أحمد سعيد: اكتشاف «بصمة الصبّية» حدث نادر

«بعد إجراء التحاليل والفحوص المعملية والأثرية ستظهر حقائق مهمة»

نشر في 29-11-2016
آخر تحديث 29-11-2016 | 00:04
أكد د. أحمد سعيد أستاذ الآثار والتاريخ بجامعة الكويت أهمية اكتشاف أثر البصمة على قطعة من الفخار بموقع الصبية، لأنها تعد حدثاً نادراً على مستوى المنطقة.
قال أستاذ الآثار والتاريخ في كلية الآداب بجامعة الكويت د. أحمد سعيد، إن "د. سلطان الدويش مدير إدارة الآثار والمتاحف بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أعلن في الثامن عشر من الشهر الجاري حدثاً واكتشافاً آثارياً مهماً بموقع بحره (1) بالصبية بالكويت، والمؤرخ في عصر حضارة العبيد نحو 550 ألف ق.م ضمن أعمال البعثة الآثارية المشتركة بين المجلس الوطني- قطاع الآثار والبعثة البولندية- جامعة وارسو، وهو العثور على شقفة من الفخار عليها اثر بصمة إصبع".

وأضاف "أن هذا الاكتشاف يعد نادراً، إذ لم يتكرر إلا قليلا، وهو حدث آثاري مهم على مستوى دول الخليج العربي، باعتباره الأول من نوعه، وعلى المستوى العالمي لوضعه ضمن ما كشف عنه من قبل من بصمات على الآثار"، لافتا إلى أن وجود بصمة على الفخار يعني انها استقرت في موضعها قبل حرق الإناء الفخاري وهو لايزال طينا نيئا ثم بقيت بعد ذلك".

وذكر "لعل تلك البصمة البشرية التي كشف عنها بموقع الصبية (بحره 1) بعد إجراء التحاليل والفحوص المعملية والآثارية اللازمة عليها ستضيف معلومات مهمة، ولاسيما عن صاحبي تلك الحضارة وسماتهم على أرض الكويت.

وتابع "كما تلقي الضوء أكثر على هذا الموقع المهم الذي يقع في شمال شرق الكويت، ويبعد عن منطقة الجهراء نحو 50 كم، ويعتبر من المواقع الأثرية المهمة التي ظهرت فيه بداية الاستيطان البشري، حيث كشف عن الأدوات التي كانت تستخدم في الحياة اليومية والزراعة مثل رؤوس السهام والرحى، تلك الأداة المصنوعة من الحجر لجرش الحبوب"، مشيراً إلى أنه كشف به على العديد من المدافن الأثرية المتنوعة، والتي تشير إلى طبقات المجتمع التي عاشت في تلك الفترة، وتنتمي لحضارة العبيد 5500 إلى 3500 ق.م، التي تشير إلى وجود مظاهر الحياة للإنسان الذي عاش على أرض الكويت منذ 7300 سنة، تلك الأرض التي مرت عليها معظم حضارات الشرق الأدنى كالحضارة الدلمونية، والهيلينستية الإغريقية، والرومانية، والبيزنطية المسيحية والإسلامية.

وقال د.سعيد "بظهور هذا الاكتشاف تدخل الكويت عالميا ضمن البلاد التي اكتشف بها مثل تلك البصمات، ولاقت اهتماما من علماء الآثار والمتخصصين والمهتمين في العالم أجمع، حيث ظهرت البصمة على الآثار القديمة، وكان بعضها بصمة عن قصد وبعضها عفويا، فمثلا خلال الحضارة السومرية في العراق 3000 ق.م وضعت بصمات الأصابع على الألواح الطينية كما يرى البعض، لتأكيد المعاملات التجارية، وفي مصر القديمة وجدنا بصمات أيضا على الجدران، سواء المنشآت المدنية أو الجنائزية، وربما كانت عن قصد".

