كردستان والوجه الآخر للحرب الطائفية

نشر في 16-12-2016
آخر تحديث 16-12-2016 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر لأكثر من مرة، أكد السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان أن الإقليم لا يمكن أن ينجر إلى الحرب المذهبية التي تعم المنطقة، ولن يكون ساحة لها، وقد نجح الإقليم في أن ينأى بنفسه عن تلك الحرب لسبب بسيط، هو أن المجتمع الكردستاني شعبا وأحزاباً هو أقرب إلى العلمانية منه إلى التطرف الديني، وحتى أحزابه الإسلامية تمتلك رؤى معتدلة قياساً إلى قريناتها في المنطقة، ولكن يبقى السؤال: هل استطعنا في الإقليم أن ننأى بأنفسنا عن تبعات تلك الحرب؟

لا نريد هنا أن نجلد أنفسنا ونبالغ في التشاؤم، إلا أن ما يواجه الإقليم من تحديات خارجية وداخلية يجعلنا نرى الموضوع من زاوية الحرص على هذا الكيان الواعد، بعد أن وضعتنا الظروف السياسية الميحطة بنا أمام خيارات أحلاها مر، فإما الذهاب إلى تقسيم الإقليم إلى أقاليم، وهذا ما يخطط له الآخرون ويرفضه جميع الشعب الكردي بالمطلق، أو أن تكون الأحزاب الكردية على قدر المسؤولية وتحاول تصفير مشاكلها بشكل جذري، بعد أن أثبتت الأحداث عدم جدوى الحلول الترقيعية، وفي نفس الوقت عدم قدرة أي طرف سياسي على تحييد الأطراف الأخرى والسيطرة على الوضع الكردي بمفرده.

إن خطورة الوضع في كردستان لا تقتصر على المشاكل الظاهرة على السطح, بل تتعداها إلى العامل الخارجي الإقليمي الذي يزيد من خطورتها، فالدول المحيطة بإقليم كردستان قد تختلف في الكثير من الملفات، إلا أنها متفقة فيما بينها تماماً في رؤيتها للملف الكردي، وكيفية التصدي للطموح الكردي المتنامي في أجزاء كردستان الأربعة, وتنسق الأدوار فيما بينها مستغلة الخلافات السياسية بين أحزاب كردستان بغية جرها إلى مواقف تزيد من هوة الخلاف بينها.

الدور الإيراني

لقد نجحت إيران في نقل تجربتها مع الوضع العراقي واستنساخها في كردستان... ففي العراق تتمتع إيران بعلاقات جيدة مع جميع الأحزاب الشيعية، إلا أنها أرست علاقات متميزة مع جناح المالكي في حزب الدعوة الذي تبنته ودفعت إلى صدارته بعض الساسة الذين لا يفقهون في السياسة شيئاً سوى تصعيد المواقف مع جميع الأطراف، عراقية كانت أم إقليمية، بما يخدم التوجهات الإيرانية، وبعد نجاح تجربتها هذه في العراق حاولت استنساخها نصا في كردستان. فعلاقاتها جيدة مع جميع الأطراف الكردستانية إلا أنها تتمتع بعلاقات متميزة مع حركة التغيير التي انشقت من الاتحاد الوطني، ووضعت في واجهتها البعض ممن لا يعرفون في السياسة شيئاً سوى تصعيد المواقف السياسية وإثارة المشاكل. وقد دفعت هذه العلاقة المتميزة بين الطرفين حزب الاتحاد الوطني للعمل على الحفاظ على علاقاتها التاريخية مع إيران، ومنافسة حركة التغيير في ذلك، وبذلك أصبح الحزبان أسيرَي الأجندات الإيرانية، وتجلى ذلك مؤخراً في تنافس الحزبين على تحصيل الرضا الإيراني من خلال مواقفهما إزاء بعض المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد، متخذين مواقف لصالح بغداد على حساب الإقليم.

وهكذا فإن خطورة مواقف الحزبين تكمن في أنهما يحاولان الرهان على قضايا مصيرية للشعب الكردي لمصالح حزبية ضيقة، وإن كان من خلال إثارة المشاكل دون تقديم شيء للشارع الكردستاني.

