منير عتيبة: «الفردية» مرض يستوطن جسد الثقافة العربية

«القصة القصيرة فنّ صعب وطاقة نفسية تتفجر كالبركان»

نشر في 18-12-2016
آخر تحديث 18-12-2016 | 00:10
تأكيداً لمهارته الإبداعية لا سيما السردية، اتجه منير عتيبة إلى الكتابة للأطفال بعد روايتين ومجموعات قصصية. مسيرة الأديب المصري حافلة بالإنجاز وإثراء الحياة الثقافية، ذلك من خلال ترؤسه مختبر السرديات في مكتبة الإسكندرية حيث قدّم أعمالاً روائية وقصصية عدة، أو ترؤسه سلسلة «كتابات جديدة» التابعة للهيئة العامة للكتاب. ويملك عتيبة مشروعاً طموحاً في أدب الطفل العربي. عن أعماله ومسيرته التقته «الجريدة» وكان الحوار.

لديك مشروع طموح في أدب الطفل العربي. ماذا عنه وما الجديد فيه؟

بدأت المشروع منذ فترة طويلة إذ كنت وما زلت أرى أن التحدي الكبير الذي يواجه كاتب قصص الأطفال ليس أن يكتب كأنه عاد طفلاً، بل كأنه أصبح طفلاً من هذه الأيام، من ثم عليه أن يدرس ويحلل كل ما يؤثر في طفل هذا العصر قبل أن يكتب له ليضمن حداً أدنى من الاستجابة لعمله. عموماً، لم تعد الكتابة للطفل مجرد قصة مسلية، بل هي قيمة معرفية تقدمها لإنسان لديه الآن من وسائل الوصول إلى المعرفة والتسلية ما لا حصر له، لذا يجب أن تعطى لهذه الوسائل قدرها، وأن تحترم عقلية الطفل الذي تخاطبه وثقافته. على ذلك، أرى أننا نحتاج إلى مناهج تدريبية منظمة لكتاب الأطفال للارتقاء بمستوى كتابتنا بما يناسب طفل اليوم. في هذا المجال، صدرت لي كتب عدة من بينها «حكايات عربية»، ومجموعة قصص «شقاوة أوشا»، ومسرحية «تعال نلعب ونقرأ»، وأنتهي قريباً من مسرحية من نوع الخيال العلمي للأطفال أكتبها مع الصديق أحمد عامر، كذلك أعدّ لمسرحية أخرى ربما أكتبها خلال الفترة المقبلة تدور في عالم الحكايات الشعبية الذي أعشقه.

متى استشعرت ضرورة هذه الكتابة، وماذا مثلت لك في اللحظة التي بدأت فيها خطّ أول أعمالك؟

منذ بدأت مشوار الكتابة بالخواطر المسجوعة التي أظنها شعراً، ثم طورت نفسي بالقراءة والاستماع إلى ملاحظات أساتذة اللغة العربية في المدرسة، وكنت أكتب للأطفال من سني ثم كبر معي إحساسي بما أقدمه. منذ ذلك الحين أعطتني الكتابة شعوراً بأنها بيتي، مكان لقائي الحقيقي بجوهر الروح في داخلي. وكل ما أفعله لصقل أدواتي محاولة لأقترب أكثر من تلك الروح في هذا البيت.

ما هو الأكثر تأثيراً فيك في المجال الأدبي كتابة القصة أم الرواية أم الكتابة للأطفال؟

كل ما أكتبه هو الأكثر تأثيراً عند كتابته لأنني أتفرّغ له حتى الانتهاء منه.

المتتبع لأعمالك الأدبية والروائية يجد أن القصة القصيرة تطغى فيها أكثر من الرواية. لماذا؟

أحب القصة القصيرة. أشعر بمتعة وأنا أفكر فيها، وأنا أكتبها، هي طاقة نفسية وفنية تتفجر في لحظة كبركان (لحظة قد تمتد أشهراً أو سنوات) وأعتز بالإصدارات القصصية ومن بينها «بقعة على دم شجرة، حاوي عروس، يا فراخ العالم اتحدوا، حكايات البياتي، الأمير يطارده الموت، روح الحطايا، مرج الكحل، كسر الحزن». كذلك أحب الرواية لكنها تحتاج إلى بحث وتخطيط ووقت أطول ليس من السهل إيجاده دائماً.

رواية وفوز

ماذا عن روايتك «موجيتوس»، ألم تر أنها لم تحظ بالقدر نفسه من الاهتمام مثل الأعمال القصصية؟

«موجيتوس» مغامرة روائية بالنسبة إلي، وتلقاها النقد في المجلات المصرية والعربية سواء في دول الوطن العربي أو أوروبا بشكل جيد في كم المقالات والدراسات حولها ومضمونها. لكني أعتقد أن الناشر لو وزّعها بشكل أفضل سيكون تلقيها على مستوى النقد والقراءة أفضل بالتبعية.

جاء فوزك بجائزة الدولة التشجيعية أخيراً عن مجموعتك القصصية «روح الحكاية». حدثنا عن هذا المجموعة.

