الحنين إلى أيام مبارك!

نشر في 15-01-2017
آخر تحديث 15-01-2017 | 00:12
لا يمكن إنكار أن هناك تناسباً طردياً بين تحسن صورة مبارك وتفاقم الأزمات والمشكلات التي تعرفها مصر وتعجز عن حلها الإدارة، ولا يمكن إنكار أن جمال مبارك يمكن أن يُجير هذا الرصيد لمصلحة مستقبله السياسي.
 ياسر عبد العزيز عندما قال لي صديقي المثقف، الذي كان ناشطاً في "انتفاضة 25 يناير"، متحدثاً عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك: "أموت وأعرف كان ممشيها إزاي"، عرفت أن تحولاً جوهرياً طرأ على المزاج الشعبي العام حيال هذا الرئيس. لقد جرت تحولات كبيرة في وسائل الإعلام الشعبية حيال صورة مبارك وعصره؛ إذ بات من المعتاد سماع المديح له ولأعضاء أسرته كل يوم تقريباً، في إحدى المحطات التلفزيونية، أو قراءته في مقال على موقع إلكتروني أو صحيفة.

سيمكننا أن نعزو ذلك إلى التغيرات الفارقة في أنماط ملكية وسائل الإعلام في مصر، وتركز معظمها راهناً في أيدي رجال أعمال أو جهات معادية لـ"انتفاضة يناير"، وسيمكننا أيضاً أن نربط بين معاداة "الانتفاضة" ومدح النظام الذي تمكنت من إطاحة رأسه.

لكن المسألة تجاوزت أنشطة "الميديا" المعروفة في "غسل الأدمغة" و"تسويق السياسيين والسياسات"، لكي تصبح مقولات "التعبير عن الحنين إلى مبارك وزمنه" جزءاً من الحوار اليومي في بيئات متعددة، ربما يجمعها تزعزع اليقين، والشكوى المتكررة من الأزمات المتلاحقة، وغلاء الأسعار.

لا توجد في مصر صناعة استطلاع رأي معتبرة، كما يمكن التشكيك في نتائج استطلاعات الرأي التي تجريها جهات عالمية ذات خبرة ووجاهة في هذا الصدد، بسبب طبيعة المجتمع وميراثه الثقافي وبعض العادات والتقاليد السائدة، ومع ذلك، فيمكنني، بكثير من الاطمئنان، المجازفة بالقول إن أي استطلاع للرأي يتحلى بدرجة من الكفاءة والمنهجية معقولة، سيُظهر، على الأرجح، تغيراً ملموساً في صورة مبارك وعائلته، وأن هذا التغير سيصب في مصلحة هذا الرئيس وأيامه.

ببراغماتية مثيرة للاهتمام، يتحدث يساريون وإسلاميون وليبراليون وناصريون، ومواطنون مهتمون بالشأن العام، عن زمن مبارك باعتباره "نصف العمى"، ويقارنون هذا الزمن بما يعتبرونه الآن "عمى كاملاً"، دون أن يتخلوا عن موقفهم التقليدي تجاه الرئيس الأسبق، باعتباره "فاسداً وبليداً وساعياً إلى توريث البلد لنجله".

بعض معارضي مبارك الكبار، الذين أدوا أدواراً مهمة في إطاحته، ومساندة مسار "30 يونيو"، ودعم الرئيس السيسي وتأييد ترشحه للرئاسة، لا يتوقفون عن "الإشادة" ببعض سياسات مبارك، أو التحدث عنه بـ"إنصاف"، حين يقارنون بين سياسات حكومات ما بعد "30 يونيو"، ونتائجها، وبين سياسات فريق مبارك السياسي الأساسي، في العقد الأخير من حكمه، الذي شهد نمواً اقتصادياً واستقراراً لافتين.

لقد قرأت عبارة "الحنين إلى مبارك" عشرات المرات في السنتين الأخيرتين، وأنت نفسك يمكنك إيجادها على محركات البحث الشهيرة، وستندهش حين تعثر عليها منشورة في مقالات ببعض الصحف العالمية النافذة، أو على ألسنة معارضين، ليس بالضرروة باعتبارها "طلباً" أو "تحبيذاً"، وإنما أيضاً باعتبارها "توصيفاً يتوخى الموضوعية" في كثير من الأحيان.

