الأديبة الأردنية ثائرة عقرباوي: لست متحيّزة إلى المرأة تحديداً

بل إلى القضايا الإنسانية في مجتمعاتنا العربية

نشر في 22-12-2016
آخر تحديث 22-12-2016 | 00:00
برز اسم الأديبة ثائرة عقرباوي على الساحة الأدبية الأردنية، والعربية عموماً، بروايتها «المناطير» التي نالت اهتماماً نقدياً واسعاً، وقاعدة جماهيرية تمتدّ من الأردن إلى فلسطين إلى الكويت ولبنان. الأديبة المولودة في الكويت من والدين فلسطينيين عاشا فترة في لبنان، واستقرا في الأردن، عكست روايتها مسيرة الشتات الفلسطيني والعلاقات الإنسانية في المهجر في إطار قصة حب تدور في عدد من الأمكنة تجعل الجغرافيا وذاكرة المكان حاضرة دوماً.
حول روايتها، وما تعكسه في الواقع، والمشهد الأدبي العربي الراهن كان هذا الحوار.
صدرت لك أخيراً روايتك الأولى «المناطير»، ماذا عنها وماذا يعني الاسم؟

«المناطير» رواية صغيرة، تحكي قصة حب غير عادية، تفيض أحداثها بأمكنة وقضايا اجتماعية وسياسية. جاء اسمها من أحد الأمكنة المذكورة في الرواية، فالمناطير بيوت كان الفلاحون الفلسطينيون يشيدونها في أراضيهم الزراعية لحراستها. تدور الرواية حول الفتاة «بهاء» الشابة الحالمة التي أحبت جمال الأستاذ الجامعي، وخاضت معه رحلة الحب بآلامها وخيباتها. كذلك تحمل الرواية ثنائيات عدة أبرزها الوطن والمنفى، الحب واللاحب، المرأة والرجل، الموت والحياة، وتغوص في صميم واقعنا، إذ نرصد شخصياتها في واقعنا العربي يومياً.

هل كانت رسالتك في الرواية تسعى إلى توظيف الماضي وإسقاطه على الحاضر؟

ليس تماماً. كانت الإشارة إلى الماضي البعيد ألا وهو نكبة 1948 من باب الإشارة إلى أحد أهم مصادر إثراء الشخصية الرئيسة في الرواية. أما الماضي القريب فهو إن صح التعبير لا يختلف عن حاضرنا.

تداخلت الأزمنة في الرواية. كيف انتقلت من أزمنة بعيدة وأخرى قريبة بهذه الرشاقة من دون أن يدخل القارئ في متاهات؟

صحيح. ومع ذلك لم يفقد السرد انسيابيته، وهذا ما ساعد في عدم الوقوع في مطب المتاهات. يستعين الإنسان عادة بـ{البلاي باك» حتى في أحاديثه العادية. كان لا بدّ لهذه الرواية من هذه التقنية، لأن الذاكرة تؤدي دوراً فيها.

هل تنحازين إلى الرأي القائل إن مهمة الرواية رصد ما استعصى على النسيان من الأحداث والأماكن والأسماء؟

أجل، وأزيد على ذلك أنها ترصد أيضاً الرؤى والأحلام وحتى المخاوف. في النهاية، الرواية أحداث وأماكن وأسماء إذا وجدت في الذاكرة فإنها رصد لتجارب، وإذا صارت متخيلة في زمن قادم فإنها رصد لأحلامنا ومخاوفنا. غير أن شخصياتي الروائية تركت لها حرية قلب الطاولة على أفكاري ولغتي، لكني في الخفاء كنت أشعر بأنني أتقمّصها وأهرّب إليها بعضاً من أفكاري.

كتاباتك اجتماعية ووطنية وتتطرق إلى وضعية المرأة في المجتمع العربي عموماً، هل هي موجهة إلى المرأة تحديداً؟

أبداً، كتاباتي موجهة إلى الإنسان العربي عموماً، لكن من الطبيعي أن تكون المرأة حاضرة فيها بقضاياها. عموماً، لا أجدني متحيّزة إلى المرأة تحديداً، بل إلى القضايا الإنسانية التي تعني مجتمعاتنا العربية.

القصة القصيرة

كانت بدايتك بكتابة القصة، أين أنت من القصة القصيرة اليوم؟

بدأت بالقصة القصيرة عام 1990، ثم توقفت بسبب مشاغلي، وعدت إلى كتابتها، لكني لم أنشر أياً منها بشكل رسمي. أتطلع إلى ذلك في المستقبل القريب.

ما الأقرب إليك كتابة الرواية أم القصة؟ وما رأيك بمقولة نحن نعيش عصر الرواية؟

الحقيقة أن من أثق بآرائهم قالوا لي إن كل قصة قصيرة كتبتها هي مشروع رواية، وأعترف بأن النفس الروائي أقرب إليَّ لما يمنحني من مساحة أوسع. صحيح أننا نعيش عصر الرواية، لكن قليلة هي الروايات التي تستحق القراءة.

