خفض ضغط الدم... ابتعد عن الصوديوم

نشر في 15-02-2017
آخر تحديث 15-02-2017 | 00:05
No Image Caption
تشكّل توجيهات جديدة تدعو إلى الحد من الصوديوم المضاف في الطعام خبراً جيداً للجميع، لا مَن يعانون ارتفاع ضغط الدم فحسب.
على غرار معظم الناس، تتناول على الأرجح مقداراً من الصوديوم يفوق الكمية الموصى بها، علماً أنه يشكّل أحد مكونات الملح الرئيسة. لكن الحدّ من استهلاك الصوديوم قد يصبح أكثر سهولة في المستقبل، وذلك بفضل توجيهات إدارة الأغذية والأدوية الأميركية الأخيرة التي توصي بالحد من كمية الصوديوم في المأكولات المعالجة وأطباق المطاعم.

يعتبر خبراء الصحة هذا القرار خطوة في الاتجاه الصحيح طال انتظارها. تُظهر أدلة قوية من أكثر من مئة تجربة سريرية أن الحدّ من استهلاك الصوديوم الغذائي يساهم في خفض ضغط الدم. ويُعتبر ارتفاع ضغط الدم، الذي يصيب عدداً كبيراً من الناس حول العالم، من العوامل الرئيسة المساهمة في الأمراض القلبية الوعائية.

تذكر الدكتورة نانسي كوك، بروفسورة متخصصة في الطب في كلية الطب في هارفارد: «يسعدني أن تتخذ إدارة الأغذية والأدوية أخيراً خطوات في هذا الاتجاه. ولا شك في أن عملية الخفض التدريجي التي تقترحها تشكّل حلاً مناسباً». وتتابع موضحة أن سلطات الصحة العامة، خبراء التغذية، وأطباء القلب يحضّون هذه الإدارة على اتخاذ الخطوات للحدّ من معدلات الصوديوم المرتفعة في غذائنا منذ عقود. وتتيح عملية الخفض التدريجي هذه الوقت الكافي لشركات الطعام لتعدّل منتجاتها، وللمستهلكين كي يعتادوا مذاق الأطعمة الجديد.

مصادر الصوديوم

توصي التوجيهات الفدرالية الراهنة بألا تتخطى الكمية التي تستهلكها يومياً من الصوديوم 2300 مليغرام. لكن الإنسان العادي يتناول نحو 3500 مليغرام يومياً، علماً أن الجزء الأكبر من هذه الكمية (نحو 75%) يأتي من الأطعمة المعالجة ومأكولات المطاعم، لا من مملحة المائدة.

في الولايات المتحدة مثلاً، تشمل مصادر الصوديوم الغذائية الرئيسة الخبز واللفافات (لأن الناس يكثرون عموماً من هذه الأطعمة)، اللحوم الباردة والمعالجة، البيتزا، أطباق الطيور (مثل الدجاج المحمّر وناغتس الدجاج)، الحساء، والسندويتشات (منها البرغر).

لكن الغذاء الغني بالملح يزيد كمية الصوديوم في مجرى الدم، فيشير ذلك إلى الكليتين باحتباس كمية أكبر من الماء. وتساهم هذه السوائل الزائدة في ارتفاع ضغط الدم. ولكن حتى في حالة مَن لا يعانون ارتفاع ضغط الدم، تؤذي كمية الصوديوم الفائضة القلب، الكليتين، الدماغ، والأوعية الدموية.

معضلة محتملة؟

ثمة دراسات تشكك في فوائد هذه الخطوة، مشيرةً إلى رابط معاكس بين خفض استهلاك الصوديوم وارتفاع احتمال الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية. إلا أن هذه الدراسات تنطوي على عيوب أساسية، حسبما تشير الدكتورة كوك. على سبيل المثال، ارتكز ما توصّلت إليه على فحص بول واحد فوري حددت من خلاله مدى كمية الصوديوم المستهلكة، علماً أن هذا الفحص لا يُعتبر أداة قياس دقيقة.

بالإضافة إلى ذلك، شملت إحدى الدراسات، التي جمعت البيانات من 49 دولة مختلفة، أناساً يعانون المرض مسبقاً ويتبعون نظاماً غذائياً غير صحي.

في المقابل، تقدّم التجارب السريرية نتائج أكثر دقة. على سبيل المثال، قارنت تجارب «الوقاية من ارتفاع ضغط الدم»، التي بدأت عام 1987، بين مجموعتَين من الأشخاص الأكثر عرضة لارتفاع ضغط الدم. حصلت المجموعة الأولى على النصائح والدعم بغية خفض استهلاكها اليومي من الصوديوم إلى 1800 مليغرام، في حين لم تُفرض على المجموعة الثانية أي قيود بشأن استهلاك الصوديوم. وخلال هذه التجربة التي أُجريت على مرحلتَين ودامت ثلاث سنوات، قدّر الباحثون معدلات المشاركين من الصوديوم استناداً إلى فحوص بول عدة على مدى الأربع والعشرين ساعة.

كما هو متوقع، تمتّع مَن التزموا بهدف خفض استهلاك الصوديوم بضغط دم أدنى، مقارنة بالمجموعة الثانية. وبعد انتهاء الدراسة، لم يتبع هؤلاء المشاركون بالضرورة نظاماً غذائياً قليل الملح، مع أن كثيرين منهم مالوا إلى اختيار مأكولات أقل ملوحة. رغم ذلك، تبيّن للدكتورة كوك أن احتمال الإصابة بمرض القلب خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة التالية تراجع بنحو 25% بين مَن شاركوا في مجموعة الحد من استهلاك الصوديوم، مقارنة بمجموعة الضبط. كذلك أظهرت نتائج عملية المتابعة التي دامت 20 سنة (قدمتها الدكتورة كوك في لقاء جمعية القلب الأميركية السنة الماضية) أن خطر موتهم جراء شتى الأسباب تراجع أيضاً بنحو 15% خلال تلك الفترة.

عانى المشاركون في تجارب «الوقاية من ارتفاع ضغط الدم» كلهم «ما قبل ارتفاع ضغط الدم»، ما يعني أن ضغط دمهم تراوح بين 120/80 و139/89 مليمتراً زئبقاً. وتؤكد الدكتورة كوك أن نصف الناس على الأقل يندرجون ضمن هذه الفئة.

تهدف إدارة الأغذية والأدوية على الأمد القصير إلى خفض متوسط استهلاك الصوديوم إلى نحو 3000 مليغرام يومياً. صحيح أن هذه الخطوة قد لا تساهم بشدة في تفادي ارتفاع ضغط الدم أو معالجته، إلا أنها تشكّل نقطة انطلاق وخطوة أولية يسهل تقبّلها، وفق الدكتورة كوك. تقول: «بعدما أجريت هذه البحوث كافة، صرت أتفادى الإكثار من الملح. صرت أتنبه للكمية التي أستهلكها حين أستلذ بحبات البريتزل. وعندما تحدّ من كمية الملح التي تتناولها، تتبدل حقاً طريقة تذوقك هذه المادة».

تُظهر تجارب سريرية كثيرة أن الحدّ من استهلاك الصوديوم الغذائي يساهم في خفض ضغط الدم

الغذاء الغني بالملح يزيد كمية الصوديوم في مجرى الدم
back to top