"الحنين إلى مبارك" إذاً صيغة موجودة يمكن أن نناقشها، دون أن يعني ذلك بالضرورة أنها تضع هذا الأخير في مكانة رفيعة لا تطولها الشكوك وتطعن في فحواها الوقائع وتُجرّحها أحكام المحاكم ووقائع الفساد والبلادة المعلنة.

يوم الأحد الماضي، تقابل منتخبا مصر وتونس لكرة القدم في منازلة، باستاد القاهرة، حيث كان جمال مبارك، وشقيقه علاء، حاضرين في صفوف الجماهير، كعادتهما في المنازلات الكروية الوطنية التي سبقت إطاحة حكم والدهما، في فبراير 2011. وقد كان لافتاً تجمع عدد من أفراد الجمهور حولهما، ومطالبة البعض بالتصوير معهما، بحيث يمكننا أن نصف استقبالهما في هذا المحفل العمومي بأنه "مميز ودافئ ومثير للاهتمام". سيقول البعض إن ثمة ترتيباً جرى لتخرج الصورة على هذا النحو من الإشراق، بحق رجلين دينا، مع والدهما، في جريمة فساد، وأمضيا عقوبة السجن لثلاث سنوات، وينتظران نتائج محاكمة كبيرة أخرى، لا تزال وقائعها جارية، تحت اسم "التلاعب في البورصة"، وهي محاكمة قد تأخذهما إلى السجن من جديد.

لست متفقاً مع هذا التحليل، رغم عدم استبعاد استخدام أنشطة العلاقات العامة والتسويق السياسي في عمليات التضاغط والتنافس التي تشهدها البلاد راهناً، لأن المناخ العام ببساطة يفضي إلى مقابلة من هذا النوع واستقبال بهذا السمت.

ثمة أكثر من 30 صفحة على موقع "فيسبوك" تدعو إلى انتخاب جمال مبارك رئيساً للجمهورية، وهي صفحات تختلف تماماً عن تلك التي نشأت غداة إطاحة الأب، تحت اسم "آسفين يا ريس"، وغيرها.

إحدى هذه الصفحات تتخذ لنفسها عنواناً: "حملة ترشيح جمال مبارك للانتخابات الرئاسية 2018"، وقد بلغ عدد متابعيها أكثر من مئة ألف متابع. حين سأل صحافيون جمال مبارك، أثناء مشاهدته المباراة، عن إمكانية ترشحه لانتخابات الرئاسة بالفعل، أظهر رد فعل مثيراً للاهتمام؛ إذ لم ينف، ولم يؤكد، مكتفياً بالقول: "لا تعليق... خلينا في الماتش".

لكن جمال لا يمكنه أن يترشح للرئاسة، نظرياً على الأقل، لكونه دين، وأمضى عقوبة السجن، في جناية، وهي مسألة تفقده الاعتبارات القانونية والأخلاقية والسياسية الضرورية لخوض الانتخابات وممارسة حقوقه السياسية.

ومع ذلك، فسيمكنني سماع صوت جمال مبارك، أو أحد أعوانه يهمس له، قائلاً، في تفنيد هذا الطرح: "وهل ما جرى في مصر على مدى السنوات الست الأخيرة ينطوي على أي اعتبار قانوني أو أخلاقي أو سياسي؟!".

لا يمكن إنكار أن هناك تناسباً طردياً بين تحسن صورة مبارك وتفاقم الأزمات والمشكلات التي تعرفها مصر وتعجز عن حلها الإدارة، ولا يمكن إنكار أن جمال مبارك يمكن أن يُجير هذا الرصيد لمصلحة مستقبله السياسي.

ومع استبعاد إمكانية أن يكون لجمال مستقبل في حكم مصر، لأسباب عديدة؛ بعضها يتعلق بالقطاعات الحية في الجمهور والنخب، وبعضها الأهم يتعلق بالمؤسسة العسكرية، صاحبة أكبر قدر من الثقة والصلابة والفاعلية في تقرير مصير البلاد، يبقى أن نحلل الأسباب التي أدت إلى هذه الخلاصة، وأن نستشرف انعكاساتها.

وببساطة شديدة؛ فإن إدارة الرئيس السيسي مطالبة بانتهاج سياسات أكثر رشداً ونجاعة، وانفتاحاً على الطاقات المبدعة والكفاءات، للحد من التراجع العمومي، الذي ازدهرت في جنباته ملامح الحنين إلى مبارك، وقبل أن تنشأ بسببه ملامح حنين إلى "الإخوان".

* كاتب مصري

back to top