لكل زمان بسوس وسراب

نشر في 10-09-2009
آخر تحديث 10-09-2009 | 00:00
 فالح ماجد المطيري هي سعاد بنت منقذ التميمية، وتلقب بالبسوس، وهي امرأة ذات مكر وخديعة واحتيال، وقد وصمت بالشؤم في التاريخ العربي، بحسب ما تواتر من أمثال العرب، حيث يقال «أشأم من البسوس»، ونالت هذه السمعة السيئة بتسببها في حرب طويلة بين أبناء العمومة قبيلتي بكر وتغلب سميت بحرب البسوس.

وهي قصة يعرفها الأغلب منا إن لم يكن جميعنا، بحسب الأسطورة الشعبية المسماة «الزير سالم».

تتلخص الحكاية في أن البسوس وفدت على زوج أختها مُرَّة بن ذهل، ورأت أن أبناء العمومة من القبيلتين يعيشون في وئام ووفاق، ونظراً لسوء سريرتها وخبثها ساءها ذلك، فأخذت تبحث عن الأسباب والوسائل التي يمكن أن تشعل الخلاف والفتنة بين أبناء العمومة، وقد وجدت ضالتها في شخيصتي كليب وجساس.

فكليب الذي نصَّبه قومه ملكاً عليهم بعد أن قادهم إلى النصر في حربين ضد ظلم وتجبر «لبيد» و»التبع اليماني» أصابه جنون السلطة وتحول إلى طاغية، وحكمت الحماقة والغرور والتفرد في الرأي جميع تصرفاته، إلى درجة أنه منع قومه من استقبال ضيف أو إجارة ملهوف، ومنع قطعانهم من الرعي والشرب إلا بأمره، وقد أعماه جنون السلطة أن يعي بأنه مس قومه في أعز ما يملكون، كرامتهم ومصدر رزقهم، ولم تنفع معه نصائح أخيه الشاعر الحالم «الزير سالم» بأن يكون أكثر رفقاً وتسامحاً مع أبناء قومه.

وقد صبر البكريون على مضض متعللين بالقرابة وصلة الدم، إلا أن أبناء مُرّة بن ذهل كانوا الأكثر تململاً من تصرفات كليب خصوصاً جساس، الذي التقطته عين البسوس التي لا تخطئ موقع الفتنة، فأخذت تزيد من ثورته، وهو الثائر أصلاً، حتى أمرها أن تطلق ناقتها «سراب» لترعى حيث شاءت مخالفاً بذلك أوامر «كليب»، والذي حينما شاهدها قد خالطت إبله رماها بسهم فقتلها، وكانت هذه الفرصة الذهبية التي تبحث عنها البسوس، فأوقدت نار الحقد والانتقام للحقوق والكرامة المسلوبتين في صدر «جساس» الذي لحق «بكليب» وقتله، واشتعلت حرب بين أبناء العمومة استمرت أربعين عاماً، قادها الشاعر الحالم «الزير سالم»، منفذاً وصية أخيه الشعرية وهو يلفظ أنفاسه بأن «لا يصالح»، ونسي الشاعر الحالم نصحه لأخيه بأن يترفق ويتسامح مع قومه، وتحول إلى قاتل لا يرتوي من دمائهم، وبعد فترة اختفى «الزير سالم» من المشهد ودانت السيطرة للثائر السابق «جساس» الذي تحول، وللغرابة، إلى طاغية أكثر من «كليب» وأنساه جنون السلطة أن الظلم والغبن والتفرد في الرأي هو ما دفعه إلى قتل «كليب».

هذه الملحمة التاريخية أو الرواية السردية التي تناقلها العديد من الرواة والحكواتية وأدخلوا عليها بعضاً من الفانتازيا التي جعلتها تروى بأكثر من طريقة غيّرت من بعض أحداثها مع عدم الإخلال بالسياق العام لها وللأشخاص الصانعين لأحداثها، تتفق في أن جميع أبطالها «كليب» و»جساس» و»الزير» قد قتلوا وقتل الكثير ممن ساندوهم، وحتى مَن لم يكن لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب قد قتلوا، وخربت ديارهم بسبب امرأة حاقدة ومشؤومة.

فهل لكل زمان بسوس وسراب يجران معهما الدمار والخراب؟

back to top