الانقلاب الذي حدث في قطر

نشر في 14-08-2009
آخر تحديث 14-08-2009 | 00:00
 فالح ماجد المطيري تواترت خلال الأيام الماضية تسريبات صحافية عن محاولة انقلابية في دولة قطر يتزعمها عدد من القيادات العسكرية، لم أصدق الخبر لحظة سماعي به، ليس لاستحالة حدوث الانقلابات في أنظمتنا الخليجية، بل لأن العادة جرت في دول مجلس التعاون أن يأتي التغيير أو الانقلاب من داخل «القصور» لا من «الثكنات»، فقد تميزت دول المجلس عن الدول العربية الأخرى، أن النخب المهتمة بالشأن السياسي وتفاصيله نخب مدنية، ولم يكن للنخب العسكرية التي تتخذ من الانقلابات عقيدة ومنهجا من حضور في التاريخ السياسي للمنطقة.

وفيما يخص دولة قطر، فإنني أؤكد أنه حدث بها انقلاب فعلي، ولكنه انقلاب ذو مضامين إيجابية منذ تولي الشيخ حمد بن خليفة مقاليد الحكم في عام 1995، فمنذ توليه الحكم بادر بعدد من الخطوات الإصلاحية الجريئة التي تحسب له، لنقل دولة قطر نقلة نوعية تتواءم مع العصر ومتطلباته، فأجريت التعديلات التشريعية التي تناولت أحكام النظام الأساسي المؤقت للدولة الخاصة بالسلطة التنفيذية، والأحكام المتعلقة بتوارث الحكم، وتم إصدار قانون السلطة القضائية المنظم للمعاملات التجارية والمدنية، وهذه بمجملها خطوات على الطريق الصحيح لاستكمال بناء أجهزة الدولة وإرساء دولة المؤسسات والقانون، والجدير بالذكر أنه في عام 1999 جرت في قطر ولأول مرة انتخابات المجلس البلدي المركزي، وكانت تلك الانتخابات حدثاً تاريخياً، باعتبارها تمثل أولى الخطوات نحو الديمقراطية المؤسسية القائمة على الانتخاب الحر والمباشر، وشاركت المرأة فيها كناخبة ومرشحة، حاصلة بذلك على حقوقها السياسية كاملة.

واستكمالا لتعديل الأوضاع السياسية في قطر، صدر عام 1999 الأمر الأميري رقم(11) بتشكيل لجنة لإعداد دستور دائم للبلاد، طرح للاستفتاء الشعبي في عام 2003، وقام الأمير برفع الرقابة المسبقة عن الصحف، وأسندت هذه الخطوة بإصدار القانون رقم(38) في عام 2002، بإنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، حماية للحقوق وحرية التعبير ومنع أى تجاوز بشأنهما.

وبرغم أن هذه الخطوات مازالت أقل من الطموح، فمجلس الشورى القطري لايزال ثلث أعضائه يعيَّن من قبل الأمير، وإلى الآن لم يُدعَ للانتخابات وفق الدستور الجديد، إلا أن توقعي أن القادم أفضل، فالإصلاحات السابقة أتت بمبادرة من الأمير نفسه، فلا ضغط خارجيا مورس عليه، ولا ضغط داخليا أيضا، فقطر تخلو من أي حركة شعبية ضاغطة في اتجاه الإصلاح السياسي.

في الختام تبقى التسريبات الصحافية حول حدوث انقلاب في دولة قطر أو غيرها من دول مجلس التعاون بغض النظر عن مدى صدقيتها، مؤشرات يجب أن تأخذها الأسر الحاكمة دافعاً لتسريع عملية الإصلاح السياسي وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صناعة القرار، وللأخذ بالديمقراطية كخيار مصيري واستراتيجي لها ولشعوبها، فقد أثبتت الأحداث التي مرت على المنطقة أن الديمقراطية هي طوق النجاة للأنظمة والشعوب، وأستشهد هنا بتجربة الكويت في أزمة تولي مسند الإمارة بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، بأهمية الديمقراطية في الانتقال السلمي للإمارة، وقبل ذلك بسنوات دور مؤتمر جدة الشعبي في تجديد البيعة لأسرة الصباح من قبل الشعب الكويتي إبان الاحتلال العراقي.

