الجمهوريات الوراثية... وأزمات النظام العربي (1- 2)

نشر في 04-11-2009
آخر تحديث 04-11-2009 | 00:00
 فالح ماجد المطيري الحديث الدائر في الساحة السياسية في العزيزة مصر عن «حكاية» توريث رئاسة الجمهورية لجمال مبارك خلفاً لوالده، وانطلاق حملات مع وضد، على غرار «عايزينك» المؤيدة، و»مايحكمشي» الرافضة، وقبل ذلك عملية «التوريث» عن طريق «التصويت» التي تمت في سورية، يفتح المجال أمام مسألة في غاية الأهمية في صلب الأنظمة السياسية العربية، ومحددات تطورها وتراجعها، وآليات عملها، وهل ينطبق عليها فعلاً مسمى»أنظمة» سياسية؟ أم هي مجرد هياكل قامت ضمن مراحل حراك سياسي واقتصادي وثقافي معين وبدأت تتآكل مع مرور الوقت، لجمودها وعدم سعيها إلى تحويل ذلك الحراك الذي كانت نتيجة له إلى عمل مؤسسي في إطار دولة مدنية تحكم بمؤسسات دستورية، واكتفائها بالدوران حول شخص الزعيم الأوحد؟!

الخطوة السورية و»النية» المصرية، كانتا عاملي تشجيع لبعض رؤساء الجمهوريات الآخرين «للتفكير بجدية» في مسألة توريث مناصبهم لأبنائهم، في اليمن وليبيا وربما بدرجة أقل في تونس، التي تختلف ظروفها الداخلية ومحددات التوريث بها عن غيرها من الجمهوريات التي ورَّثت أو التي تنوي التوريث، ولكنهم بظني في انتظار ما ستسفر عنه «النوايا» المصرية، فبحكم المؤثرات التاريخية، والثقل السياسي لمصر، فإن الخطوة المصرية ستكون العامل النهائي لحسم موضوع التردد في التوريث لدى عدد من الرؤساء العرب.

وبالمقارنة بين ما تم في الجمهورية السورية و»النوايا» المصرية، فإنه بالإمكان قراءة عدد من المؤشرات، سهلت بشكل ما الخطوة السورية، ولنرى إن كان بإمكان الحالة المصرية أن تسير إلى التوريث المزعوم، بالسهولة نفسها أم أن تكون حالة الداخل المصري والمزاج الشعبي، عاملي إعاقة لهذا المشروع؟

بالنسبة للحالة السورية، فقبل تولي الرئيس بشار الأسد، كان الحديث يجري في سورية وخارجها عن «التجهيز» الفعلي للشقيق الأكبر «باسل الأسد» لوراثة والده، ولم تكن هناك حالة معارضة ظاهرة لهذا الأمر، سواء على مستوى الشارع الشعبي أو بداخل الهياكل العاملة في الحزب الحاكم، فعلى مستوى الشارع الشعبي، لم يكن هناك معارضة فعلية وظاهرة للنظام، وكان ولايزال حزب «البعث» الحاكم هو المسيطر على مفاصل الدولة ومؤسساتها، فلا صوت يعلو فوق صوته، الذي كان ينتشر عبر ثلاث صحف يومية «تصدر جميعها من نفس المبنى والمطبعة».

