المثقف «النخبوي» ومحاربة الطائفية

نشر في 26-12-2016
آخر تحديث 26-12-2016 | 00:08
المثقف «النخبوي» معزول عن الواقع، ويكتفي عادة بالتفسير السطحي لقضايا مُعقدة ومركبة مثل ظاهرة الطائفية السياسية، فيقوم بعملية وصف «ميكانيكي» للنتائج التي يراها طافيةً على السطح، بينما يتجاهل الأسباب الجذرية للظاهرة.
 د. بدر الديحاني الطائفية السياسية ظاهرة خطيرة تُهدد تماسك المجتمع واستقراره وتقدمه، ويتطلب القضاء عليها معالجة أسبابها الجذرية، لا كما يفعل "المثقف النخبوي" عندما يكتفي بصب جام غضبه على ممارسات الطائفيين وتصرفاتهم، أو التهكم عليهم، وأحياناً يصف المجتمع بالتخلف لأن الناس، حسب زعمه، هم السبب الرئيسي في انتشار خطاب الكراهية! في حين يتجنب الحديث عن ظروف الواقع المادي التي خلقت ظاهرة الطائفية السياسية وأبرزتها، وجعلت تجار الطائفية وأمراءها يصولون ويجولون في الساحة السياسية مع أنه ليس لديهم ما يقدمونه للناس سِوى خطاب كراهية طائفي بغيض.

لا غرابة في ذلك، فالمثقف "النخبوي" معزول عن الواقع، ويكتفي عادة بالتفسير السطحي لقضايا مُعقدة ومركبة مثل ظاهرة الطائفية السياسية، فيقوم بعملية وصف "ميكانيكي" للنتائج التي يراها طافيةً على السطح، بينما يتجاهل الأسباب الجذرية للظاهرة. وفي بعض الأحيان، فإنه لا يُسمّي الأشياء بأسمائها الصحيحة عندما يدور الحديث حول أمور خلافية تتطلب اتخاذ موقف كالطائفية السياسية، على سبيل المثال لا الحصر، وذلك إما نتيجة قصور في أدوات التحليل "النخبوي"، أو خشية إثارة غضب السلطة السياسية المتحالفة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي مع جماعات الإسلام السياسي، وهو الأمر الذي يجعل انتقاده للممارسات الطائفية السيئة التي نراها باستمرار بلا قيمة، لأنه مجرد تفريغ لشحنة غضب عابرة.

إن القضاء الجذري على ظاهرة الطائفية السياسية لا يتحقق من خلال التهكم الشخصي على من يُروّج خطاب الكراهية مثلما يفعل بعض "المثقفين النخبويين"، أو من خلال المواعظ والحِكم والخطاب الإنشائي مثلما تفعل الحكومة، بل يتطلب في الأساس البحث الجدّي عن الأسباب الجوهرية التي مكّنت العناصر والجماعات الطائفية من الوصول إلى سلطة اتخاذ القرار العام وصنع السياسات العامة للدولة، وإقرار القوانين، ثم القيام، بعد ذلك، بمعالجة حقيقية للأسباب الجذرية لا الوقوف عند تخفيف حدة الآثار والنتائج والأعراض. ويأتي في مقدمة الأسباب تحالف السلطة سياسياً مع جماعات الإسلام السياسي بشقيه السنّي والشيعي، ودعمهم وتشجيعهم، وذلك بجانب إقرار سياسات عامة وقوانين تساعد على بروز الاستقطابات الطائفية الحادة مثل قانون تقسيم الدوائر الانتخابية إلى 25 دائرة، وأيضاً قانون "الصوت الواحد"، مما سهّل وصول كبار دعاة الطائفية وتجارها أو من يمثلهم إلى المجلس، ناهيك عن عدم تنظيم الحياة السياسية على قواعد وأسس مدنية ديمقراطية بحيث تُمنع الجماعات الطائفية التي ترفع شعارات دينية من ممارسة العمل السياسي.

back to top