----------

تعديل المناهج... 
والافلاس السياسي


عبث الحكومة في التركيبة الفئوية والطائفية للمجتمع مثل اللعب بالنار، إشعالها سهل ولكن محاصرة انتشارها مستحيلة! ولا ينافسها في هذا الإفلاس السياسي إلا مجموعة النواب، الذين يعتبرون الاصطفاف الطائفي البغيض والخطاب الإقصائي التكفيري للآخر مجرد أصوات انتخابية في رصيدهم.

تفاءلت كثيراً عندما سمعت أن الحكومة «الرشيدة»، وعلى لسان وزيرة تربيتها تنوي بعد طول انتظار تعديل المناهج المدرسية، لاسيما أن هذا التصريح جاء بعد فترة وجيزة من القرار الموفق الذي اتخذته الوزيرة بتوظيف البدون في وزارة التربية، وهو قرار كم أتمنى أن يعمّم على وزارات الدولة المختلفة لإنصاف مجموعة من أبناء الكويت، ورفع الظلم التاريخي الذي مورس بحقهم.

لكن تفاؤلي كان أقصر من حبل كذب الحكومة القصير دائماً، والذي لا ينافسه في القصر إلا مدى نظرها، عندما اتضح أن «المناهج» المزمع تعديلها مجرد «سطرين» في منهج التربية الإسلامية، يتحدثان عن زيارة القبور والتبرك بها!

نتمنى من الحكومة ووزيرة تربيتها أن تعمل على تطوير المؤسسة التعليمية وتعديل المناهج بشمولية أكبر من مجرد سطرين في مادة واحدة، وتترك القبور وأهلها الذين لا يستحقون منا إلا الدعاء لهم بالرحمة، لتركز على «الأحياء» من أبنائنا الطلبة، بدءاً من ثقل الحقيبة المدرسية التي أرهقت ظهورهم بحملها، وكأنها عدة جندي في أرض معركة.

نتمنى من الحكومة ووزيرة تربيتها أن تُعدِّل ذلك «الحشو» الفارغ الذي يملأ صفحات كتب جميع المواد!

نتمنى من الحكومة ووزيرة تربيتها أن تُعدِّل الآليات والوسائل التعليمية التي جعلت الطالب يصل إلى الصف الرابع والخامس، وهو لا يجيد القراءة باللغة العربية!

نتمنى من الحكومة ووزيرة تربيتها أن تُعدِّل المناهج «لمحو أمية» استخدام أجهزة الحاسب الآلي في مدارسها.

نتمنى من الحكومة ووزيرة تربيتها تعديل أوضاع المعلمين والمعلمات لتعيد الاحترام إلى مهنة التدريس التي أصبحت مهنة طاردة لأبناء البلد.

نتمنى من الحكومة ووزيرة تربيتها تطبيق القانون ومحاربة الدروس الخصوصية التي تملأ الصحف الإعلانية جهاراً نهاراً وشكلت عبئاً إضافياً على ميزانية الأسرة!

نتمنى من وزيرة التربية وحكومتها ذات الميزانية المليارية ألا يبدأ كل عام دراسي وبعض المدارس تعاني نقصاً في الاحتياجات الأساسية من طاولات وكراسي وتكييف وماء بارد.

نتمنى من الحكومة ووزيرة تربيتها تطوير المؤسسة التعليمية وتعديل المناهج في الاتجاه الذي يرسِّخ الإيمان بالديمقراطية والمجتمع المدني، بإضافة مادة الديمقراطية والدستور ضمن مناهجها.

هذه أمنيات نقدمها إلى الحكومة ووزيرة تربيتها، إذا كانتا جادتين في «تعديل المناهج» وفق رؤية وطنية تتوافق مع التطور الحضاري بما يخدم البلد... أما إذا كان تصريح الوزيرة مجرد «تكتيك» سياسي لخلط الأوراق والهروب من الأزمات، وهو ما تعودنا عليه من حكومتنا «الرشيدة»، أو دفعاً لفاتورة المواقف في الاستجواب الأخير وفق خريطة تحالفاتها الجديدة، فهذا إفلاس سياسي تعيشه الحكومة، فاللعب في التركيبة الفئوية والطائفية للمجتمع مثل اللعب بالنار، إشعالها سهل ولكن محاصرة انتشارها مستحيلة! ولا ينافسها في هذا الإفلاس السياسي إلا مجموعة النواب الذين يعتبرون الاصطفاف الطائفي البغيض والخطاب الإقصائي التكفيري للآخر مجرد أصوات انتخابية في رصيدهم.

back to top