الإسلام السياسي في أزمة!

نشر في 10-03-2017
آخر تحديث 10-03-2017 | 00:04
 محمد واني لا شك أن الإسلام دين حنيف، يدعو إلى السلام والمحبة بين الناس، وينهى عن البغضاء والشحناء ويحارب الظلم والفساد، يبني ولا يهدم، يعفو ويسامح ولا يحقد، دين رحمة لا دين عنف وقسوة، والرحمة أصل الإسلام وأساسه الذي بني عليه، فالآية التي تقول "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" هي المحور الذي تدور حوله كل الآيات والسور القرآنية، كما تدور الأرض والكواكب حول الشمس، وهي جوهر العلاقة التي تربط الإسلام بالعالم، وكل حركة أو مذهب أو فكرة أو حزب سياسي أو تيار اجتماعي يدّعي الإسلام ويجاهر به، يفتقد هذه الصفة ويمارس القمع والإرهاب ضد الناس ويتفنن في تعذيبهم فهو لا ينتمي إلى الإسلام ولا يمتّ إليه بصلة، وإن تمسح بالإسلام وتسمى بأسماء الله وآل بيت النبي.

ولو لم يكن الإسلام دين خير وسلام ورحمة لما انتشر في العالم وتحول إلى دين عالمي له أتباع يفوق تعدادهم المليار وسبعمئة مليون نسمة، وبنسبة 23% من سكان العالم، هكذا كان وسيظل هكذا، دينا شاملا وكاملا للبشرية جمعاء لا دين فئة دون أخرى أو جنس دون آخر، يستوعب حياة الإنسان بكل جوانبه، الروحية والجسدية والحضارية والفكرية، بهذا التوصيف عرفه المسلمون منذ ظهوره قبل 1400 سنة، ولم يعهدوه دينا لاهوتيا محصورا داخل الصوامع أو دينا دمويا قاتلا جاء ليذبح الناس ويفتك بهم، كما يحاول بعض أعدائه ومن ينتمون إليه ظلما وزورا تصويره.

التعاطي مع الإسلام يجب أن يكون شاملا وكاملا، يضم كل جوانبه المختلفة، لا أن يقتطع منه جزء ويترك جزء آخر، المواضيع التي طرحها وعالجها كلها يتداخل بعضها مع بعض، لا يوجد شيء خارج السياق، كل شيء يخدم قضية واحدة ويسعى إلى تحقيق هدف واحد وهو تنظيم علاقة الإنسان والمجتمعات والدول بعضها مع بعض على أساس التراحم والتعارف، وكذلك إعادة علاقة الإنسان مع ربه إلى مسارها الصحيح القائم على (الربوبية والعبودية).

هذه هي باختصار رسالة الإسلام الحقيقية للعالم، ولكن ما فعلته وتفعله بعض الأحزاب والحركات التي تدّعي الإسلام أنها اختارت من الإسلام ما يوافق أهواءها السياسية وتوجهها الفكري، وهذا هو الانحراف بعينه الذي حذرنا الله منه عندما قال "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ".

وتوجد من هذه الأحزاب والحركات السياسية عشرات بل مئات في الوطن العربي والإسلامي، وكل واحدة تختلف عن الأخرى في الرؤية والسياسة والمصالح وتدّعي أنها على الحق المبين، وأن الأحزاب الأخرى في الضلال المبين! علاقات بعضها مع بعض متدهورة إلى أبعد حد، لا يجمعها جامع، لا القرآن ولا السنة النبوية، لا يوجد بينها إلا الصراع المرير والجدل البيزنطي العقيم، وقد تلجأ إحداها إلى أشد الناس كرها وعداء للإسلام لتشكل معها تحالفا سياسيا وعسكريا من أجل إلحاق الضرر بغريمها "الإسلامي".

وستبقى حالة التناحر والتصارع قائمة بين الأحزاب الإسلامية وستشتد وتتفاقم بمرور الزمن ما لم يُعَد النظر في برنامجها السياسي المشوش وإصلاح رؤيتها الخاطئة للإسلام، والتعامل معه كرحمة مهداة من الله للعالمين لا كفكر سياسي عقيم لا روح فيه، خاضع للمعادلات المصلحية المجردة!

* كاتب عراقي

back to top