نقد ومشاكل

ما الذي يميز الكاتب من وجهة نظرك: التعابير اللغوية أم أسلوبه أم واقعيته؟

العناصر الثلاثة بالأهمية ذاتها في تمييز الكاتب، وإن كنت أرى أن الواقعية تجعله أقرب إلى القراء، فالنص السردي يبدو كبوتقة انصهرت فيها هذه العناصر كافة لتنتج نصاً مميزاً أو رديئاً. يضفي ثراء اللغة الكثير على النص، ولكنه يكون تهويمات بلا معنى (ككأس جميلة وفارغة) إن افتقر إلى الحدث والفكر والفلسفة، أي إلى المعنى، أو إن لم يجدل الكاتب ثراء اللغة والحدث بأساليب سردية حديثة تشد القارئ منذ الكلمة الأولى.

هل من تجارب نقدية رافقت تجربتك الأدبية، لا سيما أن البعض يرى أن النقاد يجاملون كتابات المرأة لكونها امرأة، ولا يقيّمون منجزها الأدبي بموضوعية؟

كان ذلك منذ زمن بعيد حين كنت أكتب القصة القصيرة. يجامل بعض النقاد المرأة، وللأسف حتى بعض الناشرين يفعل ذلك. نعم، معظم الانتقادات يأتي على هذا النحو، بل ربما يميل إلى القطرية أحياناً. عموماً، لدينا مشكلة كبيرة ومؤثرة ومعقدة في الحركة النقدية العربية، لا مجال لذكر تفاصيلها هنا. ولكنها باختصار تفتقر إلى الحركة النقدية الجادة، التي تتابع ما يُنتج وتعمل على دراسته وتصنيفه وتبيان الغث من السمين. هي حركة تتكئ على النظريات النقدية الأوروبية، من دون التأسيس عليها وتطويرها!

كيف ترين الحالة الأدبية والوضع الثقافي العربي راهناً؟

يعيش الوضع الثقافي حالة مخاض، وبرزت في العالم العربي أسماء إبداعية جديدة من الجيل الشاب، شعراً وسرداً، أتوقع لها مستقبلاً مشرقاً. في الأردن على سبيل المثال استطاع مبدعون ترسيخ حضورهم خلال السنوات الماضية، وأثبتوا أهميتهم في المشهد السردي العربي، وأنتجوا أدباً معرفياً، سواء على الصعيد التاريخي أو العلمي أو الفكري. لكنها تبقى تجارب منفردة وليست حالة إبداعية متكاملة لدينا.

ما هي أهم المشكلات التي تواجه الثقافة العربية والأديب العربي؟

الشللية، وعدم الاهتمام بالأقلام الشابة، والسرقات الفكرية، والخجل الإعلامي في تناول القضايا الثقافية، فضلاً عن عدم تسليط الضوء على المبدعين، وانشغال الكاتب في البحث عن رزقه. في أوروبا مثلاً يتفرّغ الكاتب للكتابة، ما يجعله قادراً على الإثراء والإنتاج النوعي.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

أنا في صدد الانتهاء من روايتي الثانية «هاجر»، وهي رواية طويلة مقتبسة عن قصة والدتي ورحيلها بعد نكسة يونيو إلى الكويت، والحياة هناك، ثم الرحلة العكسية.

الغرف الحجرية

«المناطير» أول الأعمال الروائية للأديبة ثائرة عقرباوي، صدرت عن «مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع» في الكويت، والمناطير تعني الغرف الحجرية، اسم يطلق على بيوت الفلاحين في فلسطين. تدور الرواية حول مسيرة الفتاة «بهاء» وهجرتها مع أهلها عقب حرب احتلال وطنها فلسطين، وفشلها مع أول قصة حب عاشتها، واصطدامها بواقعها مع زوج لم تستطع أن تروضه في مدارات اختياراتها إلى جانب أحلام المستقبل النازفة التي طعنت بنصل رحيل حبيبها. وتجسد الرواية باقتدار مزيجاً من مشاعر عميقة يحياها الإنسان في عدد من الأمكنة تجعل الجغرافيا وذاكرة المكان حاضرة وتؤدي دور البطولة.

عقرباوي كاتبة أردنية، ولدت في دولة الكويت لوالدين فلسطينيين، نزحا من فلسطين في أعقاب نكسة يونيو عام 1967. تعلّمت في مدارس الكويت حتى انتقلت أسرتها عام 1990 إلى الأردن، حيث واصلت تعليمها الجامعي، وحصلت على درجة البكالوريوس في الأدب الإنكليزي، بدأت في كتابة القصة القصيرة عام 1990، وشاركت في عدد من الندوات والأمسيات الأدبية.

«نكبة 48» أثرت الشخصية الروائية وأعطت السرد انسيابيته

بعض النقاد يجامل المرأة وبعض الناشرين أيضاً
back to top