خاص

رفسنجاني التاجر ورجل الدين الذي شكل إيران بعد الثورة (2/2)

• وضع ثقله لإيصال مستشاره محمد خاتمي للرئاسة لكنه اصطدم به لاحقاً
• رفض الالتحاق بالمحافظين أو الإصلاحيين واعتبر نفسه وسطياً معتدلاً
• تعرض لأكبر محاولة عزل في 2009 لكنه عاد من خلال تلميذه روحاني

نشر في 11-01-2017
آخر تحديث 11-01-2017 | 00:04
في هذه الحلقة الثانية الأخيرة من استعراض حياة الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، نتطرق إلى المرحلة الثانية من حياته السياسية، أي بعد انتهاء ولايته الرئاسية الثانية، واتساع الهوة بينه وبين المرشد الأعلى علي خامنئي، وتأسيسه ما يعرف بـ«الإصلاحيين»، من خلال دعمه للرئيس السابق محمد خاتمي للوصول إلى سدة الرئاسة، ووضع كل إمكاناته ونفوذه لتأمين فوزه ومده بجبهة نيابية تدعمه في مجلس الشورى.
قبل انتهاء الولاية الثانية للرئيس الإيراني الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بدأ البحث عن إعادة تغيير الدستور، كي يسمح لرئيس الجمهورية بأن يرشح نفسه للمرة الثالثة، لكن رفسنجاني، الذي كان لايزال يعتبر نفسه أقوى رجل في إيران، عارض هذا الموضوع، معتبراً أنه «إذا كنا نريد أن تكون البلاد على هذا المنوال لكنا احتفظنا بالشاه».

دعم خاتمي

لكن رفسنجاني لم يخطط للتقاعد، بل كان يبحث عن رئيس «شكلي»، ووجد في محمد خاتمي مستشاره، الذي كان يعتبر شخصية ثقافية اجتماعية غير سياسية، شخصا مناسبا لهذا الأمر، فدفع خاتمي للترشح مقابل مرشح العلماء التقليديين ناطق نوري رئيس مجلس الشورى في ذلك الحين.

واستطاع خاتمي جذب اليساريين الذين كانوا خرجوا من السلطة بفضل دعم رفسنجاني له الذي أوعز لأمين رئيس بلدية طهران غلام حسين كرباسشي (الذي كان يتولى رئاسة حزب كاركزاران الموالي لرفسنجاني) تأمين الدعم المالي والإعلامي والسياسي الذي يحتاجه خاتمي كي يصل الى كرسي رئاسة الجمهورية.

رحيله يلقي مسؤولية على «الجيل الثاني»

حضور رفسنجاني في السياسة الإيرانية تخللته مطبات كثيرة، لكنه استطاع العبور منها، وكان دوماً إحدى ركائز النظام.

ومع وفاة رفسنجاني يبقى فقط المرشد علي خامنئي من «الآباء المؤسسين»، وتقع مسؤولية استمرار النظام على عاتق الجيل الثاني من الثورة من امثال محمد خاتمي وحسن روحاني وغيرهما.

وعلى الصعيد الانتخابي، الرئيس حسن روحاني كان يعول كثيراً على دعم رفسنجاني له، خصوصا في مواجهة المشاكل العديدة الاقتصادية والأمنية والسياسية التي يواجهها، لكنه اليوم خسر أكبر سند له. وبما أن زعماء التيار الإصلاحي مثل محمد خاتمي، ومهدي كروبي، ومير حسين موسوي هم اليوم في الإقامة الجبرية، فإن رفسنجاني كان الزعيم الوحيد الذي كان يمكن التعويل عليه للعب دور في السياسة الداخلية، وكان بإمكانه الوقوف أمام الشخصيات الدينية المحافظة. وبعد وفاة رفسنجاني فإن التيارين الإصلاحي والمعتدل عليهما أن يبحثا عن أب روحي جديد، الأمر الذي ممكن أن يحتاج إلى وقت يزيد على الأشهر الخمسة المقبلة المتبقية لحلول الانتخابات.

