الشعور بالذنب... كيف أتجاوزه؟

نشر في 10-12-2016
آخر تحديث 10-12-2016 | 00:00
No Image Caption
لا يخلو أحدنا من الغضب أحياناً، وهذا أمر طبيعيّ جداً، ولكن متى تجاوز الغضب حدّه فينبغي محاولة السيطرة عليه كي لا يؤدي إلى أذية الآخرين وأذية أنفسنا. فكيف نتعامل مع مشاعرنا الخانقة كي لا تتخطى هذا الحد؟

نزعة مثالية مرهِقة

بحسب فرويد، ينجم شعور الذنب عن قلق راسخ في {الأنا} الداخلية الصغرى التي تواجه متطلبات {الأنا} العليا المرتبطة بمفهوم المثالية. كلما سعينا إلى عدم ارتكاب الأخطاء وكسب حب الآخرين، سيعذبنا هذا الحكم الداخلي ويُضعِف تقديرنا لنفسنا فنشعر بالفشل والعجز في بعض اللحظات بما يشبه مشاعر جميع الأطفال حين يتّكلون على الراشدين في صغرهم.

مقارنات مسيئة

يميل بعض الناس إلى الشعور بالذنب أكثر من غيرهم. تتأثر الشخصية أحياناً نتيجة لتربية متسلّطة ترتكز على الابتزاز العاطفي. لكن ربما تصيب هذه المشكلة أيضاً أي شخص نشأ من دون عنف نفسي، فيتأثر بميله إلى المثالية نتيجة للقيم التي ينقلها له والداه بشكل غير مباشر.

في بعض الحالات، يكفي أن يولد طفل جديد في العائلة كي يترسّخ هذا الشعور فينا. منذ سن مبكرة، يبدي الإنسان حاجته إلى إيجاد سبب لتبرير كل حدث. ربما يظن الطفل في هذه الحالة أن والديه قررا إنجاب ابن آخر لأنه يعجز عن إرضائهما أو لأنه ارتكب الأخطاء، ثم تمهّد علاقة الأخوة لإقامة مقارنات مسيئة حين يعزز الأب والأم عن غير قصد مظاهر التنافس بين الأشقاء.

تحت تأثير هذا السمّ الداخلي، نبحث عن مخارج متعددة ونحاول التصرف بمثالية. لكن كلما كبتنا رغباتنا وأفكارنا السلبية، تطلب منا {الأنا} العليا تضحيات جديدة. أو قد يحصل رد فعل عكسي فيلجأ الشخص إلى أفعال سيئة لاسترجاع هدوء مؤقّت. على صعيد آخر، يشكّل إلقاء اللوم على الآخرين استراتيجية فاعلة أيضاً للتهرب من شعور الذنب كأن ندّعي أننا لم نتأخر على موعدنا بل أخطأ الطرف الآخر في تدوين الموعد! لكن هذه المقاربة ليست فاعلة لأنها تُولّد لاحقاً شعوراً مزدوجاً بالذنب نتيجة لارتكاب خطأ وعدم تحمّل مسؤوليته.

تقضي طريقة أخرى بالاختباء داخل الأفكار الذاتية المرتبطة بالسلطة المطلقة لنسيان خجلنا من نفسنا حين لا نكون في المستوى المطلوب. حتى لو تخيّل الشخص مثلاً أنه بطل وفق سيناريو خيالي، سرعان ما يتجدد شعوره بالذنب فيعتبر نفسه مصاباً بجنون العظمة! لتجاوز أعباء شعور الذنب، تقضي الخطوة الأولى بإيجاد أو استرجاع المتعة في عيش ما نحن عليه تزامناً مع وقف المقارنات التي تُحَطّم تقديرنا لنفسنا.

الثقة بالقدرات الذاتية

يخلط كثيرون بين شعور الذنب وبين المسؤولية! تعني المسؤولية الحقيقية التساؤل حول معنى تصرفاتنا من دون التهرّب من العواقب أو الاقتناع بأننا نسيء التصرف وتقبّل نتائج أفعالنا. حتى أن هذا المعنى من المسؤولية قد يكون نقيضاً لشعور الذنب.

لا يمكن أن يتجاوز أحد شعوره بالذنب وحده. حين نقابل شخصاً شفافاً وحساساً يجيد التعامل معنا، قد نتصالح مع نفسنا بفضله. لكن حين تكون المعاناة حادة، لا مفر من تلقي العلاج.

يشكّل إيجاد شخص مستعد لسماعنا من دون إصدار أي أحكام مسبقة أفضل علاج لمكافحة شعور العار الراسخ في داخلنا وللتصالح مع جسمنا. سنتعلّم حينها أن نتعامل بصدق واهتمام مع ذاتنا، وسنوقف في هذه الحالة محاولات نيل إعجاب الآخرين ونتصرف بصدق مع نفسنا ولا نخشى التعرّض للرفض. كذلك، سنتعلّم أن نسامح نفسنا ونتصرف بما يتوافق مع قدراتنا. لكن لتحقيق نتائج دائمة، يجب أن نعيد النظر في علاقاتنا مع الآخرين فلا نعود نعتبرهم منافسين أو شهوداً على قلة أهميتنا. يجب أن نغذّي شعور الانتماء إلى المجتمع البشري.

لن يسمح هذا الشكل من العمل على الذات بالتخلص نهائياً من شعور الذنب لكنه سيقلّص قدرة ذلك الشعور على إضعافنا. في المقام الأول يجب أن نتمتع بالرغبة والفضول كي نعرف حقيقتنا.

ربما يظن الطفل أن والديه قررا إنجاب ابن آخر لأنه يعجز عن إرضائهما
back to top