وتابع "أما في الصين فيرى البعض أن البصمة قصدت بالفعل لذاتها، حيث تم اتباع بصمة الأصابع منذ 3 آلاف عام لختم العقود، أي ربما أدركوا اختلاف بصمة كل إنسان عن الآخر قبل السير وليم هرشل، الذي اكتشف عام 1858 أن شكل البصمة التي على جلد باطن الإصبع يدل على صاحب الإصبع ويثبت فرديته بين بني جنسه".

بصمات عفوية

أما البصمات العفوية فهناك على سبيل المثال: بصمات الإبهام للبنائين كشف عنها على الطوب في اريحا بالضفة الغربية في فلسطين وترجع الى الألف السابع ق.م. وفي تركيا عام 2011 تم الكشف عن بصمة تعود إلى الألف السابع أو الثامن ق.م، ضمن أنقاض إحدى القرى الزراعية في منطقة Boncuklu Höyük. والى الألف الثالث ق.م يعود كشف أكثر من بصمة للإصبع على شقف من الفخار أو السيراميك بمملكة السويد بموقع Siretorp المطل على البحر المتوسط.

وذكر "في مصر ساعد المناخ الجاف ورمل الصحراء على احتفاظ بعض أرغفة الخبز ببصمة الخباز التي كشف عنها بالمقابر، وترجع إلى حوالي 1600 ق.م نهاية الدولة الوسطى، وفي مصر أيضاً كشفت عدت بصمات على السطح الداخلي لغطاء تابوت على الهيئة الآدمية يرجع إلى بداية العصر المتأخر حوالي 1000 ق.م بمتحف Fitzwilliam بكمبردج في انكلترا، وهو لأحد الكهنة، والذي يعتقد أن بصمته طبعت قبل أن يجف دهان الغطاء، ولذا بقيت إلى اليوم".

ولفت إلى أن أقدم بصمات للإصبع حتى الآن على الإطلاق ما أعلن العلماء في مارس 2016 اكتشافه من بصمات بشرية على الأدوات العظمية الحيوانية التي تعود إلى نحو 50 ألف سنة، وعثر عليها بكهف Denisova في روسيا، وأدت التحاليل المعملية إلى نتائج علمية هائلة وجديدة عن تلك الفترة.

كما أن هناك تمثالا (أنثى) للمعبودة الأم يرجع إلى أكثر من 26 ألف عام قبل الميلاد، أي خلال العصر الحجري القديم الأعلى، وجدت عليه بصمة طفل كشف عنه في ولاية Dolní Věstonice بجمهورية التشيك عام 1929، بينما اظهر الفحص الحديث عام 2002 بصمة الطفل، مما يشير إلى أن التمثال ربما كان أحد الدمى آنذاك، وهو من الفخار وطوله 11 سم، وأقصى عرض 5 سم تقريباً.

وهناك تمثال غادة دولني فيستونيس وموقع بصمة الطفل.

وتأتي أهمية البصمة على الآثار من خلال دراستها المعروفة باسم دراسة البصمات القديمة (Paleodermatoglyphics) بداية من ارتباطها بالأثر الذي أتت أو طبعت عليه، سواء أكان فخاراً أم طوباً لبناً أو حجراً، أو غير ذلك، وهل هي تنتمي إلى صانع الأثر أم يد عابرة، ثم دراستها في إطار الموقع المكتشف به وتأريخه.

وقال "كما تأتي أهمية الدراسات التحليلية بالمعمل، ولاسيما أن السير فرانسيس جالتون في عام 1892 أكد أن صورة البصمة لأي إصبع تبقى كما هي طوال حياته، لذا فإن الدراسة على البصمات الأثرية أولا مع استخدام تحليل (كربون 14) تؤكد تاريخ القطعة الأثرية التي عليها البصمة ومن ثم الموقع المكتشف، فضلا عن معرفة نوع وسن صاحب البصمة، وحديثاً بطبيعة الحال أمكن التعامل مع تحليل الحمض النووي "DNA analysis، والذي يؤدي إلى نتائج هائلة تفيد بلاشك علماء الآثار والتاريخ".

back to top