تأسيس «الإصلاحيين»

وخاتمي الذي كان قد استقال من وزارة الثقافة والإرشاد بسبب محاولته تطبيق سياسات رفسنجاني الثقافية الموالية للغرب، والتي كانت معروفة بالسياسات الإصلاحية (الثقافية) ومعارضة التقليديين له استطاع أن يصل إلى كرسي رئاسة الجمهورية بفضل دعم رفسنجاني، وبما أن حلفاء خاتمي كانوا من جهات مختلفة، وكانوا يحتاجون إلى عنوان يجمعهم فاستعملوا عنوان الإصلاحيين لمجموعتهم.

في المقابل، قام معارضو الإصلاحيين بتجميع قواهم، واستعملوا عنوان الأصوليين أو المحافظين، ومنذ ذلك الحين سيطر هذان التياران على الحياة السياسية الإيرانية.

الاصطدام

بعد انتخاب خاتمي عام 1997 فرض رفسنجاني عليه تعيين أخيه محمد هاشمي رفسنجاني كمساعد تنفيذي في الحكومة الجديدة، كي تبقى جميع الأمور التنفيذية في البلاد تحت سيطرته.

وعلى عكس تصور رفسنجاني، فإن شخصية خاتمي الثقافية والمنفتحة على الشعب، ووعوده باتباع سياسات الإصلاح الثقافي والاجتماعي، فسحت له المجال لكسب شعبية كبيرة في وقت قصير، ولم يعد خاتمي يقبل أن يبقى «محللا» لكرسي رئاسة الجمهورية، بل اعتبر نفسه زعيما للتيار الإصلاحي.

الحديث عن خلافة خامنئي يتجدد

كان الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني المرشح الأوفى لخلافة المرشد الحالي علي خامنئي، لكن بعد وفاته تجدد الحديث عن خلافة المرشد.

وقالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن إبراهيم رئيسي (56 عاما) الذي يشغل منصب أمين الروضة الرضوية، المنظمة المسؤولة عن أكثر أضرحة إيران قدسية، مرقد الإمام علي بن موسى الرضا، في مدينة مشهد أكبر مدن إيران، قد تم إعداده على ما يبدو ليكون أحد أبرز المرشحين لهذا المنصب.

وقوفه في الوسط

اليساريون الذين كانوا قد عادوا إلى السلطة باسم الإصلاحيين ضغطوا على رفسنجاني، وطالبوه باتخاذ موقف من الاجنحة السياسية المتصارعة، لكنه رفض واعتبر نفسه فوق الجميع ولا يمكن له أن ينضوي تحت أي تيار اصلاحي كان أو اصولي وأعلن انه في الوسط وانه معتدل.

حملات «إصلاحية» ضده

وبدأ الاصلاحيون حملات إعلامية عنيفة على سياسات رفسنجاني الاقتصادية، واتهموه واتهموا عائلته باستغلال موقعه السياسي، وصدرت عشرات الكتب والمقالات ضده وعائلته وسط صمت مطبق من قبل المحافظين الذين كانوا منهمكين في بحث كيفية العودة الى السلطة.

خامنئي يستميل المحافظين

وخلف الخلافات الشديدة التي كانت تحصل بين رفسنجاني والإصلاحيين الذين انقلبوا عليه، كان المرشد الأعلى علي خامنئي يجمع كل من يخرج من مظلة باقي الأجنحة السياسية تحت مظلته، وأكثرهم من المحافظين، بشرط أن يعمل من أجل تعزيز سلطة الولي الفقيه.

أول خسارة

ووصل مدى التشهير برفسنجاني وعائلته إلى مستوى لم يسبق له مثيل. وفي انتخابات عام 1999 حصل على آخر مقعد نيابي من أصل 30 في مدينة طهران في انتخابات مجلس الشورى (البرلمان) بصعوبة، واضطر الى الاستقالة لأنه كان يعلم أنه لن يستطيع الفوز برئاسة المجلس.

