فرز

حسبت يوماً أن تلك الاستفسارات ما هي إلا بدافع الفضول و»اللقافة»... ليس إلا، وكم كنت مخطئة! فها هم أبناء الطائفة الواحدة ينغلقون على أنفسهم مكونين جماعة فرعية منعزلة عن الآخرين، وها هم أبناء المذهب الواحد يتجنبون صداقة الآخر المختلف، مكتفين بالزمالة المؤدبة معه، ويستمر بناء الحوائط هذا فنراه في المدرسة والجامعة وأماكن العمل، حتى في العلاقات الاجتماعية!بعد فترة، ما عدنا نسمع تلك الأسئلة... فنحن لا نحتاجها! ذلك لأن قدرتنا على رصد المختلف عنا في أدق تفاصيله أغنتنا عن السؤال المباشر.فما إن نرى وجهاً حتى نشرّح ملامحه لمعرفة «أصله» ومسقط رأسه، وما إن نسمع اسماً حتى نسارع إلى إطلاق الأحكام المسبقة وتعليب حامل الاسم وفقاً لانتمائه المفترض! فحتى الأسماء صارت حكراً على طوائف وقبائل دون أخرى، كي لا يظن الآخرون أن أصحابها من مذهب أو نسب غير نسبهم، «لا سمح الله»! وبين كل هذه التقييمات والأحكام المسبقة ضاع الفرد واختُزل إلى مجرد كومة انتماءات لا يد له فيها، وجد نفسه جزءاً منها يوم وُلد فحسب.فهل مبادئ الوحدة الوطنية ودرء العنصرية مجرد شعارات سطحية لا نراها إلا في وسائل الإعلام؟ هل نتقبل ونحترم الآخر لكن بتحفظ و»حدود»؟ أم أن هذه الحدود الوهمية في طريقها إلى الذوبان؟ كم أتمنى ذلك!