والواجهة البحرية من الناحية الامنية، شغل رئيس لجنة إزالة التعديات على أملاك الدولة التابعة لمجلس الوزراء.

حياة عنوانها الالتزام

كان الالتزام العسكري أهم صفة في حياة الفقيد، رحمه الله، فقد كان الالتزام في حياته شيئاً مقدساً، إذ كان يلتزم بممارسة الرياضة تحت كل الظروف، مع التزامه بنظام غذائي لا يحيد عنه، التزم بعدم الدفاع عن نفسه ضد ما أثير عليه من شبهات زائفة مغرضة، التزم بعدم الثرثرة، التزم بالإنجاز في عمله، مهما كانت الصعوبات، من دون كلل أو يأس، كان يلتزم بتعليمات الطبيب الذي اجرى له عمليتين في القلب، وهكذا عاش حياته وفق اجندة استوحاها من المدرسة العسكرية التي عاش فيها أغلب حياته، وظلت في قلبه إلى أن ودع الحياة.

كان شديداً وقت الشدة، حنوناً وقت المحنة والألم، يفرض شخصيته على الآخرين باحترام وأدب، فيه سمات القائد والانسان، فتراه وقت الجد يشهر سيفه، وفي وقت الاسترخاء والراحة يأنس بالنكتة والدعابة.

كان البدر ضمن أعضاء اللجنة العليا لإدارة البلاد إبان الغزو الغاشم وكان أحد أعضاء اللجنة السرية التي ضمت إلى جانبه الشيخين صباح الناصر وعلي السالم واللواء فهد الأمير وفيصل المرزوق وعبدالوهاب الوزان وجا

الفقيد أنجز مع آخرين مشروع الكويت الأمني الكبير الذي حدّ كثيراً من التسلل العراقي بعد الغزو

أثناء اجتماع لقيادة المقاومة الكويتية بمنطقة النزهة في أكتوبر ١٩٩٠ تمكن مع د. غانم النجار ومحمد القديري من الخروج قبل دقائق من اقتحام القوات العراقية لمقر القيادة

إحدى المهمات الصعبة التي قادها باقتدار وحرفية عالية إشرافه على المنطقة الحدودية مع العراق خلال فترة سقوط نظام صدام
back to top