رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة حسن الشافعي: «العربية» لن تموت رغم ضعفنا وترهلنا

نشر في 08-01-2017
آخر تحديث 08-01-2017 | 00:10
 رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة الدكتور حسن الشافعي
رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة الدكتور حسن الشافعي
طالب رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة الدكتور حسن الشافعي بإصدار تشريع جديد للغة العربية في مصر، ودعا إلى ضرورة اجتياز المشتغلين في العمل العام اختباراً في اللغة الفصحى، أسوة بما فعله الأردن في عام 2015.
وتوقع رئيس مجمع اللغة العربية في حواره مع «الجريدة» عودة الدراسة في الأزهر الشريف في مصر إلى ما كانت عليه قبل استحداث كليات علمية تحت مظلته في بداية حقبة الستينيات. إلى نص الحوار.
لديكم اثنان من القوانين تختصّ باللغة العربية، فما أسباب الدعوة التي أطلقتموها أخيراً لتشريع جديد؟

القوانين التي صدرت منذ سنوات مضت قوانين جزئية، وأظنك تقصد في سؤالك قانوني 1958، و2008، وهما قانونان جزئيان، أي يعنيان بجانب من الجوانب ولا يتناولان اللغة العربية وواقعها بشكل شامل.

صدر قانون عام 1958 في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بوصفه رئيس الجمهورية العربية المتحدة آنذاك، في ظل الزخم الوحدوي والعروبي الذي شهده العالم العربي أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، وعني هذا القانون خصوصاً بالمجالات الصناعية والتجارية والتعليمية إلى حد ما. ثم جاء قانون 2008 فاهتم بدور مجمع اللغة العربية، بعدما كان دوره قاصراً على تقديم التوصيات من دون أن تكون ملزمة للجهات المعنية بها، إذ كان الأمر متروكاً للهيئات المختلفة، فألزم القانون الجهات الحكومية والأجهزة المدنية بأن تأخذ توصيات المجمع بعد نشرها في الجريدة الرسمية باعتبارها ملزمة وليست مجرد نصائح أو مشاورات.

وما الذي يهدف إليه مشروع القانون الجديد الذي تأملون في خروجه إلى النور؟

نحن في مشروعنا الجديد نحب أن يكون لدينا قانون شامل موحد، وهذا ليس أمراً جديداً، فالأنظمة كافة في المجالات المختلفة تبدأ على النحو الذي سارت عليه مسألة تقنين التعامل مع اللغة العربية في المجال العام، ثم تنمو وتُجمع في إطار شامل ومجدد ومحدث.

وعلى سبيل المثال، ينصّ بعض مواد التشريعات التي صدرت في السنوات الماضية، على معاقبة المخالفين بغرامة قيمتها عشرة جنيهات، وكان الجنيه آنذاك ضعف الدولار الأميركي، أي ما يساوي اليوم نحو ألفين من الجنيهات، لذلك فلا بد من تحديث، فالتشريعات التي سُنّت سابقاً كانت مناسبة لوقتها أما الآن فلا، وهذا ما فعله الأردن.

تقصد أن الأردن أصدر قانوناً جديداً للغة العربية؟

نعم، صدر هذا القانون في عام 2015، ونص في مواده على إلزام موظفي التربية والتعليم بخوض امتحان في اللغة العربية، وهو ما نسعى إلى الاقتداء به في مصر.

ألا تظن أن عدم إجادة كبار المشتغلين بالعمل العام في مصر للغة العربية يعوق مسعاكم هذا؟

لا أظن ذلك، لأن الجميع يعلم أن لإنكلترا شهادة في اللغة الإنكليزية عند حدها الأدنى تفرض على طلاب جامعاتها من الدول الأخرى، خصوصاً القادمين من الشرق الأوسط، الحصول عليها للالتحاق بجامعاتها، نحن نريد شهادة في اللغة العربية شبيهة بذلك.

تريدون اشتراط هذه الشهادة على كل من يشتغل بالعمل العام؟

في الحقيقة، الأردن أوجبها على المعلمين سواء كانوا في الجامعات أو في التعليم العام، ونحن نريدها للجميع لأن من يعمل في وزارة الخارجية مثلاً ألا يحتاج إلى معرفة العربية؟ إنه يكتب المعاهدات بلغتين، لغة بلده ولغة البلد الآخر، فإن لم يكن يعرف العربية سوف لا يحسن المفاوضة والاتفاق.

والسياسيون السابقون كانوا يجيدون اللغة إلى حد كبير وينافسون المتخصصين فيها، فلذلك اتجه العالم العربي كله، وليس نحن فقط، لاشتراط إجادة اللغة العربية، كما أن في اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) وفي الإيسيسكو (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة)، وفي المنظمة المنبثقة من اللغة العربية، ثمة لجنة دولية، بل إن المشاركين فيها أنفسهم أعضاء في مجمع السودان أو سورية أو القاهرة، يعملون على بناء صيغة لشهادة مشتركة تناسب العالم العربي كله، ويمكن أن يكون الحصول عليها أساسا لدخول الجهاز الحكومي في أي مجال كان، ولا أظن أن هذا سوف يكون عيبا أو عقبة لأن العالم كله يفعل ذلك.

