مصر والجزائر... خارج المنطقة الخضراء!

نشر في 04-12-2009
آخر تحديث 04-12-2009 | 00:00
 فالح ماجد المطيري لم أكن أتوقع، كما غيري، أن تتطور تداعيات مباراة في كرة القدم بين بلدين عربيين يفترض أن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، وأن تصل إلى مرحلة جعلتنا «فرجة» للعالم، ولكنها، كما يقول المثل «مش حكاية رمانة حكاية قلوب مليانة»

وبعيداً عن مسألة الانحياز إلى أي من المعسكرين، ومَن المصيب أو المخطئ؛ ومن الجاني ومن الضحية؟ فقد كشفت لنا الأحداث التي سبقت وتلت موقعتي القاهرة وأم درمان أن الضحية الحقيقية هي «العقل الجمعي العربي»، الذي تعرض علي أيدي جميع الأنظمة العربية- ولا أستثني منهم أحداً كما قال الشاعر مظفر النواب- إلى التهميش المبرمج والتغييب المتعمد، فأصبحنا أمة بلا عقل يفكر ويزن الأمور بميزانها الصحيح.

مؤسف جداً أن يتحول «عقلنا الجمعي» إلى كرة منفوخة بهواء الكره الفاسد! ومحزن جداً أن نهلل ونكبر «وعقلنا الجمعي» تتقاذفه أقدام اللاعبين «الرياضيين والسياسيين»، فكلهم يلعبون بنا وعلينا!

مبكية جداً حالنا عندما أقارن بين ما حل بنا بعد موقعتي القاهرة وأم درمان وما حدث بعد مباراة فرنسا وإيرلندا، فبرغم اعتراف الفرنسي تيري هنري بأنه مرر الكرة بيده؛ لم نرَ الإيرلنديين يلاحقون الفرنسيين في الشوارع، ولم نسمع المحطات الفرنسية «تردح» لإيرلندا وتذكّرها بتفاهتها أمام الحضارة الفرنسية... أتعرفون لماذا؟ لأن العقل الأوروبي «الكافر» عقلٌ واعٍ، والعقل الواعي يضع الأمور في نصابها الصحيح؛ ويقودها إلى الوجهة المنطقية، ويعرف من أين تبدأ؟ وإلى أين تنتهي؟

مخجلٌ جداً عندما تحاول الأنظمة العربية تصدير أزماتها إلى الخارج وخلق عدو وهمي، أو تحاول ترحيلها من الواجهة، ولو مؤقتاً، لكسب مزيد من الوقت أو الإلهاء الغبي لشعوبها.

ومخجل أكثر حينما ينجرف آلاف الشباب وراء هذا الأسلوب الدعائي للأنظمة المتخلفة، فهل الوصول أو الحصول على كأس العالم سينقذ الشباب الجزائري ممن يسمون «الحيطيست» من الوقوف طوال النهار مستندين إلى الحائط بلا عمل؟ أم سينقذ مَن يسمون «الحراقة» الهاربين من سوء الأوضاع والبطالة من غياهب البحر المجهول أو سجون خفر السواحل في إيطاليا وفرنسا؟

هل كأس العالم سينقذ الآلاف من الشباب المصري من انتظار «جواب التعيين» من القوى العاملة وتحقيق حلم الحصول على جنيهات معدودة في نهاية كل شهر؟

وهل كأس العالم ستوفر شقة لعاشقين غزت التجاعيد ملامحهما، وهما ينتظران حلم الشقة أو الشقة الحلم؟

وهل كأس العالم ستنقذ آلاف المصريين من «البهدلة» في بلدان «الكفيل»؟

بحكم معايشتي عن قرب للإعلام في البلدين، فإنني وبكل صراحة لا أعتب على الإعلام الجزائري، الذي صور أن المباراة «حياة أو موت»، فهو إعلام مراهق لم يبلغ سن «الرشد المهني» بعد! لكن العتب على المؤسسة الإعلامية المصرية ذات التاريخ العريق التي سمت المباراة «حلم 80 مليون مصري»! التي بدأت في الفترة الأخيرة تدخل مصر وتاريخها في معارك خاسرة، بعد أن هجرتها الكفاءات المحترفة، واحتلها أهل الولاء على حساب أهل الكفاءة!

فبعد معركة إعلامية مع الأردن إثر توقيع اتفاق «وادي عربة»، إلى معركة مع قطر و»جزيرتها»، مروراً بالمعركة الإعلامية الشهيرة مع «حزب الله» وقائده، وصولاً إلى المعركة الأخيرة مع الجزائر؛ كانت مصر هي الخاسرة!

ففي كل المعارك السابقة مع الأسف تقزمت مصر وتعملق الآخرون، لا لكفاءتهم، ولكن لأن الإعلام المصري يزج بتاريخ مصر في كل مواجهة حتى إن كانت هامشية.

أحمد الله أن مصر والجزائر ليس بينهما حدود مشتركة، وإلا كنا رأينا الأسوأ!

رحم الله جمال عبدالناصر ورحم تلك العجوز التي كانت تصرخ في جنازته «سايبنا لمين ياريس».

back to top