هل تكون روسيا البيضاء ضحية بوتين التالية؟

نشر في 10-02-2017
آخر تحديث 10-02-2017 | 00:04
 أوبزيرفر قلما تأتي التقارير الإخبارية الغربية على ذكر روسيا البيضاء، وعندما تتناولها قلما يكون ذلك بطريقة إيجابية، فطوال عقود تحسّر كثيرون على روسيا البيضاء، التي يحكمها منذ عام 1994 ألكسندر لوكاشينكو، زعيم من مخلفات العهد السوفياتي أدار بشكل مثالي إحدى المزارع الجماعية الشيوعية، ولذلك اعتبروا هذا البلد آخر دكتاتورية في أوروبا بسبب أدائه السيئ في مجال حقوق الإنسان وطرقه البعيدة كل البعد عن الديمقراطية.

لم يعرب لوكاشينكو عن اهتمام كبير بالتقرب من الغرب حتى وقت ليس ببعيد، فعمد نظامه الذي تقوده بيد من حديد الشرطة السرية، التي ما زالت تُدعى KGB كما في العهد السوفياتي، إلى سَجن الصحافيين والسياسيين الذين وقفوا في وجه لوكاشينكو أو حتى إخفائهم، وبما أن النظام وقائده يحنان إلى زمن الاتحاد السوفياتي بكامل أوجهه لاستعادة أمجاد الشيوعية الزائلة فإن جهود تحرير الاقتصاد والمجتمع لم تحقق أي تقدّم في مينسك.

لطالما اعتبر الكرملين روسيا البيضاء مجرد امتداد لروسيا على الصعيد الأمني، وطوال سنوات كانت العلاقات بين موسكو ومينسك لصيقة في مجالي الدفاع والاستخبارات، وكذلك كثُرت التدريبات العسكرية المشتركة بين قوات روسيا وروسيا البيضاء.

ولكن خلال السنوات القليلة الماضية حاول لوكاشينكو إبعاد نفسه عن سيده القديم، ساعياً إلى إقامة علاقات سرية مع الغرب، لذلك تبدو العلاقات بين موسكو ومينسك اليوم على شفير الانفجار، فقبل أيام أعلن لوكاشينكو أن القاعدة الجوية الجديدة التي يخطط بوتين لإقامتها في بلده كي تشغلها القوات الجوية الروسية لن تبصر النور، منتقداً موسكو في مؤتمر صحافي تاريخي دام أكثر من سبع ساعات وحفل بالمشاعر المعادية للكرملين، ورداً على هذه العلاقات المتردية أعادت موسكو فرض الضوابط على حدودها الغربية، فكانت الحدود مع روسيا البيضاء لا تخضع سابقاً لأي حراسة، ولكن ستتولى راهناً قوى بوتين الأمنية الفدرالية الواسعة النفوذ ضبطها.

يعرب لوكاشينكو عن قلق كبير من أن يحاول الكرملين المستاء الإطاحة بنظامه، مستبدلاً إياه بشخص أكثر انصياعاً لرغبات بوتين.

لا عجب في أن لوكاشينكو يستعرض قواه راهناً، محاولاً توجيه رسالة قوية فيما يسعى إلى تحديد مَن في روسيا البيضاء يدين بالولاء لمَن، وينفذ الجيش حالياً تدريبات واسعة تشمل بناء عوائق على الطريق الرئيسي الممتد من مينسك إلى الحدود الروسية، كذلك استُدعي الاحتياط للمشاركة في هذه التدريبات، التي ضمت أيضاً ضباطاً عسكريين متقاعدين أُعيدوا إلى الخدمة بغية التدرب على صد غزو روسي محتمل.

أشار أرسيني سيفيتسكي مدير مركز مينسك للدراسات الاستراتيجية والسياسة الخارجية (الذي يشكّل المؤسسة الفكرية الوحيدة في مينسك المخصَّصة لهذه الغاية)، في مقابلة معه إلى أن بوتين قد يستغل الفوضى الحالية في واشنطن كي يتحرك ضد لوكاشينكو، بما أن إدارة ترامب، التي لا تزال قيد التشكيل، لم تحدد بعد الاتجاه الذي ستسلكه سياستها الخارجية.

أضف إلى ذلك المسألة المعقدة عما سيقوم به البيت الأبيض بالتحديد، فإن روسيا البيضاء لا تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي، لذلك لا يمكنها أن تتوقع مساعدة غربية علنية ضد بوتين، ولكن هل يتحرك ترامب أساساً في حال نفذت روسيا اعتداء ضد جارة أخرى؟ لا شك أن محاولات الإدارة الجديدة المتكررة تملُّق الكرملين علانية، فضلاً عن دعمها الفاتر جداً لأوكرانيا فيما يتصاعد القتال بين الجيش الروسي وقوات كييف، تدفعنا إلى التساؤل إلى أي جانب يقف ترامب حقاً.

هذا إن لم نأتِ على ذكر السؤال الغريب الذي طرحه البيت الأبيض أخيراً على المجتمع الاستخباراتي بشأن روسيا البيضاء، حيث أشار تقرير صدر أخيراً عن وكالة الأسوشيتد برس: "أراد المساعدون الأمنيون القوميون الحصول على معلومات عن الغزو البولندي لروسيا البيضاء"، ولكن لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن بولندا، العضو البارز في حلف شمال الأطلسي، لم تنفذ أي غزو في روسيا البيضاء، فضلاً عن أن هذا المفهوم يبدو غريباً بصراحة خارج جدران الكرملين، الذي يعاني جنون الارتياب، والمواقع الإلكترونية الموالية لروسيا، التي تسعى إلى تأجيج المشاعر المناهضة لحلف شمال الأطلسي من خلال الأخبار الزائفة.

في المقابل ورد الغزو العسكري البولندي لروسيا البيضاء بوضوح في تدريبات عسكرية أجرتها روسيا أخيراً، وحملت هذه التدريبات اسم ZAPAD (الغرب) 2009 و2013، وشملت عملية "اندفاع نحو الشرق" نفذتها وارسو مرتَين، ونستخلص من ذلك أن البيت الأبيض إما يردد عن جهل الأخبار الروسية الزائفة السخيفة وإما أنه يفرض بوعي معلومات الكرملين الخاطئة على مجتمعنا الاستخباراتي.

من المؤكد أن كلا هذين الاحتمالين لا يخدم الأمن والاستقرار في أوروبا في الوقت الراهن، إذ تقع روسيا البيضاء على عتبة حلف شمال الأطلسي، بخلاف القرم أو شرق أوكرانيا، لذلك يُعتبر احتمال أن تخرج أي أزمة عسكرية هناك عن السيطرة على نحو خطير كبيراً جداً، ومن الأفضل لكل الأطراف تفادي أزمة مماثلة قبل حدوثها.

* جون شيندلر | John R. Schindler

back to top