النجدي

نشر في 13-02-2017
آخر تحديث 13-02-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم النجدي، عنوان آخر رواية للكاتب طالب الرفاعي عن سيرة حياة النوخذة الكويتي علي ناصر النجدي، وكلمة النوخذة تعني قبطان السفينة، وهناك نوخذة يقتصر عمله على الغوص للبحث عن اللؤلؤ، وهناك قباطنة أعالي البحار الذين قادوا سفنهم إلى سواحل إفريقيا والهند، وبعضهم استطاع الوصول إلى الصين، بسفن لا تعمل بالمحركات، مصنوعة بتداخل الخشب بعضه في بعض كعاشق ومعشوق.

جذبت طريقة قيادة هذه السفن القبطان الأسترالي ألن فاليرز، وهو كاتب ومصور أيضا، أراد معرفة سر وطريقة قيادة هذه السفن، وقاده البحث إلى مصاحبة النوخذة علي ناصر النجدي والسفر معه لمدة 6 أشهر، بدأت من عدن أواخر عام 1938 وانتهت في الكويت منتصف عام 1939، أبهرت طريقة قيادة النجدي القبطان الأسترالي، فكتب عنها كتابه الشهير "أبناء السندباد"، كما أبهرتني شخصية النوخذة علي النجدي حين قرأت منذ 20 سنة ما كتبه عنها فاليرز، وظننت أن كليهما قد مات منذ زمن بعيد، لكن من رواية الزميل طالب الرفاعي أدركت أنه عاش حتى بداية عام 1979، ومات غريقا بالعاصفة البحرية التي ضربت يخته حين كان في رحلة صيد مع صديقيه.

الجميل في هذه السيرة الروائية أنها أكملت قصة حياة النوخذة النجدي التي بدأها القبطان الأسترالي بكتابه أبناء السندباد، وأعلمت العالم عن بقية حياته ونهايته.

استطاع الرفاعي رسم صورة النجدي بعد جلسات عدة مع أولاده وأحفاده، واستماعه لشهاداتهم عن الحادثة وحياة جدهم، مما وثق حياة هذا النوخذة وطريقته الفذة في فهم تسيير السفن الشراعية فقط بعلم الفراسة وفهم قوة الريح، مما سيبقيها شهادة لمستقبل لن يعرف أناسه أي شيء عن ماضيهم إلا عن طريق ما كُتب.

وهذا مقتطف على لسان النوخذة يبين فيه طريقته في القيادة:

"كنت بجانب قائد الدفة، متيقظا لخط سير السفينة، يجب أن تبقى قريبة من البر دون أن تلامس القاع اللزج، ويجب أن تحاذي جبال الصخور الشاهقة باقتراب حذر ومحسوب، كي لا تصطدم بصخر وتتحطم. كنت أوازن بين تيار البحر الخفي أسفل البوم، والرياح الظاهرة بامتلاء الشراع في أعلاه، أي اختلال في المسار يحطم السفينة".

كان النجدي نوخذة غير عادي، أذهلت قيادته القبطان فالرز خلال رحلته معه، ما بين كيفية التحكم بقيادة هذه السفن الضخمة السائرة فقط بقوة الرياح الموسمية، وقدرة فراسة قباطنة السفن على فهم أسرار الرياح.

وهذا مقتطف آخر لأقواله: "انكمش الشراع بحبال البحارة، التيار البحري يدفع السفينة تجاه العمق والصخور، والريح تملأ ما بقي من الشراع دافعة بالسفينة تجاه طين البر، ولكي تقف السفينة في مكانها، يجب أن تتساوى القوتان: قوة التيار البحري تحت السفينة وقوة الريح فوق سطحها".

اعتمد طالب الرفاعي على تقنية مزج الماضي بالحاضر عن طريق تذكر النوخذة لحياته الماضية ورحلاته على سفينته "بيان"، بينما هو يقود يخته في رحلته لصيد السمك، في لقطات سريعة تمازج فيها الماضي والحاضر، وتداخلت ذكرياته القديمة بما يحدث حوله وهو يرويها.

المحزن لنهاية عصر الغوص والسفر، هو انتهاء مهنة التنوخذ، وبات ربابنة السفن بلا عمل يعملونه، وهم المعتادون على ريادة البحر ورفقته وعشقه في كل حالاته، وهو ما جاء ذكره على لسان النوخذة النجدي:

"حين توقف العمل في الغوص والسفر، بيعت سفن الكويتيين على أهل الخليج وعُمان والهند، وفُككت سفن أخرى صارت خشباً للبناء والنار، وبقينا أنا وصحبي البحارة دون أن يقدم أحد على شرائنا، صرنا حطباً لشركات وتجار المدينة الجديدة".

قسم الكاتب زمن الرواية بعدد من الساعات تبدأ من الساعة 11 صباحا، وتنتهي 11 مساء، بينما ذكريات النوخذة تسير ما بين الحاضر والماضي، تتصاعد وتيرة الأحداث الدرامية حين تضرب العاصفة اليخت وتغرقه، ويموت النوخذة غرقا في البحر، كما تنبأ له صديقه، ويغرق معه رفيقه عبدالوهاب، وينجو رفيقه الآخر سليمان الذي أخبر أهلهم بواقعة الغرق.

هذه الرواية السيرية ألقت الضوء على عالم النوخذة الجسور علي ناصر النجدي الذي كتب عنه القبطان ألن فاليرز: "هذا خيال! هذا لا يحدث فعلاً! هذا لا يمكن أن يحدث أبداً، أنت قبطان ماهر ومحظوظ ببحارة شجعان، لا أعرف كيف وصلت، أنت ربان يختزن ممرات البحر في رأسه".

رواية النجدي إضافة للتاريخ البحري الخليجي.

back to top