التشكيلي عماد عبد الوهاب: «زعفران» تجربة تشكيلية تستلهم العالم الغرائبي الغامض

نشر في 07-03-2017
آخر تحديث 07-03-2017 | 00:04
قدّم الفنان التشكيلي د. عماد عبد الوهاب نقلة نوعية في مسيرته التشكيلية من خلال معرضه الأخير «زعفران»، حيث يطرح قضية الموروث الشعبي للسحر والحسد والجن، بأسلوب وبلغة بصرية مغايرة، لما تؤديه هذه القضية من دور كبير في تشكيل وعي شرائح عدة في مجتمعنا العربي.
يرى نقاد أن معرضك الأخير «زعفران» يشكِّل نقلة نوعية في مسيرتك الفنية، فما السبب؟

الفنان جزء لا يتجزأ من تجربته الإبداعية، ومن خلال معايشته الحياتية وسلوكه العام وطرائق تعامله مع المتغيرات المحيطة به يخرج عمله الفني. تدور تجاربي السابقة كلها حول متغيرات المجتمع التي تؤثر فيه عموماً، وعليَّ أنا خصوصاً، فمنها يولد التفكير في أنماط الحياة، ومنها أتوصل إلى مفاهيم تترجم لدي مجموعة من الرموز تشكل اللوحة الفنية، من ثم التجربة الإبداعية لدي. في هذا المعرض، أنا في صدد تجربة مغايرة في الرؤية والمضمون بأسلوب يحمل في طياته المعنى الحسي بعنوان «زعفران». تدور اللوحات حول الموروث الشعبي للسحر والحسد والجن، والذي ما زال موجوداً بين شرائح المجتمع المختلفة، ويؤثر في حياتها سلباً.

ما مدى تأثير هذا الموروث الشعبي الذي تتحدث عنه في المجتمع؟

صحيح أن السحر والجن والحسد ذكرت في الكتب السماوية، ولكني في لوحاتي أتطرّق إلى كيفية التعامل مع هذا السلوك الخاطئ الذي يتبعه معظم شرائح المجتمع. تقوم التجربة هنا على استلهام ذلك العالم الغرائبي الغامض الذي يؤدي فيه السحر والاعتقاد في التأثير الطاغي لكيانات الشر الخفية دوراً لا يستهان به في تشكيل وعي تلك الشرائح الاجتماعية، وفي تقديم نَسَق من التفسيرات المختلفة لظواهر الكون، ومحاولة الإجابة عن أسئلة عدة قَدَرية ووجودية حائرة. ومما لا شك فيه أني تعرضت شخصياً لتلك الضغوط النفسية التي من السهل أن تنال مني في حالة الضعف النفسي، أثناء وجودي في الريف، فأنا ولدت ونشأت في الاسكندرية ومقيم في القاهرة بعد العودة من إيطاليا.

هل تصدّر المرأة كبطلة لمعرض «زعفران» يعُزى إلى اعتقادك بإيمانها بالسحر والشعوذة بصورة تفوق الرجل؟

المرأة عموماً هي مرآة المجتمع. كي نقيس مدى تقدم أو تأخر مجتمع ما علينا أن ننظر إلى وضع المرأة فيه. ليس لدي تمييز بين الرجل والأنثى. بالنسبة إلي هي إنسان أتعامل معه من دون تصنيف، وليست وحدها من يفكر في أمور السحر والشعوذة بل الرجل أيضاً، ولكننا اعتدنا أن نحملها الأمور السلبية كافة.

هل تنتمي إلى اتجاه فني معين، وهل تؤمن بالتصنيفات الفنية؟

لم أحدّد مسبقاً اتجاهاً فنياً أنتمي إليه. كانت بداية دراستي الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة بقسم التصوير جامعة الإسكندرية، ثم تابعتها في أكاديمة الفنون الجميلة. حين بدأت بإنجاز تجاربي الخاصة، وجدت نفسي أميل إلى الفكر المجتمعي والمتغيرات المختلفة المحيطة بي التي لها التأثير في داخلي كفرد في هذا النسق المجتمعي وكفنان. تطلّب ذلك مني طرائق غير اعتيادية أكاديمياً في الرسم واللون للتعبير عما أشعر به وما يدور في ذهني من آراء وأفكار، تكون متناقضة الرؤي أحياناً. بدأت باستخدام الأشكال والعناصر المكونة لفكرة العمل الفني الذي أطرحه والتعامل معها رمزياً من دون الاهتمام بالتفاصيل التي لا تخدم الفكرة أو الأطروحة. ولكن عموماً أرى أن أعمالي تمثل التعبيرية الرمزية.