وعندها صب المحافظون غضبهم على أنصار رفسنجاني، بسبب فتحهم المجال للإصلاحيين للعودة الى السلطة، حيث قاموا بسجن أقوى حليف لرفسنجاني، محافظ طهران، غلامحسين كرباستشي، الذي صنع من خاتمي رئيسا للجمهورية، باتهام اساءة صرف اموال البلدية، ونكلوا بباقي حلفائه.

تراجع السياسي المخضرم كي يعيد خلط أوراقه من جديد، ولهذا لم يرشح نفسه امام خاتمي في انتخابات 2001، وكان يحضر نفسه لانتخابات عام 2005.

ولكن الإصلاحيين الذين كانوا يخشون عودته للانتقام منهم، استمروا في حملات التشهير به، وكانوا يتصورون أنهم سيستطيعون الفوز بانتخابات عام 2005.

وشارك رفسنجاني في انتخابات 2005 كمرشح معتدل، ونافس اربعة مرشحين محافظين، هم علي لاريجاني، ومحمد باقر قاليباف، ومحسن رضائي ومحمود احمدي نجاد من جهة، وثلاثة مرشحين إصلاحيين هم محسن مهر عليزاده ومصطفى معين ومهدي كروبي من جهة اخرى.

ولم يستطع اي مرشح كسب الاصوات اللازمة لحسم الانتخابات في الدورة الاولى، ولكن رفسنجاني ومحمود أحمدي نجاد صعدا للدورة الثانية.

وفي حين فوجئ الإصلاحيون بخسارة جميع مرشحيهم سارع المحافظون الى الاصطفاف خلف احمدي نجاد.

وبقي وضع الإصلاحيين مرتبكا حتى آخر عشرة أيام قبل التصويت للدورة الثانية، حيث قرروا دعم رفسنجاني على مضض، وتمكن أحمدي نجاد من الفوز.

انتخابات 2009

بعد انتخابات عام 2005 ووصول أحمدي نجاد للرئاسة، لم تتوقف الحملات على رفسنجاني، ووجد خامنئي الفرصة مؤاتية ليتحكم في كل القدرة السياسية والأمنية والعسكرية بالبلاد، فعزل رفسنجاني وتحالف مع أحمدي نجاد.

وفضل رفسنجاني عدم الترشح للانتخابات عام 2009، وكان يسعى لأن يصبح الاب الروحي للرئيس، ودعم مير حسين موسوي (العدو اللدود القديم ونسيب خامنئي حيث إن والداهما أبناء خال) ومهدي كروبي لمنافسة مرشحي المحافظين أحمدي نجاد ومحسن رضائي.

الثورة الخضراء

اثر إعلان نتائج تلك الانتخابات قام الاصلاحيون باتهام المحافظين بالغش، واستغل رفسنجاني منبر صلاة الجمعة في طهران للرد على أحمدي نجاد، واتهم الاصوليين بالغش وهاجم خامنئي بشكل غير مباشر، ما اضطر الأخير الى التدخل وحسم الموقف لمصلحة أحمدي نجاد ضد حليفه القديم، خاصة أن الوضع كان خارجا عن السيطرة وكادت البلاد تواجه فوضى وحربا داخلية بعد اندلاع تظاهرات الثورة الخضراء.

وإثر ذلك الحادث تم اعتقال جميع الذين كانوا يشككون في الانتخابات، وتم منع هاشمي رفسنجاني من إقامة صلاة الجمعة التي كان يقيمها منذ بعد انتصار الثورة بالنيابة عن الإمام الخميني حتى ذلك الحين.

وخلال السنوات الاربع التالية استطاع رفسنجاني التأثير على مرشد الثورة، وكسب قسم من وده من جديد، لكنه فوجئ بأنه جرى منعه من خوص انتخابات عام 2013 من قبل أشخاص عينهم هو قبل سنوات في مناصب حكومية مختلفة.