أجندة ومعجم

ماذا عن موقع هذه الأولويات في أجندة المؤتمر المقبل للمجمع؟

نعقد مؤتمر المجمع في دورته الثالثة والثمانين، وموضوعه: اللغة العربية في التعليم ومسؤولية الأمة، في المدة من 24 أبريل إلى 8 مايو عام 2017.

وتتلخص محاور موضوع المؤتمر في مناقشة تحديات اللغة العربية في التعليم العام والمهني والجامعي وفي الناطقين بغيرها، إذ يتناول المؤتمر المقررات اللغوية لتأهيل معلم اللغة العربية، والإعداد اللغوي للمعلم غير المتخصص في اللغة العربية، ومقررات الأدب والبلاغة والنقد الأدبي، ومقررات قواعد اللغة العربية في التعليم العام، والدراسات اللغوية الحديثة وتطبيقاتها في مناهج تعليم اللغة العربية، وتوظيف جهود المجامع العربية في خدمة تعليم العربية، وكتب تعليم اللغة العربية في التعليم العام، وقياس مهارات اللغة عند الدراسين.

ماذا عن علاقة المجمع بالجمعيات المعنية باللغة العربية؟

علاقتنا طيبة بتلك الجمعيات، يأتون إلينا ونذهب إليهم، ونقدم خبراتنا لكل راغب فيها، خصوصاً من العاملين باللغة العربية سواء في التعليم أو الإعلام، ولكننا لا نتوسع في الاستشارات والتدريب، لأننا لو فتحنا الباب لذلك ما وجدنا وقتاً للبحث، وهو أصل عملنا في المجمع.

متى يصدر معجم الأطفال الذي يعكف المجمع عليه منذ سنوات؟

كان في عزمنا أن يخرج المعجم مدعوماً بالصوت، وأن يسجل الصوت زميلنا الشاعر الكبير الراحل فاروق شوشة، وأدخلنا تعديلات على مشروع المعجم فأصبح مخصصاً لمستوى أكبر من الطفل، أي في الفترة العمرية من ثماني سنوات حتى 13 سنة.

ونحن نتحدث عن واقع اللغة العربية اليوم. كيف تنظر إلى علاقتها بدعوات تجديد الخطاب الديني؟

لعلك سمعتني أتكلم عن الأزهري في الماضي والأزهري في الحاضر، ولكن ثمة خطوات ومحاولات على مستوى هيئة كبار العلماء ومشيخة الأزهر والمسؤولين التربويين لتغيير المناهج وتطويرها. ليس الإصلاح هو زيادة التبسيط والتسطيح والتخفيف، إنما الإعداد الجيد للطالب الأزهري الذي يفهم لغته وتراثه ودينه ثم يتواصل بعد ذلك مع الجمهور. لست راضياً تماماً باعتباري أزهرياً عن مستوى الخريجين الحاضرين، ولكني شاركت، وثمة غيري كثيرون، في محاولة تغيير هذا الواقع، وأنت تعلم أن ترهل، أو سمعت منك كلمة «تردٍ» لا يخص المعاهد الأزهرية وإنما يعم المدارس الحكومية والجمعيات والجامعات. على كل منا أن يرقى بالمستوى المحيط به وأن يعمل على أداء واجبه، وأظنّ أن التوجه الآن في الأزهر هو ترقية المناهج والعودة إلى ما قبل التطوير الذي تمّ في عام 1961 (عام استحداث كليات علمية بجامعة الأزهر إلى جانب كلياته الشرعية في حقبة الستينيات).

السياسيون واللغة العربية

أبدى الدكتور الشافعي حزنه على حال اللغة العربية التي شهدت تدهوراً كبيراً، خصوصاً على لسان السياسيين، وقال: «يؤلمني نطق السياسيين الخاطئ للغة العربية، وكم أود أن تتغير الحال. تدهور التعليم، والمدرسة المصرية استقالت من عملها، واختفى الكُتّاب الذي لم يكن مجرد مكان للتعليم الديني، وإنما كان يُغيّر الفكّ نفسه من خلال نطق المتعلمين للقرآن الكريم عبر روايات مختلفة في قراءات مثل حفص أو ورش أو غيره.

بل إن المؤسف أكثر أن أحد البرلمانيين ألقى خطبة في 19 دقيقة تخللها أكثر من 150 خطأ، وهو ما لم يكن يحدث في السنوات البعيدة الماضية حيث كان الساسة يجيدون الحديث بالعربية الفصحى مثل النحاس باشا وفؤاد سراج الدين والملك حسين، كما أن ثمة سياسيين عرباً اليوم يتحرون اللغة السليمة في خطاباتهم».

من لا يعرف العربية لا يحسن المفاوضات وعقد الاتفاقات

التوجه في الأزهر هو العودة إلى نظام ما قبل الستينيات
back to top