تركيا

أما تركيا فإنها تتعامل مع إقليم كردستان على ضوء تبعات الوضع الكردي في تركيا، ففي الوقت الذي تحارب فيه حزب العمال الكردستاني، تحاول مد جسور التفاهم مع حزب الأغلبية في حكومة إقليم كردستان المتمثل بالحزب الديمقراطي الكردستاني، وقد وعى الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ البداية للتوجه التركي هذا وسمح بمد جسور التفاهم والثقة مع تركيا على أساس المصالح المشتركة, لكن دون تمكين تركيا من استغلال تلك العلاقات لتؤثر سلبا على وضع الكرد هناك.

إلا أن ما يؤسف له هو وقوع حزب العمال الكردستاني في فخ السياسة التركية تلك، فأصبح يتعامل بعدائية مع إقليم كردستان وحزب الأغلبية فيه، ترجمها على الساحة الكردية في العراق وسورية, فيمنع حزب الاتحاد الديمقراطي السوري (الجناح السوري لحزب العمال) أي حزب كردي سوري يتمتع بعلاقات جيدة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني من العمل السياسي على أرض كردستان سورية, وأيضا في إقامة علاقات مشبوهة مع حكومة بغداد بشكل يؤثر سلباً على حكومة إقليم كردستان، تمثل ذلك بموقف حزب العمال من وجوده في مدينة شنكال (سنجار) وإصراره على البقاء فيها وتشكيله لمجاميع مسلحة ترتبط مباشرة بحكومة بغداد.

لقد تنبهت تركيا إلى وقوع حزب العمال الكردستاني في فخها السياسي وأصبحت تتحرك وفق هذه الثغرة لتوسيع الفجوة في العلاقات الكردية- الكردية، ففي الوقت الذي مارست فيها تركيا ضغوطاً كبيرة على أميركا لانسحاب عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي من غرب الفرات في سورية، لم تبد أي اهتمام حول وجود عناصر نفس الحزب في مدينة سنجار في كردستان العراق، لإدراكها أن استمرار وجود عناصر حزب العمال هناك سيعمق الخلافات الكردية الكردية، وسيعطي مبرراً لتركيا للتوغل في أراضي كردستان العراق في أي وقت تشاء بحجة الحفاظ على أمنه الوطني، وللأسف فإن حزب العمال الكردستاني بقي أسير هذا الموقف بقصد أو بدون قصد.

أما الموقف الأميركي فهو لا يختلف كثيرا عن مواقف إيران وتركيا وإن كان بأجندات أخرى بعيدة عن الخوف من استقلال أجزاء كردستان، فمن المعروف أن السياسة الأميركية تعتمد على إرساء تحالفاتها مع أطراف متعددة في المناطق التي تحوز اهتمامها، وتدير هذه الخلافات بالشكل الذي يتوافق مع مصالحها وأجنداتها، بحيث تبقى جميع تلك الأطراف بحاجة مرغمة على طلب الود الأميركي.

وهذا ما تفعله تماماً في تحركاتها في منطقتنا خاصة في الملف الكردي فيه، فلا يبدو أن أميركا مهتمة بحل المشاكل بين الأحزاب الكردية، كما فعلت في بداية القرن الحالي عندما ضغطت على الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لإنهاء خلافاتهما استعداداً لمرحلة ما بعد صدام حسين، كذلك لا يبدو أنها مهتمة بتنقية الأجواء بين حكومة إقليم كردستان والإدارة الذاتية في كردستان سورية، مع أن أميركا تتمتع بعلاقات متميزة مع جميع الأطراف الكردستانية، سواء في سورية أو في العراق.

نلاحظ مما سبق أن الكرد وإن لم يكونوا قد دخلوا الحرب الطائفية التي يشتعل أوارها في المنطقة فإنهم قد تأثروا بشكل واضح بتبعاتها مخيرين لا مجبرين، وإن كانت الأطراف الإقليمية والدولية تشجع على ديمومة تلك المشاكل فإنها ليست المتسبب الرئيسي لها، فالمسؤولية الكاملة تقع على أعتاق الأحزاب الكردستانية نفسها في إعطائها المصلحة الحزبية أولوية على حساب المصالح العليا للشعب الكردي، متناسين أن المياه الراكدة حالياً في كردستان إن لم تتحرك فسيأتي عليها شتاء قارس لن يذيب صقيعها إلا دفء ربيع كردي لا أتمنى أن يكون كدفء الربيع العربي الذي لم يبقِ ولم يذر.

* (كردستان العراق – أربيل)

back to top