لكن السياسي العريق كان يحضر لمفاجأة أخرى في جيبه، وهي تلميذه حسن روحاني الذي ترشح للانتخابات كـ»خطة باء»، ونجح في العبور من متاريس لجنة صيانة الدستور.

الاصلاحيون دخلوا في هذه الانتخابات بعدة مرشحين ايضا، واستطاع محمد رضا عارف، المساعد الاول السابق لمحمد خاتمي، أن يعبر من مصفاة مجلس صيانة الدستور.

عودة التلاقي مع خاتمي

وخلال الانتخابات تيقن الجميع أن عارف لن يستطيع النجاح، وعليه قام خاتمي ورفسنجاني بالتوافق بسحب ترشيح عارف لمصلحة روحاني، واتفقا على انه إذا وصل روحاني لرئاسة الجمهورية يتم تعيين محمد رضا عارف مساعدا اول لرئيس الجمهورية.

وعليه اصطف الإصلاحيون والمعتدلون جميعا في جبهة روحاني، في حين فشل المحافظون في الاصطفاف خلف مرشح واحد، وانقسمت أصواتهم بين مرشحيهم الثلاثة محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي وعلي اكبر ولايتي.

نقض الاتفاق

على الرغم من الاتفاق السابق بتعيين عارف مساعدا أول له قام روحاني بتعيين اسحاق جهانغيري أحد رجال رفسنجاني في هذا، متحججاً بأن خامنئي لم يوافق على تعيين عارف.

ولم يخف على أحد أن عراب حكومة روحاني كان رفسنجاني، وأن أكثر وزراء الحكومة من إصلاحيين ومحافظين هم من المقربين الى رفسنجاني، وان روحاني كان يستشير معلمه في كل كبيرة وصغيرة.

انتخابات «الشورى» و«الخبراء» 2015

الخطة الجديدة لهاشمي رفسنجاني كانت تقضي بأن يسيطر على مجلسين هما مجلس خبراء القيادة ومجلس الشورى في الانتخابات التي كانت تلي انتخابات رئاسة الجمهورية، وعليه فقد استمر في تحالفه مع الإصلاحيين، لكن ضمن حدود كان هو يرسمها.

وفي انتخابات مجلسي الشورى وخبراء القيادة عام 2015 استطاع ائتلاف الإصلاحيين والمعتدلين إدخال اكثر مرشحيهم لمجلس الشورى، حتى المرشحين الذين لم يكونوا معروفين.

لكن بالنسبة لمجلس خبراء القيادة لم يستطيعوا تجميع العدد الكافي من المرشحين كي يسيطروا على هذا المجلس، إذ إن شروط الترشح لهذه الانتخابات تنطبق عادة على شخصيات هم عموما من رجال الدين المحافظين فقط.

وحاول رفسنجاني طرح مشروع تشكيل لجنة لقيادة البلاد بدل وجود قائد واحد هو الولي الفقيه، ولكن مشروعه هذا لم يلق صدى في مجلس خبراء القيادة الذي يسيطر عليه المحافظون، ولم يستطع الوصول الى رئاسته السابقة لهذا المجلس ايضا. ورب صدفة ان رفسنجاني توفي في نفس اليوم الذي يصادف ذكرى وفاة «امير كبير».

مئات الآلاف يشاركون في التشييع

شارك مئات الآلاف أمس في طهران في تشييع رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني.

وأم المرشد الأعلى علي خامنئي صلاة الجنازة على رفسنجاني. ورافقه في الصلاة كبار المسؤولين في الدولة، ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، وشقيقه رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني.

كما شاركت شخصيات من مختلف الأطياف السياسية والعسكرية في الجنازة التي جرت في حرم جامعة طهران، بينهم الرئيس المعتدل حسن روحاني، وقائد «فيلق القدس» المسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني.

وقال شاهد عيان بالهاتف من طهران، إن «البعض كانوا يرددون شعارات تطالب بالإفراج عن السجناء السياسييين، وهتف بعض المتشددين قائلين الموت لأميركا. لكنهم لم يشتبكوا. الجميع كانوا محترمين».

back to top