وعلى مستوى الحزب، فبعد الحركة «التصحيحية» أصبح الرئيس الراحل حافظ الأسد هو الشخصية المحورية والمسيطرة علي الحزب وقرارته، وتم بالتدريج تفريغ مبادئ الحزب من محتواها النضالي وبعدها القومي، والغريب أن حالة التفريغ لحزب البعث هذه، تمت في جناحيه «العراقي» والسوري»، ففي سورية تحول الحزب ممثلاً للأقلية النصيرية، وإن حاول أن يظهر بغير ذلك المظهر من خلال إبراز بعض الوجوه من السنّة أو غيرهم، إلا أن دهاء الراحل حافظ الأسد تجلى بحرصه أن تكون وجوها غير ذات تأثير أو أن يكون لها أطماع سلطوية، وتحولت «قرية القرداحة» في اللاذقية مسقط رأسه إلى الركن القوي الذي يلجأ إليه، وتكررت الحالة في العراق بالأسلوب نفسه، فتحول حزب البعث الحاكم إلى ممثل للأقلية السُنّية العربية، وإن تم إبراز وجوه كردية وشيعية أو حتى مسيحية، ولكنها وجوه ينطبق عليها المقياس نفسه في الحالة السورية، من حيث محدودية تأثيرها وطموحها، وبنفس السلوك أيضا تحولت «قرية العوجة» في تكريت، مسقط رأس صدام حسين، إلى الحصن الذي يلجأ إليه الحزب، ولكن حادث وفاة باسل الأسد «المفاجئ» والتدهور المتسارع لصحة الأب، دفع ببشار إلى الواجهة، وقد كانت الطريقة التي تم بها «تعيينه» رئيساً للجمهورية، معبرة بكل وضوح عن حالة الفراغ المؤسسي الذي تعيشه الجمهورية السورية، وكانت «الاحتفاليات» المرافقة تعكس بكل وضوح انعدام أي معارضة حقيقية في الداخل الشعبي أو الحزبي.

وبمقارنة «النوايا» المصرية، وقياس مدى إمكان سيرها على خطى شقيقتها السورية، يبدو أن هناك الكثير من الصعوبات والمعوقات تقف في وجه هذه «النوايا» إن صحت، فالنظام الجمهوري المصري، يحصل على مشروعيته من انتمائه إلى «ثورة يوليو»، وإن كان قد قطع كل صلاته الفعلية بها، منذ أن قام الراحل أنور السادات بحركة «15 مايو»، فإنه مازال يعلن انتماءه لها في «الأعياد والمناسبات الرسمية»،»15 مايو» لم تكن مجرد انسلاخ للسلوك السياسي لأنور السادات عن موروث «الفترة الناصرية»، على المستوى السياسي من خلال الصلح مع الكيان الصهيوني وتوقيع اتفاقية «كامب ديفيد» ببنودها المعلنة أو غير المعلنة، أو انتهاج سياسة اقتصادية، يقال إنها رأسمالية، اصطلح على تسميتها «بسياسية الانفتاح» لإعطاء انطباع بأن سياسة عبدالناصر الاشتراكية، كانت سياسة «انغلاق»، ولست هنا بصدد تقييم أى السياستين أفضل، وإن كنت لا أخفي انحيازي المطلق لعبدالناصر وسياسته بمجملها، وفق حالتها ومقاييسها في تلك الفترة.

وأثناء سيره الحثيث للخروج من الإرث الناصري، اندفع السادات للتحالف مع القوى الدينية والقوى اليمينية المعادية والمتضررة من العهد الناصري وسياساته، ولضرب الجماعات الناصرية وحلفائها من الجماعات اليسارية، لتقديم نفسه لحلفائه في العالم الغربي بأنه مختلف عن سلفه، فسمح بتأسيس الأحزاب السياسية وظهور ما سمي «بصحف المعارضة»، وهي معارضة كان مرسوماً لها أن تتحرك في هامش معين ولا تخرج عنه، أي أن تكون معارضة تفيد النظام ولا تضره، ولكن حساب الحقل لم يتوافق مع حساب البيدر، فالقوى الدينية التي استقوى بها السادات لضرب الوجود الناصري، لم تكن تتوافق إيديولوجياً وعقائدياً مع سياسة الصلح مع الكيان الصهيوني، ومن المفارقة أنها التقت في هذه الجزئية مع الرموز الناصرية واليسارية الأخرى، وحاولت أن تعيق خطواته للمضي في هذا الاتجاه، حتى ضاق صدره بهم جمعياً وقامت الأجهزة الأمنية باعتقالات واسعة شملت الجميع فيما عرف باعتقالات «سبتمبر»، وكانت مقدمة لاغتياله على يد حلفائه من الجماعات الدينية.

back to top