شاعر وغني ورجل دين

نشر في 27-01-2017
آخر تحديث 27-01-2017 | 00:16
 حمد الهزاع من منا لم يمر بظروف في غاية الصعوبة، قد تكون مشكلة نسعى إلى حلها تشكل لنا هاجساً، أو ديناً يؤرق مضاجعنا، أو أمراً من أمور الدنيا التي لا تنتهي إلا عند قضاء الأجل، ومن منا لم تغلق الأبواب في وجهه، وتضيق الدنيا به بما رحبت، وقد يتخلى عنه من يظن بهم «الفزعة»، وقد يلجأ إلى أناس يعتقد أنهم طوق النجاة، وأنهم الفرج واليسر بعد الله سبحانه، ولكنه يعود منهم بخفّي حنين وهو يجر أذيال الخيبة والألم، وهؤلاء كثر من الذين يقولون ما لا يفعلون، وهم الذين واقعهم يناقض تباهيهم وتفاخرهم بأنفسهم.

قد تسمع شاعراً يمدح نفسه، وأن الكرم يتدفق من بين يديه، وأن الجود منه وإليه، وفي حقيقة الأمر أبيات صففت من دَجَل وافتراء، وكم من غني يرائي ويتباهى بماله وسلطانه، فيمتدحه الشعراء والأفاكون طمعاً بعطاياه وهباته، وعندما يأتيه محتاج معسر يصد عنه صدودا، وكم من مسؤول تحصن خلف مكتبه، وأغلق الباب عليه، لا يسمح بالدخول إلا للمقربين أو من وراءهم مصلحة، وتوصد الأبواب في وجوه «الغلابة»، نماذج كثيرة من هذه النوعية، التي لو تعلم أن من أعظم القربات إلى الله هي تفريج كربات المهمومين ومساعدة المحتاجين.

ومما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وآله وسلَّمَ، قال: «أحبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أنفعُهُم للنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سرورٌ تُدخِلُهُ على مسلمٍ أو تكشِف عنه كُربةً، أو تقضي عنهُ ديناً أو تطرُدَ عنهُ جُوعاً، ولَأَن أَمْشِيَ مع أخٍ لي في حاجةٍ أحبُّ إليَّ مِن أن أعتكِف في المسجد شهرا، ومن كفَّ غَضبه سَتَرَ اللهُ عورتَهُ، ومن كظم غَيظه ولو شاء أن يُمضِيَهُ أمضاهُ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ رَضاً يوْم القِيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجَةٍ حتى يثبتها ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الأقدامُ».

يحدثني أحد الأصدقاء فيقول: بعد أن تأزمت أموري وأصابتني فاقة، وشعرت أن السماء أخذت تطبق على أنفاسي، وأني أدور في فلك الحزن، قررت أن أطرق أبواب أشخاص كنت أتوسم فيهم خيرا، بعضهم أغلق الباب بوجهي والبعض الآخر اعتذر مني بطريقة وقحة، شعرت بعدها بالذل والمهانة، وأن كل ما سمعته عن هؤلاء الأشخاص أنهم يفعلون الخير ويسعون إليه غير صحيح، واكتشفت أن مساعدتهم تكون لمن يستفيدون منهم إعلامياً، لتزداد أرصدتهم شهرة بين أوساط المجتمع، وليكسبوا سمعة بنيت على أكوام من الزيف والنفاق والرياء، وحتى يقال «والنعم بفلان فعله طيب».

يكمل صاحبنا فيقول! في إحدى المرات وأنا جالس أشاهد لقاء على إحدى الفضائيات مع رجل دين تقي وورع، ترى النور والبشاشة في وجهه، له سحر البيان وتطرب لسماع حديثه، حيث ذكر أن من الواجب الشرعي والإنساني مساعدة المحتاج، وتفريج الهم عن المهمومين، وقد فصل في ذلك واستند إلى آيات وأحاديث نبوية، فأسررت في نفسي: «فرجت يا ولد»، وقررت أن أذهب لألتقي به في «ديوانيته»، وجدته جالساً ومعه شخصان، فتحدثت معه على انفراد، وشرحت له وضعي ومأساتي التي أمر بها، وطلبت منه أن يشفع لي عند أصحاب الخير، على أن يساعدوني بقرض حسن أو مقابل رهن منزلي، وأقسم أنه يستطيع إن أراد ذلك، وبعد ما يقارب الشهرين وأنا أتردد عليه علمت وأيقنت أن كل ما يقوله ويتحدث به من خلال القناة الفضائية هو «شو» وحشو إعلامي.

ومع كل ما ذكرت من نماذج لأشخاص طغى على قلوبهم الرياء والكذب والخداع، إلا أن لدينا رجالا ونساء أياديهم مبسوطة بعمل الخير، ويسعون إليه سواء في بلدنا أو في أنحاء المعمورة، ومشاريعهم الخيرية شاهدة على ذلك.

ثم أما بعد؛؛؛

إن ما يدور من حديث عن تعديل التركيبة السكانية وفرض ضرائب على الوافدين لهو ظلم؛ لأن أغلب العمالة الوافدة هم من محدودي الدخل، «يدوب» الراتب يكفيهم ليقتاتوا منه ويصرفوا على أسرهم في بلادهم، إن الذي جلبهم وتركهم وساهم في تكديسهم هو الذي يجب أن تفرض عليه الضرائب، نعم لتعديل التركيبة السكانية ولكن شرط ألا يمس رزق المساكين والفقراء.

back to top