الجمهوريات الوراثية... وازمات النظام العربي (2- 2)

نشر في 06-11-2009
آخر تحديث 06-11-2009 | 00:00
 فالح ماجد المطيري عندما تولى الرئيس حسني مبارك- خلفاً للرئيس السادات بعد اغتياله على يد حلفائه من الجماعات الدينية- حاول أن يرمم الكثير من الانشقاقات التي اعترت الجدار الوطني المصري، بمحاولة القيام بخطوات على مستوى التنمية الاقتصادية والسياسية، وحاول العودة إلى حضن ثورة «23 يوليو» بتقريب عدد من المحسوبين عليها، «بشكل أو بآخر»، وإسناد بعض المناصب السياسية لهم، مثل عمرو موسى، ومصطفى الفقي، وصفوت الشريف، فخلاف النظام مع التيار الديني «حليف الأمس» تحول إلى حالة عداء ظاهر وحرب معلنة.

وفي بداية عهده لم يحاول أن ينقلب على الديمقراطية التي كانت سائدة في المجتمع، مثلما كان متوقعاً، بل إنه وللمفارقة دفع في باتجاه توسيعها، ولكن بقدر وحساب معينين، حيث كان المراد منها أن تكون «ديمقراطية حرية كلام» وليست «ديمقراطية المشاركة في صنع القرار».

وبالعودة إلى الحديث عن ترشيح جمال مبارك، وهو بالمناسبة «مجرد حديث» يتم تناقله في الأوساط السياسية والشعبية، حيث لم يعلن شيء «رسمي» إلى الآن سواء بتأكيد أو نفي هذه «النية»، ولم يقم الرئيس حسني مبارك بأي دعم معلن في هذا الاتجاه، ولم ينفِ نفياً قاطعاً أيضاً، بل إنه أعلن في أكثر من مناسبة أن الرئيس القادم «سينتخب ديمقراطياً»، وهي عبارة تحتمل «التأويل» على أكثر من معنى، وبالاصطلاح الشعبي المصري «تترك الباب موارباً» للاحتمالات كافة.

ولكن بالمقارنة مع الحالة السورية، هل الرئيس حسني مبارك قادر على «دعم» ترشيح ابنه رئيساً لمصر؟

وفي رأيّي أن معطيات الواقع المصري شعبياً وحزبياً تبدو غير مواتية للرئيس للسير على النهج السوري بالسهولة نفسها، لأسباب عدة منها:

- على المستوى الحزبي، الرئيس مبارك لا يملك الكارزمية والدهاء اللذين كان يملكهما الراحل حافظ الأسد ومكَّناه من السيطرة على الحزب الحاكم في سورية، وبالتالي فرض إرادته بشكل مطلق على قرارات الحزب بما فيها «التوريث»، بل إن الحزب الوطني الحاكم في مصر، فيه من «مراكز القوى» والشخصيات المسيطرة ما يمكن أن يعيق الكثير من «نوايا الرئيس»، بالإضافة إلى أن الراحل الأسد قد عاش تفاصيل الحياة السياسية السورية منذ بدايات الخمسينيات، وتفاعل مع الكثير من مؤامراتها وانقلاباتها إلى أن وصل إلى سدة الرئاسة مما مكنه أن يمسك بجميع خيوط اللعبة السياسية في يديه، بينما الرئيس مبارك لم يظهر إلى الواجهة إلا بعد حرب أكتوبر حينما برز اسمه كقائد لسلاح الجو المصري فيها، ودخل إلى الساحة السياسية بعد ذلك «كنائب للرئيس»، وهو منصب «شرفي» لا يتيح لشاغله التأثير الكبير في السياسة المصرية أو أن يكون أحد أطرافها الفاعلة.

- سياسة الانفتاح على الغرب التي اتبعها أنور السادات، بشقيها السياسي والاقتصادي، وسار على نهجها الرئيس مبارك، جعل من مصر عرضة للتأثر بالتقارير والتقييمات التي تصدر من المؤسسات والهيئات المهتمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما دفع النظام الحاكم في مصر أن «يخفف» قبضته بشكل ما تجاه الأصوات المعارضة لسياساته وأدائه، مما أتاح مجالاً للقوى المعارضة له أن تتحكم بجزء من الشارع وتشكل أفكاره بما يتعارض مع توجهاته السياسية والاقتصادية، بينما التحالف السوري مع الاتحاد السوفييتي السابق وكتلته الشرقية، المنعزلة بحكم الإيديولوجيا، جعلها لا تعمل حساباً كبيراً للعالم الغربي ومؤسساته الرسمية أو غير الرسمية في مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما مكن الحزب الحاكم في سورية من فرض سيطرته المطلقة على الداخل السوري، وبالتالي فرض سيطرته الكاملة على المشهد السياسي والتحكم بمطلق مخرجاته وتفاعلاته.

ما سبق ذكره من مؤشرات قد تعيق «نوايا التوريث» في مصر، يوازيها مؤشرات أخرى قد تسهل هذه النوايا إذا أريد السير في اتجاهها، نذكر منها:

- ضعف المعارضة، وتشتتها، وعدم وجود شخصية في الساحة المصرية تحمل صفات وكارزمية «الزعيم المميز» يمكن أن توحد صفوفها خلفه وتدعمه، إلا إذا استثنينا شخصية مثل السيد «عمرو موسى» الأمين العام الحالي للجامعة العربية، الذي يحظى بقبول شعبي، بدا واضحا بعد استبعاده من وزارة الخارجية قبل سنوات، بالإضافة إلى الخبرة السياسية الطويلة التي يتميز بها.

- الحزب الوطني في مصر تحول من «حزب حاكم» إلى «مؤسسة حكم»، فهو يسيطر على الكثير من مفاصل الدولة ومراكز اتخاذ القرار فيها، ومنها مجلسا الشعب والشورى، والكثير من المجالس المحلية، ووفق التعديل الذي تم على المادة «76» من الدستور المصري، فإن مَن يريد أن يترشح للرئاسة يجب أن يُزكّى من «250» عضواً من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية والنيابية، وهي نسبة تكاد تكون مستحيلة في ظل السيطرة السابق ذكرها.

في الختام يبقى موضوع انتخاب الرئيس في مصر ومتابعة شؤونها من أكثر المواضيع إثارة للاهتمام، فهي أكبر دولة عربية وما يحدث فيها يؤثر بالتبعية على مجمل الوضع العربي والشرق أوسطي، واستقرارها هو استقرار لجميع الدول العربية، وتبقى «حكاية التوريث» بين الأخذ والرد والتحليل، إلى أن يصدر ما ينفي أو يؤكد ذلك، وإن كان توقعي الشخصي أن يترشح الرئيس حسني مبارك لولاية أخرى، ولو أنه تم تعيين «نائب» لرئيس الجمهورية منذ فترة طويلة، كما يقتضي النظام الدستوري المصري، لسارت الأمور بشكل أقل إثارة مما هو حادث الآن.

back to top