الدفاع عن حقوق الإنسان في تركيا

نشر في 10-03-2017
آخر تحديث 10-03-2017 | 00:03
لو كانت هذه الصحيفة تصدر في تركيا لكان ما تبقى من هذا العمود فارغاً بالكامل، باستثناء صورة الكاتب والعبارة المطبوعة بخط عريض "124 يوماً من الحرمان من الحرية"، هذا ما تنشره عادةً الصحيفة المعارضة الأكثر أهمية التي لا تزال مستمرة في تركيا، "جمهوريت"، عندما يُسجن أحد صحافييها، علماً أن عدد أيام السجن لا ينفك يرتفع، وجّه أحد الصحافيين البارزين، قدري غورسيل، رسالة مؤثرة استهلها بالكلمات التالية: "أحييكم بمحبة من القسم ب، الجناح رقم 25 من سجن سيليفري العدد 9".

يمثّل السفر إلى تركيا اليوم رحلة إلى المجهول: صُرف عشرات آلاف موظفي الدولة وآلاف الأكاديميين، ويفوق عدد الصحافيين المسجونين ما تضمه سجون أي بلد آخر، كذلك تلف هذا البلد غيمة من الخوف. على سبيل المثال، تلقّى حسن جمال، أحد أبرز الصحافيين في تركيا، عقوبة معلّقة بالسجن مدة 15 شهراً بسبب تقرير استقصائي أعدّه عن قائد حزب العمال الكردستاني الكردي: عمل صحافي جيد يصوّره النظام زوراً "ترويجاً للإرهاب".

علاوة على ذلك اعتُقل أخيراً مراسل الصحيفة الألمانية Die Welt التركي-الألماني، كذلك أُلقي القبض على مراسلين فضحوا شبكات غولن، التي شكّلت بالتأكيد قوة كبيرة وراء محاولة الانقلاب التي نُفذت الصيف الماضي، بتهمة الانتماء إلى تنظيم غولن، كتب غورسيل أحد صحافيي "جمهوريت": "من الغريب أن نُعتبر مذنبين لغياب الأدلة ضدنا". أتمنى لو أن كافكا ما زال حياً حتى اليوم.

يشغل سؤالان ملحان بالي: أولاً، مع اقترابنا من الاستفتاء الشعبي بشأن تعديل الدستور في السادس عشر من أبريل، ما الوصف الأدق للنظام السياسي الحالي في تركيا؟ تراوحت الأجوبة التي تلقيتها في إسطنبول بين "نظام استبدادي مطلق" و"نظام استبدادي منتخب"، نظام يشرّع، على غرار نظام بوتين في روسيا، حكماً مستبداً من حيث الأساس من خلال انتخابات دورية.

لا شك أن التغييرات الدستورية المقترحة ستمنح رجب طيب أردوغان قوى جديدة ضخمة، فضلاً عن أنها ستتيح له البقاء في سدة الرئاسة حتى عام 2029.

ثانياً، تساءلت على غرار أي طالب: "ما العمل؟". ماذا عن النفوذ الأوروبي والأميركي الأوسع؟ نظر إلي أصدقائي الأتراك وفي أعينهم حنين مؤلم إلى العصر الذهبي في مطلع هذا القرن حين كانت تركيا، خلال عهد حكومتها "الإسلامية المعتدلة" حسبما يُفترض، تعتقد أن من الضروري الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكان هذا الأخير جاداً على ما يبدو بشأن ضمها، لكن كل ذلك زال، زال بالكامل.

إذا أردنا أن نساعد الفريق الآخر في تركيا فعلينا القيام بذلك بأنفسنا، يجب ألا نيأس بسبب عجز نفوذ الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وغيرهما من الحكومات، على ما يبدو، عن تغيير اتجاه السياسات التركية، لكن التدخلات الأقل طموحاً والأدنى مستوى تنجح أحياناً، إلا أن المحبط حقاً أن نعود إلى المسائل التي اعتدنا القيام بها للمنشقين في الاتحاد السوفياتي، فهذا ما بلغناه اليوم.

لعل أكثر ما سمعته في إسطنبول إحباطاً تراجع عدد الأكاديميين، والكتّاب، والصحافيين، والفنانين الذين يزورون البلد. لذلك صار زملاؤنا يشعرون أنهم معزولون، ونتيجة لذلك علينا كلما تسنت لنا الفرصة، السفر إلى تركيا والإصغاء وتقديم التقارير، والإخبار بما يحدث، وهذا ما فعله بالتحديد وفد من الكتّاب من "نادي القلم الدولي" زار أخيراً تركيا. علاوة على ذلك ينبغي أن تواصل منظمات حقوق الإنسان دق الطبول عالياً، عارضةً علانية أوضاع الأفراد والمجموعات المضطهدين، وبإمكانك متابعة بعض خطوات الدعم هذه على موقع "تويتر" عبر #FreeTurkeyJournalists أو الموقع الإلكتروني freeturkeyjournalists.com، فضلاً عن ذلك تستطيع الصحف والمجلات الفردية أن تدعم نظراءها المقموعين في تركيا بإبقاء أضواء الصحافة الدولية مسلطةً على ما يحدث لهم، صحيح أن حكوماتنا لا تتخذ خطوات كبيرة، إلا أن من المهم أن نقدِم نحن على الكثير من الخطوات الصغيرة. ومع تعزيز إردوغان الضغط، آن الأوان للإعراب عن تضامن مدني حقيقي.

تيموثي غارتون آش*

* «الغارديان»

back to top