حكاية وأولوية

خلف كل لوحة ترسمها تكمن حكاية ما. هل تعتقد بأن المتلقي قادر على قراءة حكايات أعمالك؟

أرى العمل الفني التصويري عملاً بصرياً، لأن تعامل المتلقي معه يكون في بدايته بصرياً من خلال الشكل والخط واللون. وحين يتقبّله بصرياً، تأتي لاحقاً فكرة الحوار للوصول إلى المفهوم أو الغاية.

هل ثمة أولوية لأحد مكونات اللوحة على الآخر: موضوع، شكل، مادة، لون، تحتّمها الفكرة أم ثمة طريقة ما للتعامل مع هذه المكونات؟

الموضوع أو الفكرة والشكل واللون والخط وطريقة الرسم هي من مكونات العمل الفني. لا أولوية لمكون على الآخر. تبقى كيفية التعامل مع المكونات كافة هي إشكالية الأطروحة داخل العمل الفني.

عندما تقرّر رسم لوحة ما، هل تخطط لنهايتها أم تتركها للمصادفة؟

عند البدء باللوحة أكون وضعت صورة ذهنية للفكرة، أحاول أن أراها على السطح وأحققها، وهكذا يحدث تفاعل بيني وبين العمل للوصول إلى النهاية. أما المصادفة، فتحدث أثناء تفاعلي واندماجي في اللوحة من لون وشكل ورسم. كذلك تؤدي الخبرة دوراً كبيراً في ما يقال عنه مصادفة، والتي هي في الحقيقة «اللاوعي الإدراكي في العقل الباطن في إدراك الفنان للوحة»، وكيفية توظيف الأخيرة لتحقيق التطوّر الفني في أجزاء التجربة الإبداعية كافة.

تقيم في الكويت حيث تُدرّس الطلاب الفنون التشكيلية. كيف ترى المشهد الفني في هذا البلد؟

وضع المشهد الفني في الكويت قوي جداً، حيث يعمل كثيرون على فتح القنوات الميسرة لرفع مسيرة العمل الثقافي، والتمثيل الدولي في المحافل الثقافية العربية والأوروبية، وتوطيد علاقات التعاون والتبادل الثقافي مع الدول الشقيقة والصديقة. ذلك بغية ربط المبدع والمثقف الكويتي بمستجدات الساحة الثقافية والفنية العربية، وتقوية علاقات المبدعين والمثقفين العرب والأجانب، والتعريف بالإنتاج الكويتي الثقافي وإيصال التجارب الإبداعية إلى المهتمين والجمهور داخل الكويت وخارجها. يعمل على ذلك المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، برئاسة الأمين العام المهندس علي اليوحة، وجمعية الفنون الكويتية التشكيلية برئاسة الفنان التشكيلي عبد الرسول سلمان، رئيس الجمعية ورئيس اتحاد الفنانين التشكيليين العرب. ويتمثّل الإنجاز الكبير في افتتاح «مركز جابر الأحمد الثقافي»، النافذة الثقافية التي تطلّ من الكويت نحو العالم. وعلى أصعدة أخرى، شهدت الكويت افتتاح عدد كبير من الغاليريهات الجديدة، وهي تقدّم العروض الفنية بمختلف اتجاهاتها.

عبدالوهاب في سطور

حصل عماد عبد الوهاب على دكتوراه في فلسفة الفنون من قسم التصوير كلية الفنون الجميلة بحلوان، وشهادة الترميم في «أعمال التصوير من المعهد الدولي للترميم - روما 2003. درس الرسم والتصوير في أكاديمية الفنون الجميلة بروما، وعمل «قوميسيراً» ومنظماً لمعارض عدة واحتفاليات فنية في قطاع الفنون التشكيلية.

حصل على جوائز عدة من بينها جائزة الدولة التشجيعية في الفنون «صياغة جديدة لفن البورتريه» في مصر، وجائزة الدولة للإبداع الفني (جائزة روما الكبرى)، والجائزة الكبرى «منار الإسكندرية الذهبي» في الدورة الـ23 لبينالي الإسكندرية لدول البحر المتوسط، والجائزة الأولى في صالون الشباب الـ16، وجائزة تقديرية ودرع التميز من بينالي تونس، وجائزة أولى «تصوير» في مسابقة الهيئة العامة لقصور الثقافة. كذلك حصل على إقامات ومنح فنية عدة في بلدان عربية وأجنبية.

المرأة بالنسبة إلي إنسان أتعامل معه من دون تصنيف

الكويت تعمل على فتح القنوات لرفع مسيرة العمل الثقافي
back to top