الخلل ليس في عدد الدوائر

نشر في 23-10-2009
آخر تحديث 23-10-2009 | 00:00
 فالح ماجد المطيري أقرت لجنة شؤون الداخلية والدفاع في مجلس الأمة قبل أيام مقترحاً يقضي بتحويل الكويت إلى دائرة انتخابية واحدة، وهو بحسب ما يروِّج المتحمسون له النظام الانتخابي الأمثل الذي سيقضي على السلبيات التي رافقت العملية الانتخابية وفق نظام الخمس دوائر، من حشد قبلي واصطفاف طائفي وفرز فئوي، بالإضافة إلى القضاء على شراء الأصوات وضمان حقوق الأقليات.

ينطلق هذا الرأي من فكرة أن تضييق الدوائر وزيادة عدد الناخبين، سيكون قادراً على تفتيت الكتل الكبيرة بإجبار المرشحين على التعامل مع جميع الناخبين بنفس الأهمية والاهتمام، حيث يصبح لكل صوت أهميته.

ومن المعلوم أن الدولتين الوحيدتين في العالم اللتين تعتمدان هذا النظام الانتخابي هما ألمانيا والكيان الصهيوني، ونظامهما السياسي والانتخابي يختلف عما هو متبع لدينا، فالحزب الحائز على الأغلبية يشكل الحكومة، فيما تقوم البقية بدور المعارضة، وإذا لم يستطع أي حزب الحصول على الأغلبية المطلوبة، فإن الحزب الحائز على النسبة الأكبر يدخل في ائتلاف مع بعض الأحزاب التي حصلت على نسب أقل، ليشكل ما يعرف بالحكومة الائتلافية.

ولكن يغيب عن الكثير من المهتمين والمحللين للعملية الانتخابية في الكويت وإفرازاتها، أن ما يرافقها من سلبيات ليس له علاقة كبيرة بعدد الدوائر، فالكويت قد جرَّبت الانتخابات النيابية وفق عدد مختلف من الدوائر بدءاً من العشر مروراً بالخمس والعشرين، وصولاً إلى الخمس، وكانت السلبيات نفسها تتكرر، بل مع مرور الوقت أصبحت تعبر عن نفسها بصراحة أوضح.

فمن الخطأ ان يتم ربط السلبيات التي يعانيها المجتمع الكويتي مثل القبلية والطائفية والفئوية بالمسألة الانتخابية، فذلك إما تسطيح ساذج، وإما خبث متعمد، فعندما تطفو هذه التقسيمات إلى سطح العملية الانتخابية فهي إنما تعبر عن أزمة مجتمعية يعيشها الوطن، وهي برأيي أزمة صنعتها الحكومات المتعاقبة، بتخليها عن مبدأ أساسي من مبادئ تأسيس الدولة، وهو الترسيخ الحقيقي للمواطنة الحقة، من خلال سيادة القانون على الجميع، وتكافؤ الفرص، مما جعل المواطنين نهباً للاستقطاب القبلي والطائفي والفئوي.

كذلك اعتادت الحكومات المتعاقبة، ومنذ الستينيات، على التدخل في العملية الانتخابية بأشكال عدة ومختلفة، رغبة منها بأن تفرز العملية الانتخابية برلماناً «على مزاجها» ويتوافق مقاسه مع ضيق صدرها بالرقابة والمحاسبة، فمارست التزوير في الستينيات، والتعطيل في السبعينيات، ومحاولة تنقيح الدستور ليتوافق مع هواها في الثمانينيات، وتخلت عن دورها الحيادي المفترض ودخلت كلاعب أساسي وفاعل في تحديد وجهة الانتخابات حتى قبل ظهور النتائج، بدعمها لمرشحين محسوبين عليها ومتوافقين مع توجهاتها من خلال ضخ المال السياسي في الساحة الانتخابية، وفتح أبواب الجهاز الإداري للدولة لهم، وهذه الممارسات بمجملها لم تشوه العملية الانتخابية بذاتها بقدر ما شوهت المجتمع بأسره وجعلته وكأنه جزر معزولة عن بعضها بعضا.

أعود للتأكيد بأن المشكلة ليست في آلية وطريقة ممارسة العملية الانتخابية، ولا هو خلل في العملية الانتخابية ذاتها، بل هو في الذهنية المجتمعية وطريقة تفكيرها، ولن ينصلح هذا الخلل إلا اذا آمنت الحكومة بالديمقراطية إيماناً حقيقياً، وقبلت نتائجها بحلوها ومرّها، وتخلت عن نظرية «فرّق تَسُد».

back to top