تعتمد جوائز الدولة التشجيعية في الأدب نظام المداورة فتكون الجائزة في مجال الرواية في عام وفي مجال القصة القصيرة في العام الذي يليه وهكذا، ويضاف إليهما موضوع تختاره لجنة تابعة للمجلس الأعلى للثقافة لا لجنة القصة. كان النصيب في العام الماضي للرواية التاريخية وفي هذا العام للقصة القصيرة جداً. بالنسبة إلي، بدأت كتابة أول قصصي في هذا المجال عام 2001، وتخيلت أنني يمكن أن أكمل مجموعة كاملة خلال سنتين أو ثلاث سنوات، لكنني اكتشفت أن القصة القصيرة جداً فن صعب للغاية إذا تعامل معها الكاتب بالجدية التي تستحقها، وتحضر هنا «روح الحكاية» المجموعة الفائزة.

ومضة وهزائم

هل أصبحت الومضة القصصية نوعاً أدبيّاً جديداً؟ وهل تحدّد بعدد معين من الكلمات؟ ومتى نطلق «الومضة» على نص أدبي؟

لست ضد أية كتابة ما دام ثمة من يكتبها ومن يتلقاها، فلماذا أحجر ذوقياً على أي إنسان. أثبتت الومضة حضوراً قوياً، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن لنعترف أن كثيراً مما ينشر تحت مسمى ومضة لا يرقى إلى المستوى اللائق بهذا الفن، إلا أن المقياس نفسه ينطبق على الرواية لكنه لا يلغي وجودها، وللومضة والشذرة مواصفات إبداعية مختلفة التكثيف والإضمار من أهمها، وليس علينا أن نسخر من حجم النص، وإلا فللروائي أن يسخر من حجم القصة القصيرة مثلاً.

أمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية، هل يمكن أن تنتج الرواية بطلاً يحمل انتصاراً قادماً أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟

لا أعتقد أن مهمة الرواية أن تصنع بطلاً يبشر أو لا يبشر. تحاول الرواية الغوص في عمق اللحظة الراهنة مستندة إلى التجربة التاريخية ومستشرفة آفاق المستقبل، لتحلل واقعها الآني وتستجلي أسئلته، من دون ادعاء طرح إجابات نهائية وحاسمة.

كيف ترى مستقبل الثقافة العربية عموماً والمصرية خصوصاً، وما هي أهم المشكلات التي تواجهها؟

المشهد الثقافي المصري جزء من الحالة المصرية العامة التي تحتاج إلى كثير من الوقت والتخطيط والجهد المضني للخروج بها من التردي والعشوائية ووضعها على الطريق الصحيح، وهذا لا يعني عدم وجود جهود حقيقية ومخلصة ومثمرة في هذا المجال، ولكني أتكلم عن منظومة متكاملة تعمل هذه الجهود في إطارها.

وأعتقد أن أهم المشاكل في حياتنا عموماً، لا الثقافية فحسب، هي غياب التخطيط والتنفيذ بناء عليه ومتابعة ما نفِّذ وقياسه إلى ما خطط له ومحاسبة القيمين إيجاباً أو سلباً. كذلك غياب فكرة العمل لأجل صالح المجموع التي تراجعت لصالح الفردانية الشديدة حتى أصبح من يعمل لأجل غيره أو مجتمعه حالة غريبة تثير التساؤل، فضلاً عن سيطرة فكرة الاستعراض على المحتوى الحقيقي، وتراجع معايير الدقة والانضباط والإجادة والأمانة لصالح السبق والخبطة والإبهار. لكني لست يائساً لأن اليأس يدعو إلى عدم العمل. يبقى أن المشاكل لن تنتهي يوماً فلا جنة على الأرض، ولكن يجب أن نواصل العمل لأجل الحلول، متوقعين ظهور مشاكل جديدة علينا أن نحلها أيضاً.

البطل التاريخي
ينشغل منير عتيبة بالتاريخ، خصوصاً في أعماله الروائية وأبرزها «بطل القفاس» و«مجيتوس». تجسد «بطل القفاس» حياة شامل بن ذكاو، وهو أحد أئمة الشيشان وداغستان، تتلمذ على يد العلامة سعيد الهركاني، ثم انخرط مريداً في الطريقة النقشبندية، التي حافظت على روح الإسلام عفية بالقوقاز، وتتابع الرواية كفاح الإمام «شامل» ضد الروس على مدار ربع قرن تقريباً، ثم وقوعه أسيراً في يد القيصر إسكندر الثاني، ثم الإفراج عنه لتوافيه المنية عام 1871 في المدينة المنورة. يُذكر أن في الرواية جهداً كبيراً مبذولاً في تحقيق الوقائع، وتدقيق الحوادث، ورسم ملامح البيئة الاجتماعية والجغرافية.

اتبع عتيبة الطريقة ذاتها في روايته «موجيتوس» التي تعود بنا إلى بكائية الأندلس في زمن عبدالرحمن الناصر، لتسيح منها في أرض فرنسا وسويسرا وإيطاليا، حين تتملك روح المغامرة عشرين رجلاً فقط فيقررون غزو صقلية، ويتمكنون من هذا، ويغنمون الكثير، لكن البحر يقذف بسفينتهم إلى شاطئ غريب، فينخرطون في علاقات إنسانية مع أهل البلاد التي يتوقفون عندها، وتتعمق غزوات متوالية تخضع لهم فيها مدن وقرى على ممرات جبال الألب. يلتقط هنا عتيبة حكاية ضائعة في أضابير التاريخ، ثم ينفخ فيها من روحه الإبداعية وخياله الخصب، مستعيناً بما قرأه عن هذا الزمن.

الكتابة للطفل لم تعد مجرد قصة مسلية بل قيمة معرفية

الرواية لا تصنع أبطالاً بل الواقع هو الذي يفعل ذلك
back to top